الاشتراكُ في البَدَنة والبقرة جائزٌ لِمَا أخرجه الخمسةُ إلَّا أبا داود مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي البَقَرَةِ سَبْعَةً، وَفِي البَعِيرِ عَشَرَةً»، والحديثُ يَدُلُّ على جواز الاشتراك بالعدد المخصوص: سبعة أنفارٍ للبقرة، وعشر أَنْفُسٍ للبَدَنة، ويشهد له ما في الصحيحين مِنْ حديثِ رافع بنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه أنهُ صلَّى الله عليه وسلَّم «عَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ».

أمَّا الشاة فالاشتراك فيها محلُّ خِلافٍ بين أهل العلم، وذَهَب بعضُ أهلِ العلم إلى أنَّ الشاة لا تُجْزئ إلَّا عن نفسٍ واحدةٍ، وهو قولُ عبد الله بنِ المبارَك وغيرِه مِنْ أهل العلم، وقد ادَّعى كُلٌّ مِنِ ابنِ رُشْدٍ والنوويِّ الإجماعَ على ذلك، وهو إجماعٌ مُنْتَقِضٌ بما حكاه الترمذيُّ في «سُنَنِه» أنَّ الشاة تجزئ عن أهل البيت، قال: «والعملُ على هذا عند أهل العلم»، وهو قولُ أحمد وإسحاق، واحتجَّا بحديثِ جابرٍ رضي الله عنه قال: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَضْحَى بِالْمُصَلَّى، فَلَمَّا قَضَى خُطْبَتَهُ نَزَلَ مِنْ مِنْبَرِهِ وأُتِيَ بِكَبْشٍ فَذَبَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم بِيَدِهِ، وَقَالَ: «بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، هَذَا عَنِّي وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي»».

وأصحُّ الأقوال أنَّ الشاة تجزئ عن المضحِّي وأهلِ بيته لِمَا رواه ابنُ ماجه والترمذيُّ وصحَّحه مِنْ حديثِ أبي أيُّوب الأنصاريِّ رضي الله عنه قال: «كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ فَصَارَتْ كَمَا تَرَى»، غير أنَّ المضحِّيَ يحصل على الثواب أصالةً وأهلَ بيته تُجْزئهم بالتَّبَعِ، ودليلُه حديثُ رافع بنِ خَدِيجٍ وحديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم، ففيهما دلالةٌ واضحةٌ على أنَّ البعير يجزئ عن العشرة بذواتهم وأعيانهم حقيقةً؛ إذ ليس مقرونًا بلفظِ أهلِ البيت المذكور في حديثِ أبي أيُّوب رضي الله عنه السابق، فإنَّ ذلك يفيد دخولَهم بالتبع والإضافة لا بالأصالة والحقيقة، ويؤيِّد ما ذكَرْنا أنَّ الزوجة مثلًا لو تَمَتَّعَتْ بالحجِّ أو قَرَنَتْ لَمَا كان يكفي هديُ زوجها في الإجزاء عنها؛ فَدَلَّ على أنَّ إجزاءه في الأضحية ليس بالأصالة، وثوابُ الأصيل فوق ثواب التابع كما لا يخفى.

أمَّا حديثُ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ رضي الله عنه فقَدْ أخرجه أبو داود والترمذيُّ والنسائيُّ وغيرُهم وفي إسناده أبو رملة واسْمُه عامرٌ، قال الخطَّابيُّ ـ رحمه الله ـ: هو مجهولٌ والحديثُ ضعيفُ المَخْرَج، وقال أبو بكر بنُ العربيِّ المالكيُّ ـ رحمه الله ـ: «حديثُ مِخْنَفِ بنِ سُلَيْمٍ ضعيفٌ فلا يُحتجُّ به»، كما ضعَّفه عبد الحقِّ وابنُ القطَّان لعلَّةِ الجهل بحالِ أبي رملة، ورواه عنه ابنُه حبيبُ بنُ مِخْنَفٍ وهو مجهولٌ أيضًا، وقد رواه مِنْ هذا الطريقِ عبدُ الرزَّاق في «مصنَّفه»، ومِنْ طريق عبد الرزَّاق رواه الطبرانيُّ في «معجمه» بسنده، والبيهقيُّ في «المعرفة»؛ لذلك حسَّنه الألبانيُّ في «صحيح أبي داود» وفي «صحيح سنن الترمذي» وفي «صحيح ابن ماجه».

المصدر : وكالات