جهود حثيثة تقودها القاهرة والأمم المتحدة والدوحة لإبرام اتفاق تهدئة بين (إسرائيل) والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وأجرت فصائل المقاومة لقاءات مكثفة لتوحيد المواقف والخروج برؤية مشتركة تعبر عن حالة إجماع فلسطيني بشأن التهدئة، وقدمت رؤيتها للقاهرة، كما زار الوزير عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة المصري دولة الاحتلال الإسرائيلي لاطلاع المسؤولين هناك على نتائج حوارات القاهرة مع الأطراف ذات الصلة، وخلال الأيام المقبلة ستجري القاهرة لقاءً مع الرئيس محمود عباس لمحاولة إقناعه بأهمية الدمج بين مسارَي التهدئة والمصالحة وهو ما يتطلب خطوات بناء ثقة يقوم بها الرئيس عباس بحق غزة، لا سيَّما رفع العقوبات الجائرة التي فرضها على القطاع قبل عام ونصف العام.

ما أبرز ملامح اتفاق التهدئة...؟ وما هي أهم التحديات التي تعترضه...؟ وهل لهذا الاتفاق مخاطر سياسية متعلقة بالمشروع الوطني...؟

 

أولًا: اتفاق التهدئة

حسب المعلومات المتوافرة فإن مرجعية الاتفاق تستند إلى اتفاق التهدئة عام 2014م، بمعنى الهدوء مقابل الهدوء، وعلى (إسرائيل) أن تفتح المعابر مع قطاع غزة وتسمح بتدفق البضائع من القطاع وإليه من خلال المعابر التجارية، وكذلك تفتح مصر معبر رفح بشكل دائم للبضائع وللأفراد، وتشييد ممر مائي يربط قطاع غزة بقبرص برعاية أممية للبضائع وللأفراد، ويقوم المجتمع الدولي بتمويل مشروعات تسهم في تحسين البنية التحتية في قطاع غزة من خلال مبادرة نيكولا ملادينوف.

 

ثانيًا: أهم التحديات التي تعترض التهدئة

لم تكتمل فصول اتفاق التهدئة حتى اللحظة، فما زالت بعض التحديات تعترضها، لا سيما رغبة بعض الأطراف بالدمج بين مساري التهدئة والمصالحة، ومن هنا تأتي جهود القاهرة مع الرئيس محمود عباس لتحقيق ذلك، ولكن اشتراطات الرئيس عباس لم تتغير، وهو ما يشكل معوِّقًا لتحقيقها، ولكن هذا المعوِّق قد يتبخر في لحظة في حال وصلت القاهرة لقناعة راسخة أن الرئيس عباس سيصِرُّ على رأيه، ولن يوافق على رفع العقوبات أو قبول تشكيل حكومة وحدة وطنية، ويبقى يصرُّ على التمكين كمدخل للحل.

 

ثالثًا: المخاطر المحتملة

أهم المخاطر المحتملة لتوقيع اتفاق تهدئة دون منظمة التحرير الفلسطينية ما يلي:

1.إضعاف وحدانية التمثيل السياسي لمنظمة التحرير وللرئيس محمود عباس..

2.قد يتحول الانقسام إلى انفصال.

3.تحييد قوة غزة والاستفراد بالقدس والضفة الغربية.

رغم وجاهة المخاطر المحدقة إلا أنه لا يمكن الوقوف عند سردها دون البحث بجذر المشكلة وهي:

 

1.حالة التفرد والهيمنة التي رسخها الرئيس محمود عباس خلال ولايته على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وهو ما يشكل جوهر ضعف المنظمة والسلطة وتآكل قوتها وتأثيرها لدى الشعب الفلسطيني والأمة جمعاء.

2.غياب الديمقراطية عن مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني لا سيما منظمة التحرير الفلسطينية، والانتقال من ديمقراطية الصندوق إلى ديمقراطية التصفيق والولاءات الخاصة.

3.أكبر المخاطر التي تقع على منظمة التحرير الفلسطينية يتمثل في توظيفها لخدمة أهداف سياسية متعلقة تارة بالحزب (حركة فتح) وتارة أخرى بالشخص (رئيس السلطة الفلسطينية)، فبعد إنشاء السلطة الفلسطينية عام 1994م ذابت منظمة التحرير في بوتقة السلطة وانصهرت بشكل شبه كامل فيها، وبعد فوز حماس بالانتخابات عاشت من جديد، واليوم تضرب قراراتها بعرض الحائط، فثلاث اجتماعات للمجلس المركزي والوطني تقرر وقف التنسيق الأمني وحتى تاريخه التنسيق الأمني ساري المفعول ونفس الشيء متعلق باتفاقية باريس الاقتصادية وغيرها من الاتفاقات.

4.اجتماع المجلس المركزي الأخير عُقِد رغم مقاطعة كل من الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية والمبادرة الوطنية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي وبعض الشخصيات الأخرى، وهو ما يدلل على غياب العدالة في توزيع مقاعد المجلس المركزي بين الفصائل، وكذلك إصرار الرئيس عباس على تنفيذ رؤيته دون أدنى اعتبار لشركاء الدم والمصير، وهذه الجلسة تسهم في تآكل شرعية تمثيل منظمة التحرير للكل الوطني الفلسطيني، لأن إعلان بيروت يعبر عن الكل الوطني الفلسطيني ومن يعيق تطبيق هذا الإعلان الرئيس عباس.

 

الخلاصة: الأفضل أن يخرج اتفاق التهدئة معبِّرًا عن المجموع الوطني الفلسطيني، وأن يتوَّج ضمن سياق مصالحة وطنية شاملة، وأن يكون جزءًا من استراتيجية وطنية فلسطينية تعيد الاعتبار للمشروع الوطني الفلسطيني، وأن تقوده منظمة التحرير الفلسطينية بعد تطبيق إعلان بيروت 2017م، لكن أن تنتظر غزة رحمة الرئيس عباس بقبول المصالحة وفقًا للاتفاقات الموقعة في القاهرة، فإن خيار تجاوز الرئيس سيكون منطقيًّا، لأن كرامة شعبنا وتعزيز صموده مقدمة على شرعية زائفة يدَّعيها البعض ويحتمي خلفها البعض الآخر، فإما ديمقراطية تعيد خارطة التمثيل السياسي، أو تهدئة تنقذ غزة مؤقتًا لحين ترتيب المشهد بعد رحيل الرئيس محمود عباس.