في سنة 2005 توفي بابا الروم الكاثوليك يوحنا بولص الثاني، فدعا له الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله تعالى قائلا: "ندعو الله تعالى أن يرحمه ويثيبه؛ بقدر ما قدَّم من خير للإنسانية وما خلّف من عمل صالح أو أثر طيب". ولكن هذا الدعاء أثار ردودا غاضبة من بعض شيوخ السلفية وكثير من العامة ضد الشيخ القرضاوي، الأمر الذي لا يزال يثير النقاش في وقائع مشابهة حين يدعو بعض الناس للمتوفى إن كان من غير أهل الإسلام.

 الدعاء لغير المسلمين بالمغفرة والرحمة: فهذا له حالتان:

الأولى: أن يكون غير المسلم حياً: وهذا يجوز الدعاء له بالرحمة والمغفرة، ويكون من الرحمة هدايته للإسلام، ويقصد بالمغفرة مغفرة الكفر بالإسلام، ويكون هذا من باب حبّ الخير للغير، ويدخل هذا في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".

ونقل ابن علان كلاماً لابن العماد  في هذا المعنى فقال: وقال ابن العماد: الأولى أن يحمل على عموم الأخوة حتى يشمل الكافر فيحبّ لأخيه الكافر ما يحبُّ لنفسه من دخوله في الإسلام كما يحبّ للمسلم دوامه، ومن ثم كان الدعاء بالهداية مستحباً.

ويحمل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ[10]"، قال ابن حجر: المراد بالمغفرة: العفو عما جنوه عليه في نفسه لا محو ذنوبهم كلها، لأن ذنب الكفر لا يمحى، أو اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة، أو المعنى اغفر لهم إن أسلمو.

وقال القرطبي: الاستغفار للأحياء جائز لأنه مرجو إيمانهم، ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين.

وقد جاء الدعاء للكفار على لسان إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، قال ابن القيم: ولم يقل: فإنك عزيز حكيم، لأن المقام مقام استعطاف وتعريض بالدعاء، أي إن تغفر لهم وترحمهم، بأن توفقهم للرجوع من الشرك إلى التوحيد، ومن المعصية إلى الطاعة.

الدعاء للوالدين غير المسلمين: ويتأكد الدعاء لغير المسلم إن كان أباً أو أماً ما لم يفارقا الحياة، يقول القرطبي في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24]: وقد قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين.

الحالة الثانية: إذا مات المرء على غير الإسلام، -سواء كان ذلك شركاً أم إلحاداً- وهذه الحالة جاء النهي عن الاستغفار لهم، وقد كان النهي للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]. قال القرطبي: قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا.

والإجماع على ذلك، قال ابن تيمية: الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع. وقال النووي: وأما الصلاة على الكافر والدعاء له بالمغفرة فحرام بنص القرآن والإجماع.

وأما سبب النهي عن الاستغفار لهم أو طلب الجنة فلأمرين:

الأول: كون من مات كافراً بالإسلام لا يؤمن بالله الذي تدعوه ليغفر له وأن يرحمه، وهو لو كان حياً ما قبل ذلك منك.

الثاني: فلكون ذلك مناقضاً لأحكام الشرع والدين، إذ كيف لكافر بالله مشرك بالله أن يدخله الله جنته أو يغفر له، كيف يساويه الله تعالى بمن دان له وخضع له، كيف يتساوى مع من أحبه ورجا رحمته؟! يقول السعدي: الاستغفار لهم في هذه الحال غلط غير مفيد، فلا يليق بالنبي والمؤمنين، لأنهم إذا ماتوا على الشرك، أو علم أنهم يموتون عليه، فقد حقت عليهم كلمة العذاب.. وأيضاً فإن النبي والذين آمنوا معه، عليهم أن يوافقوا ربهم في رضاه وغضبه، ويوالوا من والاه الله، ويعادوا من عاداه الله، والاستغفار منهم لمن تبين أنه من أصحاب النار مناف لذلك

المصدر : وكالات