إبراهيم: لنفترض أننا تبنا.

حكيم: تبنا عن ماذا؟

إبراهيم: (يتأمل).. أوه.. ليس علينا أن نخوض في التفاصيل.

حكيم: عن كوننا ولدنا؟

في البداية دعونا نتفق، أنه لكوننا ولدنا كفلسطينيين ذلك لا يعني أننا وصمنا بالتميز والتفرد، وكوننا تحت احتلال ذلك لا يعني الحق في الحصول على جرعة خاصة من الاهتمام، ولأننا شعب مناضل ذلك لا يعني أننا محور الكون ونقطة توازنه، طالما أننا لا نهتم بأنفسنا أولًا، وثانيًا أننا "فرجنا العالم على خيبتنا".

ما نحن الأسماء التي لم نُطلقها على أنفسنا، ولا الشهادات والصفات التي اكتسبنا، ولا ما اقتنينا وبنينا وشيّدنا، الحضارة شيء مهم طالما نذكرها فقط ولا نعيش في ماضيها، وإذا كانت فلسطين تاريخ كُتب فنحن أوراق كتابه البالية، ولا نزال نتباهى بصفحات مصفرة من النضال والتحرر.

لم يعد هناك هندي أو كوبي أو ياباني أو حتى أمريكي يتحدث عن أيام احتلاله كأنه الحدث الوحيد في هذا العالم حتى الآن، لماذا وقفنا عند الظلم ننتظر من يرده، ولم نكلف أنفسنا ثمن إشعال شمعة؟

صديقٌ سافر أوروبا مؤخرًا قال لي: أتعلم نحن لا نذكر في هذا العالم، الشعوب لا تعرف من نحن، ومن يعرفنا لا ينظر إلينا كمخلوقات فضائية، أقول لهم "أنا من غزة" فلا تُحدث هذه الكلمة فارقًا، ما يهمهم هو من أنا وما الذي يجعلني أنا، وليس من أين أنا.

أيضًا، لا يوجد نموذج تحرر في العالم انقسم على نفسه وتخاصم مع مكوناته كما كنا نحن، وذلك "باعتبار أن المصالحة تمت" والحكومة ستتمكن أخيرًا وستتغلب على خجلها، والطرف الآخر سيتوقف عن البجاحة.

إذا نحن مميزون إلى هذا الحد الذي ندعيه، كيف سمحنا لأنفسنا بالصبر إلى هذه المرحلة، وكيف اختلفنا إلى هذا القدر، ومع هذا كله نحن ننتظر اللاشيء.

حكيم: دعنا نذهب.

إبراهيم: لا نستطيع

حكيم: لم لا؟

إبراهيم: نحن ننتظر جودو.

حكيم: آه!"

قصتي مع جودو بدأت من كسلي أيام الجامعة، كنت مستهترًا قلما أتواجد في المحاضرات، يومًا ما قلت لابد أن اتعرف على أستاذ الأدب العالمي، حتى لا يستغرب حضوري في الاختبارات النهائية كباقي الأساتذة، وكالمتوقع كانت المحاضرة عن مسرحية في انتظار جودو وعلقت في رأسي من كثرة اقتباسات زملائي لبعض نصوصها حتى قرأتها كلها.

ولمن لم يحضر محاضرة الأدب العالمي صدفة مثلي، في انتظار جودو هي مسرحية كتبها الكاتب الآيرلندي صمويل بيكيت، وتدور حول رجلين يدعيان "فلاديمير" و"استراغون" ينتظران شخصا يدعى "جودو"، حيث أثارت هذه الشخصية مع الحبكة القصصية الكثير من التحليل والجدل حول المعنى المبطن لأحداثها، وحازت على تقييم أهم عمل مسرحي في القرن العشرين باللغة الإنجليزية.

بالطبع أنا غيرت الأسماء الأصلية من فلاديمير واستراغون إلى إبراهيم وحكيم لأسباب لا تتعلق بصعوبة بالنطق وغرابة اللفظ.

القدس تنتظر الرجال، وشكرًا قطر وتركيا وإيران والكويت والسعودية والإمارات.. آآه ومصر، وهلًا بالسيسي والحمد الله وعباس والسنوار وهنية آآه ودحلان، وأهلًا بقذارة السياسة والمصالحة وانتظار العطف والتفضل من أولاء الأمر لبعض الحق الذي نتوسله ولا نطلبه من حاكمينا نحن بعينٍ قوية، أما حكام "الدول الشقيقة ملناش دعوة فيهم".

أعتقد واعتقادي ليس الصواب أن الانتظار حالة من العبودية والقيد، والحر لا يخضع لسطوة عمل اللاشيء في انتظار اللاشيء.

في الفيلم المميز The Patriot أو الوطني للنجم ميل غيبسون الذي تدور أحداثه عن قصة خيالية أثناء حرب الاستقلال الأمريكية، حيث يعود البطل بنيامين مارتن لقتال البريطانيين بعدما قتلوا اثنين من أبنائه وأحرقوا منزله.

 المهم بالقصة ليس أن الثوار ينتصرون بمساعدة الفرنسيين، وبل بعبارة النهاية لأحد العبيد الأحرار وهو يخبر البطل الذي يتفاجأ من أن الإعمار بدأ من منزله، "ابنك أخبرنا أننا لو انتصرنا بإمكاننا بناء عالم جديد، ونحن نريد أن يبدأ هذا العالم من منزلك".

إذا كانت وجهة نظري غير مقنعة أو ركيكة بالنسبة لك لا يهم، استخدم هاشتاغ "الشكرًا"، فالمصالحة بالطريق، والوظائف ستعود والمطار سيبنى، والمحروقات سترخص والكرافانات ستزال، كل ذلك سيأتي مع جودو.