تتصدر "مذبحة كشمير" الحديث عبر مواقع التواصل الإجتماعي ، حيث تم إطلاق هاشتاج كشمير تُباد موقع التدوينات القصيرة "تويتر" وسط مطالبات بسرعة إنقاذ الموقف هناك لما يتعرض له المواطنون هناك من تعذيب واضطهاد.

ونشر المغردون صورًا لأعمال تعذيب لمواطنين على أيدي جماعات مسلحة، ومجازر تباد بحق المسلمين هناك، وسط تعاطف إسلامي كبير.

قصة كشمير :-

عندما تقلدت الهند رئاسة مجلس الأمن الدولي لشهر أغسطس الماضي، عقد السفير الهندي، ت.س. تيريمورتي، مؤتمرا صحافيا في اليوم الأول لرئاسة بلاده للمجلس، كما جرت العادة.

وقال في معرض رده على سؤال للكاتب حول ما تقوم به الهند من انتهاكات للقانون الدولي في جامو وكشمير، بعد إلغاء «الوضعية الخاصة» للإقليم بتاريخ 5 أغسطس 2019 وما إذا كانت تصرفاتها كدولة كبرى تؤهلها لمقعد دائم في مجلس الأمن. لاحظت مسحة من الغضب ظاهرة على وجه السفير، حاول إخفاءها ورد بصوت حازم وقوي قائلا: «في البداية أريد أن أطرح أمرا بكل وضوح وهو، أن جامو وكشمير جزء لا يتجزأ وأصيل من الهند، ويجب الإقرار بهذا أولا. وكل القضايا المتعلقة بإقليم جامو وكشمير تقع ضمن القضايا الداخلية للهند».

كشمير والجرح النازف منذ عام 1947

إقليم جامو وكشمير غني جدا بموارده الطبيعية، وطبيعته الخلابة، وتصل مساحته إلى ست وثمانين ألف ميل مربع، ويصل عدد سكانه نحو 20 مليون موزعين بين الشطرين الهندي والباكستاني ودول الشتات. حباه الله بكل أسباب الثروة والجمال والموقع الاستراتيجي، تحت قدمي الهملايا، لكن لسوء حظ الكشميريين أنهم يقعون في منطقة استراتيجية بين دول نووية ثلاث، الصين وباكستان والهند. اختطفت الهند مقاطعة جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة، بافتعال طلب الحاكم الهندي «المهراجا» عام 1946 ببقاء الإقليم مع الهند. وكان قد اتفق مع الزعيم المحلي الشيخ عبد الله الانضمام للهند، بدل الاستقلال، وأقنع السلطات الهندية أن الغالبية من السكان تريد البقاء تحت سيطرة الهند، لكن سكان الإقليم أطلقوا موجة احتجاجات ومظاهرات وراحوا يقاومون الضم بالقوة، فقامت الهند بإرسال قوات محمولة لإخماد حركة الاحتجاج، ما دعا إلى تدخل قوات قبلية وباكستانية لنصرة الكشميريين. من هنا بدأ النزاع وأدى إلى تمزق الإقليم بين الهند وباكستان. وقد سبب الإقليم ثلاث حروب بين الجارين الكبيرين، لكن الحرب المقبلة، التي تحذر باكستان من وقوعها باستمرار، كان آخر هذه التحذيرات في كلمة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، في الجمعية العامة الأخيرة، ستكون مختلفة تماما عن الحروب السابقة. لقد أصرت الهند على إبقاء الإقليم تحت سيطرتها، علما أن مجلس الأمن الدولي اعتمد ثلاثة قرارات في مسألة كشمير في الأعوام 1947 – 1949 تدعم حق شعب كشميرفي تقرير مصيره عن طريق استفتاء حر ونزيه، كما نص على ذلك القرار 47، الذي اعتمد في 21 إبريل 1948. كما دعا القرار 91 (1951) إلى حسم النزاع عبر محكمة العدل الدولية، لكن الهند رفضته. لقد بلغ عدد آخر القرارات المتعلقة بالمسألة الكشميرية 11 قرارا بين عامي 1948 و1951 كلها تدعو لإجراء استفتاء للسكان الأصليين، ليقرروا بأنفسهم ما إذا كانوا يريدون الاستقلال، أو الانضمام للهند أو لباكستان. لكن بقيت قرارات مجلس الأمن الدولي حبرا على ورق أمام صلف الهند، تماما مثل حليفتها إسرائيل، ولولا جهود باكستان لغابت المأساة الكشميرية عن رادار العالم.
ومع نهاية المواجهات الأولى بين الهند وباكستان، أنشات الأمم المتحدة بعثة للمراقبة لغاية أن يتم الاستفتاء، وما زالت قائمة. لقد أقرت الهند كنوع من المرونة بعد المواجهات عام 1954 اتفاقية خاصة تنص على «وضع خاص» للإقليم، بحيث يخضع لحكم ذاتي، ولا يجوز لشخص من خارج الإقليم الاستيطان فيه. وبقيت الأمور بين مد وجزر ومواجهات ووساطات إلى يوم 5 أغسطس 2019 عندما قرر برلمان الهند، الذي يسيطر عليه حزب ناردرا مودي إلغاء تلك «الوضعية الخاصة» واعتبار الإقليم جزءا لا يتجزأ من الهند.

الوضع الراهن في كشمير بعد 5 أغسطس 2019

منذ إلغاء «الوضعية الخاصة» للإقليم شرعت الهند في ضم كامل لجامو وكشمير المحتلة، فيما يسميه حزب مودي «الحل النهائي» مستعيرا كلمات النازية حول وجود اليهود. اندلعت بعد ذلك القرار في أنحاء الإقليم كافة، احتجاجات على الوضع الجديد الذي يسمح للمواطنين الهنود بالانتقال إلى المنطقة وتملك الأراضي، وبناء المعابد فنشرت الهند نحو 900000 جندي وضابط من القوات العسكرية وشبه العسكرية المتمركزة في المنطقة، وأغلقت الإقليم تماما وقطعت الاتصالات الهاتفية والإنترنت والبث التلفزيوني، وفرضت قيوداً على التنقل والتجمع والتظاهر. لقد وضعت في السجن القيادة السياسية الكشميرية بأكملها، واعتقلت ما لا يقل عن 13000 شاب كشميري وأخضعت العديد منهم للتعذيب. كما أردت مئات القتلى وآلاف الجرحى الكشميريين، واستخدم جنودها الاغتصاب كسلاح حرب على طريقة الصرب، وعملت الهند على قمع المظاهرات السلمية بالعنف والعقوبات الجماعية وهدم وحرق أحياء وقرى بأكملها، وقيدت حرية الدين والتعبير والتجمع.
لكن الأخطر في رأيي من السلاح هو العمل على تغيير النسيج الديموغرافي في الإقليم، مثلما تفعل إسرائيل في القدس، بعد إقرار قانون جديد يحق للهندي من خارج الإقليم البناء والتملك فيه. وقد أصدرت الهند في السنتين الأخيرتين 4.2 مليون شهادة إقامة لتغيير الهيكل الديموغرافي في الإقليم. إنه الابتلاع والتطهير العرقي وتحويل الأغلبية المسلمة في كشمير إلى أقلية ضعيفة مفككة مقهورة.

الصراع بين الهند وباكستان

ودخلت كشمير مرحلة الصراع بين الهند وباكستان، وبدأت حرب أخرى في عام 1965، في حين خاضت الهند صراعًا قصيرًا، لكن مريرًا مع قوات مدعومة من باكستان في عام 1999، وفي تلك الفترة أعلنت كل من الهند وباكستان أنهما قوتان نوويتان.

ومعظم سكان الإقليم في كشمير لا يحبذون العيش تحت إدارة الهند، بل يفضِّلون الاستقلال أو الاتحاد مع باكستان.

ويشكِّل المسلمون في ولايتي جامو وكشمير الخاضعتين للإدارة الهندية أكثر من 60 % من نسبة السكان، مما يجعلها الولاية الوحيدة داخل الهند ذات الغالبية المسلمة.

تقارير لجان حقوق الإنسان

لقد وثق تقريران للمفوض السامي لحقوق الإنسان لعامي 2018 رعد بن الحسين، و2019 للمفوضة الحالية ميشيل باشيليه؛ أنواع الانتهاكات كافة وبالتفصيل. وحاول المفوض السامي السابق زيد بن رعد بن الحسين، تشكيل لجنة تحقيق حول عقود من انتهاكات حقوق الإنسان على جانبي خط السيطرة في كشمير «أسفرت عن مقتل أو تدمير حياة العديد من الأشخاص» إلا أن ضغوطا عظيمة مورست على الأردن حتى اضطر أن يترك المنصب، ولا يطلب تجديد ولايته. لقد سلط التقريران الضوء على الإفلات المزمن من العقاب بشأن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الأمن الهندية في جامو وكشمير، وتؤدي إلى معاناة الملايين من البشر. وتشرح التقارير بالتفصيل كيف أن موظفي الأمن يتمتعون بحصانة من المساءلة، وهو ما أدى إلى عرقلة التحقيقات في حالات الاختفاء القسري، ووجود مقابر جماعية، واغتصاب جماعي للعديد من النساء من قبل الجنود. إن نفاق الدول الغربية التي تدعي احترام حقوق الإنسان لا ينكشف بشكل أعظم مثلما ينكشف في كشمير وفلسطين. فجوقة الدول الغربية ومعها بعض الدول الممسوخة الهوية، ليس لها حديث الآن إلا عن نساء أفغانستان، وذرف دموع التماسيح على ضياع الإنجازات العظيمة التي قدمتها دولة الاحتلال لمدة عشرين سنة، ولم تقتل من أولادهن وأزواجهن إلا 149 ألفا.
لقد دعا القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وكل الشرائع الدولية، لممارسة الحق في تقرير المصير للدول والشعوب الخاضعة للاستعمار والاحتلال الأجنبي. إن غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اليوم جاءت بفضل ممارسة هذا المبدأ الأساسي الذي نص عليه قرار الجمعية العامة الشهير (1514) لعام 1960. ومع ذلك، فقد حرمت بعض الشعوب من ممارسة هذا الحق مثل شعب جامو وكشمير وفلسطين، لأن دولا كبرى تقف عثرة في الطريق.

نزاع كشمير :-

يعتبر نزاع كشمير نزاعًا إقليميًا، وبشكلٍ أساسيّ بين دولتي الهند وباكستان، الذي بدأ مباشرةً بعد تقسيم الهند في عام 1947م، أمّا الصين فقد لعبت دورًا ثانويًا في بعضِ الأوقات. وقد تنازعت الهند وباكستان حول كشمير ثلاثَ مرّات، ما يشمل الحروب الهنديّة-الباكستانيّة في عاميْ 1947م و1965م، وحرب كارجل كذلك في عام 1999م. وقد تناوشت الدولتان كثيرًا حول السيطرة على نهر سياتشين الجليديّ.

تدّعي الهند أنّ ولاية جامو وكشمير كلها مُلكٌ لها، ومنذ عام 2010 تحكم هي ما يقارب 43% من المنطقة، إذ تسيطر على جامو، ووادي كشمير، ولاداخ، ونهر سياتشين الجليديّ. وتنازع باكستان التي تحكم حوالي 37% من جامو وكشمير أو ما يُعرَف بـ آزاد كشمير (كشمير الحُرّة) وجلجت بالتستان الهند فيما تدعي أنه ملكها. أمّا الصين فتحكم حاليًا منطقة ديمشوك، ووادي شاكسغام، ومنطقة أكساي شن، وتنازعها الهند على هذه الأقاليم التي تدّعي الصين امتلاكها منذ استيلاء الصين على أكساي شن خلال الحرب الهندية الصينية عام 1962م.

يتمحور النزاع الحاليّ حول وادي كشمير، ويعود هذا النزاع القائم بين الثوّار الكشميريين والحكومة الهندية إلى خلافٍ حول الحكم الذاتي المحلّي ومبنيّ على المطالبة بتقرير المصير. كانت التنمية الديموقراطية محدودةً في كشمير حتى نهاية السبعينات، وبحلول عام 1988 تراجعت كثيرٌ من الإصلاحات الديموقراطية التي دشّنتها الحكومة الهندية. وكانت الوسائل السلمية للتعبير عن السخط محدودة ومسببة لدعمٍ متزايد للثوّار المناصرين للانفصال العنيف من الهند. في عام 1987م خلقت الانتخابات المُتنازَع عليها دافعًا للثورة حينما نتجت بتكوين أعضاء مجلس الدولة التشريعي لمجموعات من الثوّار المسلّحين. وفي يوليو/أيلول من عام 1988م بدأت الثورة الكشميرية على الحكومة الهندية بسلسلة من المظاهرات والضربات والهجمات.

وعلى الرغم من موتِ آلاف الناس نتيجةً للاضطرابات في جامو وكشمير، إلا أنّ النزاع أصبح أقل فتكًا في السنوات الأخيرة. وقعت الحركات الاحتجاجية في كشمير وجامو لإبداء النزاعات والتظلمات في كشمير مع الحكومة الهندية، تحديدًا مع القوات الهندية المسلحة منذ عام 1989م. واعتبرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الانتخابات القائمة في عام 2008 انتخاباتٍ عادلة وكانت نسبة التصويتِ فيها عالية رغم دعوى المقاطعة التي نادى بها المتمردون الانفصاليون.

كانت الانتخابات سببًا في تشكيل المؤتمر الوطني لعموم جامو وكشمير المناصر للهند، والذي شكّل لاحقًا حكومةً في الولاية. ووفقًا لإذاعة صوت أمريكا (Voice of America) فسّر العديد من المحللين ارتفاع نسبة الإقبال على التصويت في هذه العملية الانتخابية بكونه إشارةً إلى تأييد الكشميريين للقواعد الهندية في الدولة. لكن في عام 2010 اندلعت اضطرابات بعد المصادمات المفتعلة المزعومة بفعل شباب محليين مع قوى الأمن. رشق آلافٌ من الشباب قوى الأمن بالحجارة، وحرقوا مكاتبَ حكوميّة، وهاجموا محطات السكك الحديدية والمركبات الرسمية بعنفٍ ثابتٍ ومتصاعد. ألقت الحكومة الهندية اللوم على الانفصاليين وجماعة عسكر طيبة -مجموعة ميليشية باكستانية- لتأجيج احتجاجات عام 2010.

شهدت الانتخابات المُقامة عام 2014 أعلى نسبة تصويت منذ 26 عامًا من تاريخ جامو وكشمير، إلا أنّ المحللين فسّروا عدم ارتباط ارتفاع نسبة التصويت بكشمير بتأييد سكان كشمير للقواعد الهندية، بل أنّ أغلبية الناس صوتت لأجل المشاكل اليومية مثل الغذاء والكهرباء.

أظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز الأبحاث في معهد تشاتام هاوس للشؤون الدولية أنّ وادي كشمير -منطقة تقطنها أغلبية مسلمة في كشمير الهندية في مركز التمرّد- يدعم الاستقلال ويتراوح ما بين 74% و95% في مناطقه المختلفة. أما الأصوات المناصرة للبقاء في الهند كانت مرتفعةً جدًا أغلبها من الهندوس في جامو والبوذيين في لاداخ.

ووفقًا للباحثين فإنّ القوات الهنديّة قامت بالعديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والأعمال الإرهابية ضد السكان المدنيين الكشميريين بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء، والاغتصاب، والتعذيب، وحالات الاختفاء القسريّ. كما أنّ للمجاهدين نصيبهم من الجرائم إلا أنها لا تقارن بالجرائم التي ارتكبتها القوات الهنديّة. ووفقًا لمنظمة العفو الدولية ابتداءً من جون/حزيران من عام 2015 لم تُتنشر أي محاولة لأعضاء القوات المسلحة الهندية في جامو وكشمير لانتهاك حقوق الإنسان في المحكمة المدنية على الرغم من انعقاد جلسات في المحكمة العُرفية العسكرية. وقد رحّبت منظمة العفو الدولية هذه الحركة ولكن نوّهت على ضرورة سريان العدل وانعقاد جلسات المحكمة المدنية لمقاضاة أفراد قوى الأمن. كما وجّهت منظمة العفو الدولية الاتهام إلى الحكومة الهندية لرفض مقاضاة مرتكبي هذه الانتهاكات في المنطقة.

كان انضمام كشمير إلى الهند مؤقتًا ومشروطًا باستفتاء، وكان لهذا السبب وضعٌ دستوريٌ مختلفٌ في ولايات الهند الأخرى. في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015 قالت المحكمة العليا لجامو وكشمير أنّ بند 370 "مؤقت" وأنّ جامو وكشمير لم تُدمج بالهند كما دُمجت الولايات الأميرية الأخرى إنما حافظت على مكانة خاصة وسيادة محدودة بموجب الدستور الهندي.

في عام 2016 (8 يوليو/تموز حتى الوقت الحاليّ) اندلعت اضطراباتٌ إثر مقتل بُهران واني مقاتل في حزب المجاهدين على يد قوى الأمن الهنديّة.

المصدر : وكالات