الصاروخ البالستي الذي أطلقه الحوثيون على العاصمة السعودية، لم يكن الأول الذي يسقط فوق الأراضي السعودية، لكنه هذه المرة رفع درجات التوتر بين السعودية وإيران في المنطقة إلى درجات متقدمة. كان يمكن اعتبار الأمر عادياً طالما أن السعودية تقود تحالفاً عسكرياً، لتخليص اليمن من آثار وأدوات الصراع الدموي، الذي يدور بين الشرعية والمنقلبين عليها من أنصار الرئيس السابق علي صالح، وحلفائه الحوثيين.
هي الحرب إذن، بما تنطوي عليه من تداعيات وخسائر، واستخدام لكل أنواع القتل والتدمير، غير أن سقوط هذا الصاروخ جاء في وقت عصيب، يتسم بالتوتر بين السعودية وحلفائها وإيران وحلفائها، وفي مناخات إقليمية ودولية تنطوي على قدر عال من التوتر والتهديد. لم تتوقف السعودية من ناحية وإسرائيل من ناحية ثانية عن التحذير من خطورة الاتفاق النووي بين إيران والستة الكبار، ولم تتوقف المطالبات بإلغائه، أو تعديله بأن يشمل تجارب إيران الصاروخية.
ومنذ يومه الأول في البيت الأبيض، لم يتوقف سيده الجديد دونالد ترامب عن التعبير عن غضبه من الاتفاق، والتحريض على إيران باعتبارها دولة راعية للارهاب والتهديد باتخاذ المزيد من العقوبات ضدها، والتهديد بضربها. من ناحيتها إسرائيل لم تتوقف عن تحريض الولايات المتحدة للتخلي عن الاتفاق، والحديث عن التهديد الاستراتيجي الذي تتعرض له، وتتعرض له المنطقة بأكملها، جراء النفوذ الإيراني المتزايد في محيطها، من الشمال والشرق حيث يتشكل محور شيعي يمتد من لبنان على المتوسط إلى العراق وما بينهما.
في الواقع انشغلت السياسة الإسرائيلية منذ كثير من الوقت بموضوع التهديد الذي يشكله «حزب الله» الذي يمتلك منظومة متنوعة بعشرات آلاف الصواريخ القادرة على تهديد العمق الإسرائيلي، فضلاً عما يمتلك الحزب من خبرات قتالية، وإمكانيات تكنولوجية.
كانت عيون إسرائيل مفتوحة كل الوقت على شحنات السلاح التي تصل من إيران عبر سورية إلى لبنان. وقد قامت طائراتها بعدة غارات لمنع وصول هذه الأسلحة. على أن المسألة الأكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل هي اقتراب «حزب الله» والإيرانيين من الجولان السوري، بما ينطوي عليه ذلك من إمكانية فتح جبهة مقاومة ضد إسرائيل التي تحتل هضبة الجولان.
اليوم تتلاقى إرادات كثيرة في الإقليم وخارجه، للحد من التمدد والتهديد الإيراني، سواء على دول الخليج، أو على الجبهة الشرقية من الوطن العربي. ويبدو أن الدول التي تخشى التهديد والتمدد الإيراني، قد فاض كيلها، وباتت غير قادرة على انتظار المزيد من تقدم النفوذ الإيراني، وبعد أن فشلت محاولات تفجير الوضع الإيراني من الداخل.
في هذا السياق تأتي استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري التي أعلنها من السعودية، بما ينطوي عليه مكان اتخاذ وإعلان قرار الاستقالة من تداعيات وما يحمله ذلك من رسائل.
وفي هذا الإطار، أيضاً يمكن أن نفهم توقيت المصالحة الفلسطينية والتي تستهدف عملياً، تحييد المقاومة الفلسطينية، ولتركيز الجهد العسكري على لبنان وإيران سواء مباشرة أو حيث تتواجد قواتها العسكرية في سورية. تحييد المقاومة الفلسطينية أمر مهم جداً في حسابات القوى التي تسعى لفتح النار على «حزب الله» وايران، ذلك أن الفلسطينيين وقضيتهم، سيشكلون إحراجاً شديداً لبعض الأطراف إذا ما كانت المقاومة الفلسطينية معنية بالدخول على خط النار. وبصراحة أكثر فإن «حماس» قد قرأت التطورات بشكل عميق حين اتخذت قرارها بالتنازل عن الحكم والذهاب إلى المصالحة حتى لو أدى ذلك إلى تقديم تنازلات كبيرة قد لا يفهم أسبابها بعض كوادر الحركة وحتى قياديوها.
«حماس» والكل في المنطقة يدركون بأن مسألة تسخين الصراع حتى الحرب بين إيران وتقريباً كل من حولها، وبقرار ومشاركة أميركية ما هي إلاّ مسألة وقت، وأنها لو أخطأت الحسابات فربما كانت ستدفع ثمناً باهظاً.
ليس هذا وحسب بل ان المنطقة التي تتجه نحو التدهور، تخضع لحسابات التحرك السياسي الأميركي، الذي تتحمس له عديد الدول العربية من أجل الذهاب إلى مفاوضات لتحقيق تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. واللبنانيون بعد الاستقالة التي لم يقبلها الرئيس عون، بدؤوا يضربون أخماسهم بأسداسهم، خوفاً من أن تعم الفوضى في البلاد، وهم يدركون أنهم ضحايا لحسابات دولية وإقليمية. إسرائيل التي تتوقع أن تتكبد خسائر هائلة في حرب غير مسبوقة مع «حزب الله»، المدعوم إيرانياً وسورياً، ستستهدف كما قال أكثر من مرة وزيرها المتطرف ليبرمان، تدمير لبنان، وبنية الدولة اللبنانية، وقد تقوم باحتلال أجزاء من أراضيه. وتدرك إسرائيل أن تأخير توقيت هذه الحرب، على ما تنطوي عليه من خسائر سيكبدها في سنوات لاحقة، خسائر لا قبل لها على تحملها. إذن، فلقد تلاقت الإرادات الإقليمية مع إرادة الولايات المتحدة، لتفجير الأوضاع قبل أن تصل نيران الارهاب، إلى بعض الدول العربية، وقبل أن تدخل إسرائيل في وضع يشكل لها تهديدات جدية على وجودها.