الحقيقة لا أحد يعرف كيف تتخذ القرارات لدينا نحن الفلسطينيين هل تتم دراستها بدقة وفقاً لحسابات الرياضيات والمنطق السياسي أم تحت ردة الفعل؟ هل تتم بشكل منظم أم عشوائي؟ النتيجة أن كثير من القرارات تتخذ كانت تحتاج الى نوع من القراءة الأكثر هدوء والأكثر رصانة وكثير منها كانت له نتائج وانعكاسات سلبية.

ليست المرة الأولى التي يتطرق المجلس المركزي فيها للعلاقة مع اسرائيل والتي وصلت الى حد من الصدام الذي لم يعد معه التعايش الذي كان قائماً يمكن لأن يستمر،  فالصدام السياسي يزداد وتنكر اسرائيل للحقوق الفلسطينية أكبر من أن يحتمله أي فلسطيني وقد هدد المجلس في السنوات الثلاثة الأخيرة منذ عام 2015 ثلاث مرات بإعادة النظر في العلاقة مع اسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها وان كنا نكتب دوما بأن الأمر أكثر تعقيداً من استسهال هذه القرارات بل ويحتاج الى انقلاب نوعي أكبر من تظاهرة غاضبة في المجلس.

كنا نعتقد أن الأمر الواقع وطبيعة التشابك في العلاقة بين الطرفين أصبح قيداً على الفلسطينيين من التحلل الجزئي من الارتباط بإسرائيل ودوماً ما كان يصطدم المجلس المركزي أو الهيئات التي يحيل لها دراسة القرارات بهذا الواقع ليكتشف أنه لا يمكن تنفيذ أي من قراراته ثم يعيد المجلس ليؤكد على نفس القرارات وهو أكثرنا علماً بصعوبة التنفيذ في ظل القائم وصعوبة الحلول الجزئية أو الانتقائية .

هذا الأسبوع ذهب المجلس المركزي الذي التأم في قراراته أبعد من المرات الماضية معلناً ما يشبه فك الارتباط وقرارات بوقف العلاقة مع اسرائيل وتعليق الاعتراف بها طبعاً قرارات من هذا النوع كان يجب أن يصاحبها تغيير في نمط المؤسسة الفلسطينية القائمة ووظائفها في عملية احلال سريعة لمتغيرات وتداعيات تحدثها هذه القرارات لو كان بالإمكان تطبيقها .

الغريب في الأمر أن الجميع يعرف أن واحدة من أبرز النصوص في اتفاقيات أوسلو هو النص الذي يتعلق بتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية وبالتالي فان أي تغيير في شكل العلاقة مع اسرائيل أو سحب الاتفاقيات يعني تلقائياً حل مؤسسات السلطة الوطنية كواحدة من الاتفاقيات بل أبرزها أما من يعتقد أنه يمكن وقف الاتفاقيات وبقاء السلطة فهذا ليس أكثر من تفكير سطحي لا يمكّن من اتخاذ قرارات بل سيساهم باتخاذ قرارات عشوائية غير قابلة للتطبيق.

أعلن المجلس المركزي عن قطع العلاقات وابقاء السلطة وتلك أحجية تناولها رئيس حزب يش عتيد الاسرائيلي بأنها أشبه بنكتة أما الصحفي يوني بن مناحيم فقد نشر على صفحته بأن السلطة بعد اتخاذ القرارات تقدمت للإدارة المدنية بمطالب ما كأنه يقول أن لا شيء تغير وأن كل شيء كما هو عليه وتلك حقيقة.

لقد جعل الاسرائيلي في كل نص من النصوص لغماً ينفجر في وجه الفلسطينيين اذا ما قرروا التراجع كمن يرفع قدمه من فوق اللغم وكأنه أمسك الفلسطينيين من أعناقهم حيث لا فكاك لذا فان اتخاذ القرارات بشكل انتقائي أو  بشكل مجتزأ  يعني عدم القدرة على تنفيذها ففي الأزمة بيننا وبين اسرائيل لا مجال للحلول الجزئية فقط الأمر يحل بالكليات اما السلطة والقبول بالتزاماتها وما يُنظم العلاقة بينها وبين الاسرائيلي وفقاً لما قبلت به مسبقاً واما التحرر من الاتفاقيات وحل السلطة، أما التحرر من الاتفاقيات وبقاء السلطة فتلك مسألة لا تستوي مع منطق الواقع القائم.

لذا تبدو القرارات التي اتخذها المجلس المركزي أشبه بقفزة في الهواء ولم تنبع من دراسة عميقة بل والأسوأ أن هذه القرارات للتهديد أما التنفيذ فينبغي أن يسبقه ترتيبات حل السلطة أو تغيير اسمها ووظائفها لأن أي سلطة تنتظر حوالة المقاصة الضريبية كل شهر من الاحتلال ولا تستطيع الاستغناء عنها وسلّمت مسبقاً بمرور المال والاقتصاد أن عبر الأنبوب الاسرائيلي تعرف ماذا يعني كل ذلك.

القرارات التي اتخذت هي الورقة الأقوى التي تلقى متأخراً في لعبة الورق السياسية وتلك يحتفظ بها السياسيون للضربة الأخيرة لكن أن تلقى على الطاولة في لحظة لا يبدو لها قيمة فإنها تتحول لنقطة ضعف كبيرة ونكون قد فقدنا قيمتها وهذا ما حصل لم أكن أتمنى أن يذهب المركزي الى هذا الحد دون تحضير حقيقي يتعلق بإبقاء السلطة لأن تلك تحولت الى نكتة عبر عنها يائير لابيد .. خسارة ..!!!