عدة شهور فقط تفصلنا عن هزة إقليمية كبيرة، وربما يصل الأمر إلى حرب شاملة.
لماذا؟
ببساطة لأن مرحلة ما بعد داعش من الزاوية الإقليمية هي مرحلة إعادة الاصطفافات والتموضعات وملء الفراغ.
خلال الأشهر القليلة القادمة ستكون الحرب في سورية وعليها قد وضعت أوزارها، ولن يتبقى منها غير مشاغلات في بعض المناطق والجيوب.
وبعد عدة شهور، أيضاً، سيكون العراق قد أنهى بصورة كاملة الوجود الداعشي على أراضيه وستكون مسألة كردستان العراق قد أخذت طريقها في التحول إلى مجرد حكم ذاتي موسّع في اطار دولة اتحادية لا تقبل القسمة ولا الانقسام. أما في ليبيا فأغلب الظن أن الاتفاق على خارطة الطريق قد أصبح في متناول اليد، وأن توحيد الجيش الوطني سيؤدي حتماً إلى إنهاء وجود داعش، وكذلك بعض فلول الإخوان والميليشيات الأخرى.
ولم يتبق من حروب المنطقة الطاحنة سوى الحسم باتجاه معين في اليمن.
هناك، ايضاً، في غضون الأشهر القادمة سيتم الحسم إما سلماً أو حرباً في اليمن. إذ لم يعد ممكناً الاستمرار بها في ظل التدهور الشامل لملايين اليمنيين على كل المستويات المعيشية دون أي طائل ودون أي تغير يذكر.
السؤال الذي يطرح في ضوء ذلك: من أين سيأتي الانفجار إذا كانت الأمور تسير نحو انتهاء الحروب التي دارت حتى الآن؟
السؤال منطقي ولكن دعونا نفكر في الجواب إذا كان هو، أيضاً، منطقيا بل وفي منتهى المنطقية.
صحيح أن الحروب على أبواب أن تضع اوزارها لما بعد داعش، وصحيح أن الاصطفافات والتموضعات على أشدها وفي سباق مع الزمن. لكن الصحيح، ايضاً، وربما أكثر أن الحروب المشار إليها لم تحقق شيئاً من المخطط الذي كان يستهدف المنطقة منذ سنين، والمخطط الملموس الذي تم إعداده على عجل عشية وغداة «الربيع العربي» بل ويمكن القول إن الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل لم تربح شيئاً جوهرياً، ولم تكن الأرباح إلاّ مؤقتة، وهي في طريقها إلى التلاشي التام (أي الأرباح)، بل ويمكن أن تتحوّل إلى خسارات استراتيجية في المديات المنظورة.
فالدولة السورية بقيت ولم تقسم إلى أربع دول، والدولة العراقية استعادت نفسها، ولم تقسم ليبيا أو حتى اليمن الذي دفع ثمناً باهظاً حتى الآن، وما زال يصارع لاستعادة روحه، ولم يتمكن الانقسام من تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، بل نشهد ما يشبه الصحوة الفلسطينية لخطر الاحتلال وخطر الانقسام على المشروع الوطني وهوية الشعب الفلسطيني وأهدافه ومستقبله ومصيره، وصمدت الدولة المصرية وأثبتت قدرة هائلة على مواجهة الارهاب، وتستمر في الدفاع عن وحدة الشعب والدولة والجيش فيها، بل وتقدم بشجاعة على مشاريع تنموية طموحة.
وعلى المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي تندثر في الواقع مقولات الإسلام السياسي التكفيرية والظلامية، ويعاد الاعتبار للتعايش والتعددية والديمقراطية على نطاق أوسع بما لا يُقاس مع عدة سنوات قليلة إلى الوراء.
وفي لبنان وعلى الرغم من الهزّات السابقة وحتى تلك الأخيرة ما زال الوضع قابلاً للتماسك إذا ما تكاتف الجميع لاتقاء شر الدخول في مواجهة كبيرة.
إذن هل ستقبل إسرائيل والولايات المتحدة النتائج التي وصل إليها الإقليم في الواقع القائم؟
وهل ستقبل إسرائيل أن تنتهي الأمور إلى ما انتهت إليه، وإلى ما يمكن أن تنتهي إليه إذا ساد جوّ التعايش والاستقرار والخروج من مرحلة داعش والظلام والحروب المتوحشة بالخسائر التي ترتبت عليها حتى الآن؟ والذهاب باتجاه تجاوز كامل هذه المرحلة والدخول في مرحلة جديدة، عنوانها المحافظة على الدولة الوطنية وإعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي للمجتمعات العربية التي أنهكتها ومزّقتها هذه الحروب؟
هل قامت المذاهب والطوائف والأعراق والملل بإنشاء كياناتها الخاصة على حساب الدولة الوطنية وعلى حساب الرابطة الوطنية والقومية؟
هل تم إسقاط التجربة الديمقراطية في تونس؟ وهل نجح أحد في تهديد وحدة التراب المغربي؟، وهل تمكنت بعض الدول الصغيرة من الظفر بأي دور إقليمي، أم أنها تعاني اليوم من العزلة ويعاني دورها من التلاشي التام؟
المنطق يقول إن الحروب التي دارت على مدى السنوات الخمس الماضية لم تحقق الأهداف الغربية والإسرائيلية على الرغم من كل الخسائر والدمار الذي أصاب منطقة الإقليم.
لهذا فإن المنطق يقول: ما لم تأخذه بالحرب لن تأخذه بالمفاوضات السياسية.
لهذا فإن الإقليم ربما يكون على موعد مع بركان شامل لكي تكون مرحلة ما بعد داعش هي مرحلة «الحسم» باتجاه بلقنة الإقليم بعد أن فشلت مرحلة لبننة هذا الإقليم.
وإذا لم يتم تدارك الأمور بسرعة وقبل فوات الأوان فإن هذا الإقليم سيشهد الانفجار الكبير الذي ستشارك به إسرائيل وإيران وتركيا والغرب كل من زاويته، وكل حسب أهدافه لاستهداف قيام مشروع عربي جديد.
الحرب القادمة الهدف منها أولاً وعاشراً منع قيام مشروع عربي، وكل من يعتقد أن هذا المشروع يمكن أن تقوم له قائمة بدون وعي لمركباته الوطنية والقومية سيجد نفسه خارج السرب، وسيفيق على كارثة جديدة.