تقف منبهراً وأنت تشاهد الحبكة الدرامية التي تميل للواقعية من أحداث مسلسل (شارة نصر جلبوع) حيث صمود الأسرى الفلسطينيين داخل الأسر وبحثهم عن نسيم الحرية وسط ظلمة السجن وقهر السجان.
المسلسل الذي أنتجته فضائية (القدس اليوم) في غزة ويبث عبر 17 فضائية عربية وإسلامية في العالم العربي يحمل رسائل ومضامين كثيرة، وهو بالتأكيد يعكس حالة التطور في الدراما الفلسطينية التي أصبحت أداة من الأدوات التي يمتلكها الفلسطينيين لتثبيت الحق الفلسطيني في مواجهة ماكنة الإعلام الإسرائيلي الذي لم يتوان عن استخدام كل الوسائل المتاحة سواء داخل الكيان أو عبر نفوذه وسيطرته على وسائل إعلام كبيرة في العالم لتحريف الرواية وبث الدعاية السوداء والمحرفة التي تستهدف الفلسطينيين أينما وجدوا.
تأخذك أحداث المسلسل بطريقة فنية واحترافية لتعيش مع الأسرى داخل سجون الاحتلال حيث القمع والإرهاب والعنصرية والتنكر لحقوق المرضى والعزل الانفرادي والشبح والضرب ومصادرة حاجيات الأسرى والتنكر لكافة حقوقهم الإنسانية.. 
صحيح أن المسلسل يعكس الأداء البطولي لمحمود العارضة، هذا الأسير العنيد الذي حاول مراراً الهرب حتى تمكن من انتزاع حريته في سجن جلبوع.. لكن المسلسل يعكس حالة الصمود والإرادة والبحث عن الحرية التي يبحث عنها كافة الأسرى داخل الأسر.
نجح المسلسل في لفت أنظار الفلسطينيين والعرب بانتشاره الواسع حتى الاحتلال يتابع أحداثه ويرصد ما يذاع باعتبار أن المسلسل يعالج هروب ستة من الأسرى من حركة الجهاد الإسلامي، من سجن جلبوع، وهو الحدث الأبرز عام 2021 الذي هز الكيان الصهيوني على مدار 15 يوماً حيث وقفت "إسرائيل" على قدم ونصف وجندت كل إمكانياتها وهي تبحث عن الأسرى الأبطال الذين تمكنوا من حفر نفق داخل السجن الذي يوصف بأنه من أكثر السجون تحصيناً حول العالم.
ما كشفه المسلسل عن تفاصيل حالة الهروب وحفر النفق بوسائل بدائية من قبل الأسرى الستة وسط الإجراءات الأمنية المشددة يعكس حالة التحدي والإصرار من قبل الأسرى على انتزاع حريتهم.
تحد صعب أن تكون مراقب على مدار الوقت والساعة ولكن تنجح في الوصول لهدفك بالتحرر وتنسم عبير الحرية من كروم البرتقال والتين والصبار.. لحظة تنسي الأسير كل ساعات التعب والعرق التي بذلها وهو يحفر في النفق على مدار أيام طويلة من أجل الحرية.
السرعة التي تم فيها إنجاز المسلسل بهذا الشكل المميز تعكس مدى تطور الدراما الفلسطينية التي بدأت تزاحم لتضع لها بصمة من خلال إنتاج العديد من المسلسلات في الأعوام الأخيرة حيث العديد من المسلسلات الناجحة التي تعكس الصمود الفلسطيني وحالة المقاومة سواء من خلال مسلسل (ميلاد الفجر) أو (بوابة السماء) أو (قبضة الأحرار) أو مؤخرا مسلسل (شارة نصر جلبوع).
هذا التوظيف الرائع للأحداث يؤكد أن المقاومة الفلسطينية بدأت تستخدم وسائل جديدة في إيصال رسائلها من خلال الفن المقاوم الملتزم رغم قلة الإمكانيات في غزة باعتبار أن غزة تعيش حالة حصار منذ سنوات طويلة ولا يتوفر فيها مقومات للإنتاج.. لكن بدا واضحاً من خلال ما يطرح أن هناك جهد عالٍ في التصوير والإخراج والاضاءة وتوظيف الأغاني بما يخدم الحالة الثورية في الشارع الفلسطيني.
أعتقد أن الدراما الفلسطينية نجحت أيما نجاح في توصيل رسائلها من خلال ما تنتجه من أعمال فنية خلال السنوات الأخيرة، واستطيع القول بأن مسلسل (شارة نصر جلبوع) نجح إلى جانب التوثيق لهذا الفعل النضالي الذي هز المنظومة الأمنية الصهيونية بعد عملية انتزاع الحرية في تثبيت جملة من القضايا والتي كان أبرزها : 
•    الاحتلال كيان عنصري إرهابي يمارس أبشع أنواع التعذيب والقتل بحق الأسرى الفلسطينيين داخل المعتقلات والسجون الصهيونية .
•    واضح تماماً أن السجون الإسرائيلية تحولت إلى قلاع للصمود والتحدي والتمسك بالحقوق رغم الابتزاز والضرب الذي يعانيه الأسرى من إدارة السجون الإسرائيلية التي تتفنن في تعذيب الأسرى بكافة السبل والوسائل .
•    استطاع المسلسل أن يكشف للعالم والمشاهدين ألاعيب الاحتلال ومكرهم وهم يحاولون أن يسوقوا للعالم الديمقراطية والإنسانية من خلال تعذيب للأسرى والتنكر لحقوق المرضى والتلاعب بمشاعر الأسرى الفلسطينيين .
•    نجح  المسلسل من خلال الحلقات الأولى له أن يرد على فيلم (أميرة) الذي حاول التشكيك في نسب أبناء الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، الذين تم إنجابهم عبر "نطف مهرّبة" لآبائهم، وكشف كيف أن قضية النطف المُحرّرة، شكّلت على مدار السنوات الماضية أبرز الإنجازات التي تمكّن من خلالها الأسرى كسر جدار السجن، وصناعة الأمل بالإرادة، وأصبحت محط اهتمام عالمي".  
•    التلاحم الذي يعيشه الأسرى الأبطال داخل قلاع الأسر يؤكد أن الشعب الفلسطيني كله موحد أمام الغطرسة الإسرائيلية، فالاحتلال يستهدف كافة أبناء الشعب الفلسطيني دون النظر لانتماءاتهم وألوانهم السياسية .
•    واضح أن الرسائل محسوبة ومدروسة بدقة في تعزيز فكرة المقاومة وحالة الإصرار التي يتملكها الأسرى على الاستمرار في هذا الطريق رغم سنوات الأسر الطويلة، ورغم ما يواجهونه من تعذيب وقهر من إدارة السجون.
•    فكرة أن الفلسطيني لا يهزم ويصنع من المستحيل المعجزات وصولاً للنصر والحرية كانت حاضرة وبقوة من خلال حفر النفق بالملاعق والأدوات البسيطة التي استطاع الأسرى توفيرها في ظروف أمنية بالغة التعقيد.
•    النفق الذي حفر في سجن جلبوع هو ذاته النفق الذي حفر عند حدود غزة.. معادلة ليست بالسهلة، وهي تؤكد على تكامل دور المقاومة داخل الأسر وخارجه، وهي ذات الظروف والتعقيدات تماماً، بما يعزز الكف الذي يواجه المخرز وينتصر عليه.
•     يحسب لوسائل الإعلام التي تتبع للمقاومة الفلسطينية أنها استطاعت أن تجعل الجماهير تتابع هذه الدراما بدلًا من متابعة الفن الهابط أو الفن الذي يروج للتطبيع من قبل دول المنطقة .. وأتمنى أن يفتح المجال لإنتاج مثل هذه الاعمال الدرامية خلال الفترة المقبل لنستطيع أن نوثق بالصوت والصورة لكل القصص البطولية التي مرت على شعبنا الفلسطيني.