المقال الذي كتبه عاموس يدلين، رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق، رئيس معهد دراسات الأمن القومي الحالي، ونشر في صحيفته «يديعوت أحرونوت»، جاء فيه: «رغم الإشكاليات التي في اتفاق المصالحة قررت حكومة إسرائيل ألا تعمل بفعالية ضده وحيال ناظر أصحاب القرار في القدس توجد اعتبارات استراتيجية واسعة، بما فيها علاقات إسرائيل المهمة مع مصر والولايات المتحدة والرغبة في الامتناع عن إحراجهما .. في تل أبيب مثلما في واشنطن وفي أماكن أخرى بالعالم يعرفون أن اتفاق المصالحة الحالي تماماً مثل الاتفاقيات المشابهة في الماضي، ومن المتوقع أن يذوب على أي حال طالما لم يعالج المشاكل الأساسية التي تبقت هذه المرة أيضاً دون جواب حقيقي».
 
التقدير بذوبان اتفاق المصالحة كما الاتفاقات السابقة الذي يقدمه يدلين استند إلى دراسة وضعها أحد باحثي مركز الأمن القومي وهو الجنرال المتقاعد شلومو بروم، المدير السابق لشعبة التخطيط في الجيش الإسرائيلي، الذي اعتبر أن طرفي المصالحة يخوضان لعبة صفرية، معللاً ذلك في عدة نقاط جاءت في الدراسة، أبرزها وأولها كما قال تتعلق بانضواء كتائب عز الدين القسام داخل الحكومة الفلسطينية، حيث تسعى «حماس» لاستنساخ النموذج السائد في لبنان على غرار «حزب الله».

وفي السيناريوهات التي وضعتها دراسة بروم، كان أولها القيام بتطبيق النقاط الفنية المتفق عليها وإبقاء القضايا الوطنية الكبرى في دائرة الخلاف، أما الثاني فتوقع نشوء ازدواجية في القوى المسلحة داخل القطاع، ما يعني ذلك وجود أجواء من العداء من قبل الحكومة الفلسطينية تجاه «حماس» وجناحها العسكري، أما السيناريو الثالث هو عدم وجود توافق بين الحركتين، ما سيؤدي لانهيار الاتفاق، أما الرابع فهو الأكثر تفاؤلاً، لكن كما يقول بروم: إن فرصه متواضعة وهو أن يتوصل الجانبان إلى اتفاق كامل بشأن جميع القضايا الإشكالية.

 كل من عاموس يدلين وشلومو بروم ينصحان إسرائيل بالمحافظة على موقفها بعدم المعارضة العلنية للمصالحة وهذا ما انتهجته تل أبيب منذ بدء جولة الحوار الأولى والثانية، وبينهما زيارة الحكومة إلى غزة في الثاني من الشهر الجاري، بل سهلت وصول الحكومة للقطاع وكانت أكثر كرماً بالتصاريح، إلى الدرجة التي دفعت البعض للاعتقاد أن إسرائيل غيرت موقفها وأصبحت داعمة للمصالحة.

 سرى هذا الانطباع حتى جاء اجتماع الكابينيت الإسرائيلي، نهاية الأسبوع الماضي، ليلقي بلغم في طريق المصالحة باشتراطه نزع أسلحة حركة «حماس» في القطاع وستة شروط أخرى، وهي: اعتراف «حماس» بإسرائيل وإعادة الأسرى من غزة وقطع العلاقات مع إيران ومنع تهريب الأسلحة وتدمير البنية التحتية لـ "حماس" في الضفة الغربية وتحويل الأموال عن طريق السلطة.

كل هذه الشروط التي حددها الكابينيت فقط مقابل موافقته على بدء مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وهي محاولة من قبل الحكومة الإسرائيلية لإزاحة الاتهام برفضها وتصلبها في الملف السياسي والمفاوضات وهو اتهام أشار إليه الرئيس الأميركي في وصفه لنتنياهو لكنها شروط كفيلة بعرقلة اتفاق المصالحة لأن إسرائيل طرف لا يمكن تجاهله في الداخل الفلسطيني رغم المحاولات والرغبة الفلسطينية بتجاهل ذلك لكنها في الحقيقة تمسك برقاب الفلسطينيين من خلال جملة الاتفاقيات الموقعة معهم.
 
إذن إسرائيل راهنت في البداية على التجربة الفلسطينية الطويلة في الفشل فلماذا تتدخل لتعطيل الاتفاق وتغضب مصر والولايات المتحدة، لكن موقفها الجديد الصادر عن الكابينت يقول: إن التقدير بالفشل هو تقدير لا ينسجم مع عجلة المصالحة التي بدأت تتحرك على الأرض سواء بالمرونة غير المعهودة التي تبديها «حماس» أو بسرعة تحرك السلطة وإرسالها للوفود منذ الأسبوع الماضي، فقد وصل وزير التعليم وبدأ بممارسة مهامه وكذلك نائب رئيس الوزراء المكلف بعملية دمج الموظفين وإعادة الهيكلة، لذا غيرت سياستها من الصمت والمراقبة نحو إعلان الموقف بوضوح.

ليس المهم هنا هو موقف الكابينت من سلاح «حماس» ووضعه كشرط إسرائيلي للمفاوضات وكأن الوفود الإسرائيلية المفاوضة لا تتوقف عن الذهاب والمجيء وهو آخر ما يريده الرئيس الفلسطيني وهو تبرئة إسرائيل من التهمة وإلقاء المسؤولية في حجر الفلسطينيين، بل التوقيت في وضع مسألة السلاح كشرط للعلاقة السياسية مع الفلسطينيين، خصوصاً أمام ما يعتقد بتحرك سياسي ما للإدارة الأميركية الجديدة وهو ما قرأته بوضوح صحيفة «ماكور ريشون» العبرية بأن الكابينيت يعرقل إبرام صفقة القرن التي يخطط لها ترامب فإذا ما تجاوبت السلطة مع الشروط الإسرائيلية هذا يعني التراجع عن اتفاق المصالحة واستمرار عدم سيطرتها على غزة كشرط للصفقة وإذا ما قبلت الشروط فهي غير مؤهلة للمفاوضات. إذن تعطيل على الجانبين.
سلاح «حماس» جزء من الملفات التي كانت ستطرح للنقاش بين الجانبين وجميعنا يعرف أن الموضوع بحاجة إلى حوار بين السلطة وحماس، ومعروف أن السلطة الوطنية حين تبسط سيطرتها على غزة سوف تخضع غزة لالتزامات السلطة أي كما الضفة تماماً، وقد وردت بعض الإشارات من قبل بعض المسؤولين على نمط «سلطة واحدة وسلاح واحد».

كان يمكن أن يفتح ملف السلاح، لكن دخول الإسرائيلي على الخط ووضعه كشرط جعل من الحوار بموضوع السلاح مسألة في غاية الحرج بالنسبة للسلطة، حيث ستبدو كأنها استجابة ورضوخ للشروط الإسرائيلية وأنها تنفذ ما يطلبه الإسرائيلي، وفي هذا إضعاف شديد لموقف السلطة وهو ما يريده الإسرائيلي من أجل إفشال نقاش القضايا الكبرى وبالتالي إفشال المصالحة.

هناك منطق في رغبة السلطة بعدم وجود سلاح غير سلاحها كما في الضفة الغربية ارتباطاً بالاتفاقيات التي حددت شكل السلطة، وأيضاً هناك منطق في رغبة «حماس» بإبقاء السلاح طالما بقي الاحتلال وما بين هذا وذاك تبدو المسألة تشبه حقل أشواك زرعه الإسرائيلي بدقة وهو بحاجة إلى حل منطقي بين الرغبتين، حل قادر على إخراج الفلسطيني من عنق الزجاجة خوفاً من أن تصاب المصالحة بانتكاسة عندما تصل للقضايا الكبرى .. جميعنا يريدها أن تسير بسرعة شديدة وتحد كبير..!