القضية الفلسطينية، قضية حساسة تتأثر بالمحيط الخارجي، ويُؤثر بها أكثر بكثير مما تعكسه النزاعات الداخلية الخاصة بها، لذلك لا يمكن المراهنة على سير أحداثها المستقبلية مع تجاهل الدور الإقليمي والدولي.

خطابات الرئيس محمود عباس داخل الأمم المتحدة، لحظات ينتظرها الشعب الفلسطيني في كل مكان لمعرفة ماذا سيطرأ على القضية الفلسطينية التي يذيبها التشتت الداخلي من جهة، والتخوف من تصارع اقليمي ودولي من جهة أخرى؟.

حصاد الخطابات السابقة  للرئيس في الأمم المتحدة

عام 2012 حصلت فلسطين على صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة ليعيد هذا القرار الاعتبار للقانون الدولي.

عام 2014 خطاب الرئيس في الأمم المتحدة، أشعل غضب الإسرائيليون ليرجح كفة اليمين الإسرائيلي تجاه القضية الفلسطينية.

عام 2017 خطاب الرئيس، حمل مضامين استثنائية ولم يحمل تطبيقاً على أرض الواقع لهذه السياسة .

أما الخطاب الأخير بتاريخ 27-9-2018 فجاء بطريقته المعتادة، ومخيباً لآمال الشعب الفلسطيني، خاصةً بعدما صرح الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة بتاريخ 25/9/2018،  قائلا" إن خطاب الرئيس سيمثل مفترق طرق ويمهد لمرحلة جديدة لمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه الفلسطينيون، وأن الخطاب سيتضمن رؤية استراتيجية وطنية شاملة، ستترك أثرها العميق على مجريات الأحداث هنا، وفي الإقليم، والعالم".

عباس طالب خلال الخطاب بمحاسبة "إسرائيل"، متسائلاً إلى متى التجاهل الدولي بحق الانتهاكات الإسرائيلية؟، مؤكداً على حقوق شعبه.

وأضاف:" أن هناك اتفاقات مع "إسرائيل" وقد نقضتها جميعاً، فإما أن تلتزم بها، أو نخلي طرفنا منها جميعاً، وعلى "إسرائيل" أن تتحمل مسؤولية ونتائج ذلك...".

في هذه الحالة، يصبح التساؤل الرئيسي، ما هي النتائج التي سوف يتحملها الجانب الإسرائيلي في حالة عدم التزام الجانب الفلسطيني بأي اتفاق؟.

قرارات المجلس الوطني

ونوه الرئيس إلى إمكانية تنفيذ القرارات الصادرة عن الاجتماع الأخير للمجلس الوطني الفلسطيني عام 2018، والتي تشمل:

  • تعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود عام ،1967 وإلغاء قرار ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان.
  • اقرار وقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله.
  • الانفكاك من علاقة التبعية الاقتصادية التي كرسها اتفاق باريس الاقتصادي.
  • وضع خطة لتعزيز الشراكة الوطنية في إطار م.ت.ف، كونها هي المرجعية الوطنية السياسية والقانونية العليا لشعبنا، بما يستلزم تفعيل دور مؤسساتها.
  • الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة.
  • النقاط المانعة لتنفيذ القرارات المصدرة

يمكن تلخيص العوامل التي تحول دون تنفيذ هذه القرارات بالنقاط الآتية:

  • قرار وقف التنسيق الامني يغير في الدور الوظيفي للسلطة وجهوزيتها  لتحتمل ما يمكن أن يفرضه الجانب الإسرائيلي كعقوبات مثل (وقف البطاقات للشخصيات الهامه"VIB"، وقف تحويل أموال الضرائب، تشديد حرية الحركة على الأفراد والبضائع).
  • الانفكاك من التبعية الاقتصادية من الصعب تنفيذها، بسبب عدم وجود البدائل مما يضعف الموقف الفلسطيني.
  • لن تستطيع السلطة الصمود أمام العقوبات التي سوف تنتج من سحبها للاعتراف بدولة إسرائيل، لأنه يعني ابطال جميع الاتفاقيات التي أبرمت مع الإسرائيليين.
  • عدم القدرة على انجاح المصالحة الفلسطينية، وتنفيذها على أرض الواقع بسبب اختلافات سياسة كل طرف في تنفيذ الاتفاقيات، لا سيما بعد تجاوز عمر الانقسام 11 عاماً.
  • صعوبة الانتقال من مرحلة سلطة الحكم الذاتي لمرحلة الدولة في ظل سياسة فرض الأمر الواقع الإسرائيلية، والدعم الأمريكي، وعدم وجود كتلة دولية توقف الهيمنة الأمريكية على ملف حل القضية الفلسطينية.

يذكر أن الطرف الفلسطيني وزّع على المدعوين ، في مؤتمر حمل شعار "إنقاذ حل الدولتين"، نظم على هامش الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وثيقة تضم ثلاثة أهداف وهي:

  • بحث الخطوات الواجب اتخاذها في وجه الخطر القائم على حل الدولتين والمتمثل باستمرار وتوسيع إسرائيل أنشطتها الاستيطانية،
  • الحماية النشطة المسبقة للوكالات والمنظمات الدولية المعنية بالنزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بما فيها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
  • إطلاق عملية سياسية فعالة وذات مصداقية من أجل تطبيق حل الدولتين مع التركيز على الدور الرئيسي للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

الموقف الفلسطيني من خطاب الرئيس

المحلل السياسي خليل شاهين، قال في حديث خاص لـ " الوطنية"، إن الخيار السياسي الذي يتبعه الرئيس متمثل في سياسة التفاوض مع "إسرائيل"، وليس المواجهة المباشرة معها.

وأضاف أن سياسة التفاوض لا يجري العمل لتوفير مقوماتها، إلى جانب الخشية من عدم ضمان تداعياتها في ظل الانقسام وضعف مكانة القضية الفلسطينية في الوقت الراهن.

ونوه شاهين إلى أن القرارات الصادرة عن المجلسين (الوطني والمركزي) تعني الانتقال إلى خيار المواجهة، ولذلك لا توجد فرصة لتنفيذها، أولاً، بسبب استمرار الرهان على العودة إلى التفاوض وفق شروط محددة، وثانياً، بسبب انقسام البيت الداخلي، وعدم ايمان طرفي الانقسام بالشراكة السياسية، القائمة على إنهاء الهيمنة الانفرادية في كل من الضفة والقطاع، بحسب وصفه.

بدوره، قال المحلل السياسي (المقرب من حماس) ابراهيم المدهون، إن خطاب الرئيس لا يحمل أي توجهات أو قرارات جديدة، وكان أقل من المتوقع، معقباً أن ما صرح به أبو ردينة سابقاً ما هو إلا عملية ترويجية لكلمة الرئيس داخل الأمم المتحدة.

واستبعد المدهون امتلاك الرئيس أي أوراق قوة لتحقيق تهديداته التي تحدث عنها في المجلس الوطني الفلسطيني في ظل الانقسام وضغوطات الاحتلال الإسرائيلي والموقف الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية.

وأشار إلى ضرورة ترتيب البيت الفلسطيني وانهاء الانقسام وضم كل من حركتي حماس والجهاد تحت مظلة منظمة التحرير لأجل مواجهة الاحتلال التي لن تنجح لو بقى منفرداً، علمًا أن قرارات المجلس الوطني الفلسطيني لم تنفذ على أرض الواقع، رغم إقرارها في المجلس الذي عقد عام 2015.

فيما لفت المحلل والكاتب السياسي طلال عوكل، إلى خطورة تنفيذ تلك قرارات "الوطني" على أرض الواقع، بسبب عدم امكانية حصر نتائجها.

واعتبر  أن المشروع الاسرائيلي سيستمر في تنفيذ قراراته عبر سياسة فرض الأمر الواقع المدعومة بالقوة الأمريكية على القضية الفلسطينية، موضحًا أن الموقف الفلسطيني قد وضع في الزاوية التي تجبره على اتخاذ خطوات وطنية،" يمكن لها أن تساعده للمواجهة في المستقبل".

بدورها، وصفت الجبهتان الشعبية والديمقراطية، خطاب الرئيس بأنه "باهت ومخيب للآمال"، ولم يكن بمستوى التحديات الجسيمة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية.

المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية

 تأكيدًا على منهجية المفاوضات، كانت لقاءات الرئيس عباس بالإسرائيليين وزياراته الدولية، تعبر عن سياسة التفاوض، وتجلى ذلك في ختام مباحثاته مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون حيث أبدى استعداده لأي شكل من المفاوضات سرية أم علنية. مع الجانب الاسرائيلي.

والتقى عباس بزعيمة المعارضة الإسرائيلية، "تسيبي ليفني"، على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، لتشدد على ضرورة عودة الحوار بين السلطة وواشنطن، استنادا إلى حل الدولتين (دولة فلسطينية منزوعة السلاح إلى جانب إسرائيل)، مشيرةً إلى خطورة الوضع.

وأوضحت أن المعارضة وأغلبية الجمهور الإسرائيلي تؤيدان مبدأ الدولتين،" لكننا سنعارض أي تحرك أحادي الجانب في المحافل الدولية ضد إسرائيل".

وفي نفس السياق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بعد لقائه بالرئيس: " على كل شخص في أمريكا وأوروبا وإسرائيل، أن يفهم أمرين: الأول :أنه لا بديل عن حل الدولتين لتسوية الصراع التاريخي الفلسطيني - الإسرائيلي، والثاني: أن هذا الحل ممكن، والشيء الأهم، أن الرئيس محمود عباس هو الوحيد القادر على إنجازه".

وأضاف أن" عباس أثبت في الماضي أنه ملتزم بالكامل في تحقيق السلام، ولهذا أنا أحترمه كثيرا، فهو الشخص الأكثر قدرة لهذه العملية في المستقبل".

وكان وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قد وصف لإذاعة الجيش، اجتماع أولمرت مع عباس بـ "المثير للشفقة"، قائلاً " إن الحقيقة هي أنه خلال السنوات الثمانية لإدارة أوباما لم يوافق أبو مازن على المضي قدما، ولو بمقدار ملليمتر واحد.. هذا يعني أنه لا توجد فرصة، 25 عاما منذ أوسلو، في إطار حل الدولتين، لا توجد فرصة للوصول إلى أي نوع من الحل".

 

السيناريوهات المقترحة

  • السيناريو الأول وهو الأكثر ترجيحاً

استمرار الرئيس محمود عباس بالتمسك بسياسة التفاوض مع "إسرائيل" وتجاهل سياسة فرض الأمر الواقع التي يستخدمها الإسرائيليون لتنفيذ قراراتهم، إلى جانب محاولته لكسب الوقت لأجل تعديل الشروط التي يقوم عليها التفاوض مثل الالتزام بمرجعية قرارات الأمم المتحدة وتغير الاطار التفاوضي، بعيداً عن الاحتكار الأمريكي لصالح إطار دولي مثل اللجنة الرباعية الدولية، مع إضافة دول أخرى لها. وهذا يعني بقاء الوضع على حاله بانتظار تطورات تخدم سياسة الرئيس، مع إمكانية بقاء الانقسام، وربما فرض مزيد من العقوبات على قطاع غزة، بما يترتب على ذلك تدهور خطير في الوضع الفلسطيني.

 

  • السيناريو الثاني الأقل ترجيحًا

نجاح الدور العربي المتمثل بمصر عبر تحقيق المصالحة من خلال ايجاد ميزان الربح والخسارة التي ترضي الطرفين وايجاد خطوات فعلية على أرض الواقع، وذلك السيناريو لا يمتلك الأمل بسبب الخلافات بين سياسات كل طرف منذ النشأة، وحتى وقتنا الحاضر إلا إذا وجدت ضغوط شعبية واقليمية ودولية ساعية لتحقيق المصالحة.

  • الخاتمة

الإدارة الأمريكية بقيادة ترمب غيرت من السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية  من خلال القرارات التعسفية والانحياز الكامل لإسرائيل، والتي اتبعته في الفترة الأخيرة على عكس عهد أي رئاسة أمريكية ماضية، ليأتي خطاب الرئيس الأخير معلناً من خلاله انحصار الخيرات التي تمتلكها القضية الفلسطينية أمام احتكار أمريكي وتعاطفي دولي غير فعال. لتكن المفاوضات فرضاً لا خياراً إن وجدت!!،ذلك من جهة أما مستقبل المصالحة الفلسطينية يبقى رهن مقاييس الخسارة والربح والمصلحة الوطنية لدى كل طرف. 

المصدر : نسمة الشيخ علي_ الوطنية