استخدم فتح الله غولن الذي يمتلك مئات المدارس وسكنات الطلاب، وبدأ يستفيد من خدماتها مئات آلاف المواطنين الأتراك هذه القوة الهائلة في بناء جيل كامل يدين بالولاء لجماعة "الخدمة" التي يتزعمها، وباتت تتغلغل في جميع مرافق ومفاصل الدولة الحساسة إلى أن تحولت لقوة انقلاب على الدولة.

ووصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تلك القوة " بـ الكيان الموازي، حيث أنها ليست حديثة الولادة، فالجماعة أو حركة "خدمة" موجودة في البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاماً وتدير مؤسسات تعليمية وإعلامية وتجارية بإمكانيات مالية هائلة وكانت إلى سنوات قريبة جداً من حزب العدالة والتنمية الحاكم وأردوغان الذي تلقى دعماً في بداية توليه الحكم من حليفه السابق غولن.

وفي نهاية عام 2014 وبعد خلافات استمرار لأشهر نفذت قوات أمنية وجهات قضائية حملة واسعة بدعوى محاربة «الفساد» شملت أعضاء مقربين من حزب العدالة والتنمية الحاكم وعائلة أردوغان والمقربين منه، ووصفتها الحكومة بمحاولة انقلاب قضائية نفذها أنصار غولن، وأطلق لاحقاً على أنصار غولن «الكيان الموازي» وبدأ أردوغان حملة واسعة لاجتثاثهم من كافة دوائر الدولة عبر آلاف الإقالات والتنقلات الوظيفية.

وبحسب اتهامات الحكومة، لم تنجح هذه الخطوات وتمكنت الجماعة من تنفيذ محاولة الانقلاب، الجمعة، وباتت تطلق الحكومة على الجماعة "منظمة فتح الله غولن الإرهابية" بجانب الاسم القديم "بنية الكيان الموازي"، وخاض أردوغان حملة إقالات هائلة شملت حتى الآن أكثر من 50 ألف من موظفي القطاع العام أغلبهم من سلك التعليم.

وتنتشر في تركيا آلاف المدارس الخاصة والمراكز التعليمية التحضيرية التي تساعد الطلاب على التحضير لتقديم الامتحانات المتعلقة بالقبول في الكليات الثانوية والمعاهد والجامعات، وبالتالي يلتحق معظم الطلاب في هذه المدارس والمراكز من أجل الدخول لهذه الامتحانات المصيرية.

الجماعة التي تمتلك نفوذاً كبيرة فُتحت بحقها خلال السنوات الأخيرة ملفات تحقيق كبيرة بتهمة تسريب أسئلة الامتحانات لطلابها من أجل الحصول على علامات عالية وبالتالي الحصول على مقاعد في أفضل التخصصات والجامعات والكليات السياسية والأمنية، كما اتهمت بتسريب أسئلة امتحانات الوظائف العامة الأهم في البلاد.

وحتى إلى ما قبل شهرين فقط، أوقفت الشرطة التركية، 73 مشتبها، في إطار التحقيقات الحالية بشأن قضية تسريب أسئلة امتحانات الوظائف العامة عام 2010، حيث شنت في ذلك الوقت شعبة مكافحة الجرائم المنظمة والمالية، في مديرية أمن أنقرة عملية أمنية متزامنة في 35 ولاية تركية، اعتقلت خلالها 73 مشتبها، من أصل 100، أصدرت بحقهم النيابة العامة مذكرة توقيف.

وفي وقت سابق تم الكشف عن قضية تسريب أسئلة الامتحان، عقب 15 شهرًا من التحري، حيث قامت فرق مكافحة الجرائم المنظمة والمالية، بعمليات توقيف مشتبهين في 19 ولاية، بتاريخ 23 آذار/ مارس 2015، في ضوء التحقيق الذي أطلقته النيابة العامة. واعترف أربعة موقوفين العام الماضي بتورطهم بقضية تسريب الأسئلة، وتبين أن جميعهم كانوا على تواصل فيما بينهم، من خلال جمعية في أنقرة، تتولى توزيع الأسئلة المسربة على أتباع جماعة «فتح الله غولن».

أساليب التجنيد

  اعترف مساعد رئيس هيئة الأركان التركية لفنت توركقان  الأربعاء، بضلوعه في محاولة الانقلاب الفاشلة، وصلته بمنظمة غولن منذ سنين طويلة، مشيراً إلى أنه نفّذ كافة التعليمات والأوامر الصادرة عن المنظمة على أكمل وجه، وأنه تنصّت على رئيس الأركان السابق، نجدت أوزال، وذلك بحسب ما نقلته الوكالة التركية الرسمية.

وقال في اعترافاته: "إنني عضو في منظمة الكيان الموازي، وإني أخدم فتح الله غولن بشكل طوعي منذ سنين طويلة، وأنفّذ كافة التعليمات والأوامر التي تصدر من قيادة المنظمة"، معترفاً أنه على صلة مع 3 قياديين في المنظمة.

وأوضح توركقان، أنّه تعرف على منظمة فتح الله غولن عندما كان طالباً في المرحلة الإعدادية، وأنّ عدداً من منتسبي المنظمة كانوا يتردّدون إلى السكن الداخلي لمدرسته، ويعلمون الطلاب الصلاة، إلى أن قاموا بنقله من السكن إلى منازل المنظمة.

وأكّد أنّه دخل إلى امتحان المدرسة العسكرية عام 1989، وأنّ عدداً من عناصر المنظمة قدموا له الأسئلة ليلة الامتحان، رغم استعداده الجيد لخوضه، لافتا إلى أنّ المنظمة لم توجّهه إلى أي حزب سياسي، وأنه أدلى بصوته في الانتخابات لصالح حزب العدالة والتنمية، وأحزاب أخرى بحسب الأوضاع في فترة الانتخابات.

وأشار أنه أمضى عدة سنين في المدرسة الحربية في العاصمة أنقرة، وشارك في اجتماعات دورية كل شهر، مع مسؤولي المنظمة الذين كانوا يتغيرون باستمرار، كما اعترف أنه كان يتنصت على رئيس الأركان السابق نجدت أوزال، على اعتبار أنه كان يشغل منصب مساعد نائب أوزال منذ عام 2011، وارتقى فيما بعد إلى منصب النائب، فور إحالة النائب الأول للتقاعد.

وفي هذا السياق، تابع توركقان قائلاً: "كنت أتنصت على رئيس الأركان السابق، إذ كنت أضع جهاز التنصت في أي مكان داخل غرفته في الصباح، وآخذه عند انتهاء الدوام، وكان الجهاز قادراً على تسجيل الأصوات لمدة 15 ساعة، وحصلت على الجهاز من أحد إخواننا يدعى مراد، كان يعمل في مديرية الاتصالات، وقال لي حينها أنهم يرغبون في التنصت من أجل جمع المعلومات، ولا يوجد شيء آخر وراء هذه العملية، إلّا أنني لم أستمع لما كان يُسجّل في جهاز التنصت".

اجتثاث الجماعة من سلك التعليم

وضمن الحملة غير المسبوقة التي بدأتها الحكومة ضد نفوذ الجماعة في كافة مفاصل الدولة، والتي تركز جزء كبير منها في وزارة التعليم، تم إغلاق مئات المؤسسات التعليمية التابعة للجماعة وإقالة آلاف من المدرسين العاملين في السلك الحكومي والخاص.

والأربعاء، بدأت وزارة التربية التركية، إجراءات إغلاق 524 مدرسة خاصة، و102 مؤسسة أخرى تابعة لها على خلفية التحقيقات بتهم «جرائم ضد النظام الدستوري»، حسب تعبير الوكالة الرسمية وفي إطار التحقيقات المتواصلة، بحق كافة المؤسسات التعليمية، والمدارس الخاصة، ودور السكن، إضافة إلى الموظفين العاملين في مؤسسات الوزارة، المرتبطين بمنظمة فتح الله غولن.

ووصل عدد الموظفين العاملين في وزارة التربية ومؤسساتها، ممن أوقفتهم الأخيرة عن عملهم بشكل مؤقت إلى 21 ألفاً و738 موظفاً، وذلك في إطار الإجراءات المتخذة بحق الموظفين المشتبه بارتباطهم بالجماعة.

والأسبوع الماضي أعلنت وزارة التربية، إيقاف 15 ألف و200 من موظفيها العاملين داخل الوزارة وفروعها المختلفة في الولايات، عن عملهم "بشكل مؤقت"، وفتح تحقيق بحقهم، على خلفية الاشتباه بصلتهم بمنظمة فتح الله غولن. وشددت الوزارة على ضرورة مكافحة كافة العناصر والمؤسسات التي لها صلة بالمنظمة، وإنهاء فعالياتهم.

وفي خطوة مماثلة، طلبت مؤسسة التعليم العالي التركية من ألف و577 عميد كلية تقديم استقالتهم، في أوسع حملة إقالات بتاريخ البلاد.

في السياق ذاته، وسعت الحكومة التركية مساعيها السابقة لإغلاق مدارس وجامعات الجماعة المنتشرة في عدد كبير من الدول حول العالم، وبعد يوم واحد من إعلان الأردن إغلاق مدرسة تابعة لها، أغلقت أذربيجان، الخميس، جامعة «القوقاز» التي تديرها جماعة "غولن" منذ عام 1993.

المصدر : القدس العربي