"إنها إهانة وصفعة.. لن ننسى هذا الأمر أبداً" هكذا كان تعليق مندوبة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن نيكي هايلي إثر استخدامها حق النقض "الفيتو" لإسقاط مشروع القرار الذي يندد بالاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة كعاصمة لإسرائيل، والذي تقدمت به جمهورية مصر العربية وحاز على تأييد 14 عضواً في مجلس الأمن. استخدام "الفيتو" من قبل الولايات المتحدة كان متوقعاً على نطاق واسع، وكان هدف التقدم بمشروع القانون، الحصول على 14 عضواً في المجلس ضد الولايات المتحدة وقرار ترامب، وهذا قد تحقق تماماً، بشكل متكرر لمرتين خلال أسابيع قليلة، الأمر الذي يمكن القول معه، إن العالم كله استخدم حق النقض "الفيتو"، ضد الولايات المتحدة الأميركية وقرار رئيسها حول القدس المحتلة.
ترافق مع الفيتو الدولي ضد الولايات المتحدة في مجلس الأمن، الإعلان عن تأجيل زيارة نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إلى المنطقة للمرة الثانية خلال أيام، في ظل حديث عن "إلغاء" هذه الزيارة فعلاً، بعد إعلان الرئيس عباس عن سقوط الوساطة الأميركية وعدم استقباله لبنس، وتأييد فلسطيني وعربي واسع وتبنٍ لموقف الرئيس الفلسطيني، رغم أن السلطات الإسرائيلية كانت قد أعلنت قبل يوم واحد من التصويت في مجلس الأمن، عن أن نائب الرئيس الأميركي بنس سيلقي كلمة في الكنيست غداً الخميس، هذا التأجيل وربما الإلغاء، تأكيد على سقوط "صفقة القرن" التي شاع الحديث عنها منذ تولي ترامب زمام الأمور في البيت الأبيض، سقوط للمشروع الأميركي الملتزم بالرؤية الإسرائيلية، خاصة وأنه كان من المقرر أن يطرح بنس ما يقال عن مبادئ أولية لاستئناف العملية السياسية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
المشروع المشار إليه والذي تم بحثه الاثنين الماضي في مجلس الأمن، يعتمد في مقدمته على عشرة قرارات سابقة لمجلس الأمن الدولي، بين عامي 1967 ـ 2016 تؤكد أن مسألة القدس يجب ان تكون جزءاً من اتفاق سلام شامل، وهنا لنا ملاحظة تتعلق بأن القدس مدينة محتلة، وهناك قرارات من مجلس الأمن تلزم دولة الاحتلال بالانسحاب منها ومنها القرار 242، تشرين الثاني 1967، لذلك فإننا نرى أن التسليم بالوضع الراهن، والقول بشكل متواتر ومتكرر بأنه يجب الحفاظ على الوضع الراهن في القدس المحتلة ما هو إلاّ تسليم بالأمر الواقع الذي تفرضه إسرائيل من ناحية، وتجاهل لقرار مجلس الأمن المشار إليه بضرورة أن تنسحب إسرائيل من الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة، عملاً بما نص عليه القرار المذكور، فضلاً عن أن القول باحترام الواقع الراهن للقدس المحتلة، إشارة إلى عجز المنظمة الدولية والمجتمع الدولي عن إجبار دولة الاحتلال بتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الأمن!
مع ذلك، يبقى التوجه الفلسطيني نحو المنظمة الدولية بتحمل مسؤوليتها في هذا السياق، أمراً ضرورياً ولا بديل عنه لدى العمل السياسي والدبلوماسي الفلسطيني، "الفشل" في مجلس الأمن، وكان متوقعاً، من الممكن، بل من المؤكد أن التوجه إلى الجمعية العامة للامم المتحدة، مراراً وتكراراً، كما هي الحال لدى التوجه إلى مجلس الأمن، بشكل دائم، لنيل الحق الفلسطيني بالاعتراف الدولي الفلسطيني كدولة كاملة العضوية في المنظمة الدولية، وللصدفة ربما، فإن تراجع نائب الرئيس الأميركي بنس عن إلقاء كلمته في الكنيست يوم غد، يتوازى ويترافق مع البديل الدولي، "متحدون من أجل السلام" ذلك أن يوم غد ستشهد قاعات الجمعية العامة الجلسة الاستثنائية بناء على الطلب الفلسطيني وبالتوافق مع المجموعة العربية وأصدقاء فلسطين، لكي يتم التصويت على قرار يعيد التأكيد على القيمة القانونية لمدينة القدس ومكانتها، وهنا، في هذا السياق، لدينا ملاحظة، ذلك أن الحديث عن مكانة القدس المحتلة الدينية أمر ضروري وبالغ الأهمية، شريطة أن لا يكون ذلك على حساب المكانة السياسية للعاصمة الفلسطينية، وبرأينا أنه يجب أن تحظى المكانة السياسية، بوصف مدينة القدس عاصمة فلسطين، بالأولى بالاهتمام والصياغات والتصريحات، دون تجاهل بطبيعة الحال للمكانة الدينية، باعتبارها عاصمة عالمية في السياق الديني!
التحرك الفلسطيني نحو بكين وموسكو، بهدف التهيئة لكي تلعب الأمم المتحدة، الدور الأساسي في العملية السياسية لحل القضية الفلسطينية، ربما يشكل بداية حقيقية لاستثمار الموقف الدولي ضد قرار ترامب، لصالح إعادة هذه القضية، حيث يجب أن تكون على الصعيد السياسي، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بعد الرهانات الخاسرة على الوساطات الأميركية!