لا أحد يصدق أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يكن يعرف بأمر تسلل وحدة مستعربين الى قطاع غزة واغتيال قيادي في حركة حماس ببساطة شديدة لأن الأمر قد يجر لحرب وهذا لا يحدث دون علم المستوى القيادي الأول وبالتالي فان عملية من هذا النوع لابد وأن تكون تمت بمباركة كل المستويات السياسية والعسكرية في اسرائيل.

بعد الاخفاق حاول جهاز الاعلام في اسرائيل التخفيف من وطأة الحدث بالقول أن الأمر لم يكن يهدف لإغتيال بل لإعتقال نور بركة القيادي في حماس والبعض ذهب للتخفيف أكثر بأن الأمر لم يكن سوى نشاط اعتيادي يقوم به الجيش الاسرائيلي الذي اعتاد على ممارسة نشاطات استخبارية عادية من هذا النوع لكن حدث هناك خطأ ما.

لكن السؤال المنطقي هو أن اسرائيل وحركة حماس يذهبان باتجاه تهدئة وليس باتجاه الحرب وهو ما تحرص عليه اسرائيل التي سمحت بإدخال الوقود القطري والمنحة المالية وبالمقابل قامت حركة حماس بضبط ايقاع المسيرات على مناخات التهدئة فهل سعت اسرائيل الى قلب الطاولة والذهاب نحو حرب أم ماذا؟ وكيف يمكن ربط عملية الاغتيال وتسلل قوة خاصة لتصفية قيادي بالقسام مع رغبة نتنياهو بتحقيق تهدئة؟ 

أغلب الظن أن الرغبة الاسرائيلية بالتهدئة هي الأكثر ترجيحاً وقد قطعت اسرائيل شوطاً فيها واتخذت خطوات على الأرض وتسبب ذلك في كثير من الجدل داخل اسرائيل وحتى داخل الحكومة نفسها بالاتهامات التي امتدت لأيام بين رئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت ضد وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان واتهام الأول للأخير بالجبن وتحويل أموال لحماس وكذلك انتقادات المعارضة واتهامها لنتنياهو بالانحناء والرضوخ لحركة حماس أغلب الظن أن الجدل الداخلي والهجوم على الاتفاق غير المباشر وادخال الوقود والأموال لغزة هو السبب الذي وقف خلف عملية الاغتيال.

أغلب الظن أن اسرائيل وبالتحديد ثنائي نتنياهو ليبرمان وينضم لهم نداف أرغمان رئيس الشاباك أرادوا صد الانتقادات من خلال عملية استعراضية مستغلين الظروف القائمة لدى حركة حماس والمراهنة أنها لن تستطيع الرد بسبب الرغبة القطرية بتحقيق هدوء كما طلب العمادي وثانياً لأن أي رد من الحركة يعني سحب كل الانجازات التي تحققت من مال ووقود دولار وسولار وبالتالي ستفكر حماس مرات قبل الرد وربما ستمتنع.

واذا ما نجحت العملية بالاغتيال وامتنعت حماس بالرد وأغلب الظن أن هذا هو السيناريو الذي أرادته حكومة اسرائيل يعني أن هذا القدر من الاستعراض الكبير "عملية اقتحام خلف خطوط العدو والعودة بسلام" هكذا التخطيط ،  يعني أن اسرائيل توافق على التهدئة من منطق القوة وتكون بهذه العملية قد حققت قوة ردع وردت على المعارضة الاسرائيلية ووافقت على التهدئة من منطق القوة وليس كما تتهم المعارضة في اسرائيل وربما عملية من هذا النوع توقف الجدل داخل الحكومة نفسها.

لم تنجح العملية بأن تنتهي بسلام صحيح أن عملية الاغتيال نجحت لكن قتل جندي من وحدة النخبة واصابة آخر تسبب بانقلاب السحر على الساحر وخسارة لإسرائيل ولطمة لحكومتها وأن أي محاولة للتقليل من الخسارة كما يريد المحللون في اسرائيل لن تخفي حقيقة فشل على الأقل من الخروج بسلام بل تعود بجثة وكذلك بإصابة بالغة ،  كيف سيكون تداعياتها في اسرائيل التي أرادت الاستعراض فاذ بها أمام فشل.

لكن كل ذلك لا يخفي أسئلة على الجانب الآخر فلسطينياً كيف تمكنت القوة الاسرائيلية من الدخول كل هذه المسافة في قلب غزة،  ثلاثة كيلومترات مسافة كبيرة وخصوصاً أن هناك حذر شديد على الحدود ومن أين دخلت السيارة ؟ هل جاءت من الجانب الاسرائيلي هكذا دون أن يكتشفها أحد؟ أم أنه تمت مساعدتهم من غزة وكانت تنتظرهم في خانيونس؟ بكل الظروف هناك أيضاً خلل وخرق في الجانب الفلسطيني ينبغي التحقيق فيه.

باختصار أرادت اسرائيل عملية نظيفة لإسكات انتقادات داخلية متصاعدة لتحقق تهدئة مريحة عملية استعراضية ولو أرادت اغتيال بركة لفعلتها جواً لكنها أرادت الاستعراض ودفعت الثمن ...!!!