شهدت الأعوام الماضية حالة من النهوض الحقيقي لدى المقاومة الفلسطينية على صعيد التكتيك والاستعداد الجيد لخوض المعارك القتالية ضد الاحتلال الاسرائيلي، وهذا كان واضحًا إبان المعركة الأخيرة التي حملت اسم "سيف القدس" والتي كانت تحت إشراف الغرفة المشتركة ودفاعًا عن القدس. حيث تميزت هذه المعركة عن غيرها بنوعية العمل والجهوزية الكبيرة لدى الأجنحة العسكرية، لا سيما منها كتائب المقاومة الوطنية – قوات الشهيد عمر القاسم والتي كانت واضحةً بفعلها النضالي رغم عدم توفر الامكانات بالشكل المطلوب، إلا أنها واظبت وراكمت على أن تصنع فجرًا جديدًا من خلال مواصلة التدريبات العسكرية لمقاتليها، والتعبئة الفكرية المنتظمة، وتنظيم المناورات القتالية داخل مواقعها العسكرية، والتعويض المستمر لقذائفها الصاروخية التي تستخدمها في جولاتها القتالية تجاه الاحتلال، ناهيًا عن إضفاء الحداثة على عتادها العسكري أمام التغول الإسرائيلي بحق الأرض والإنسان الفلسطيني.

ليس غريبًا على ملوك القرار الفلسطيني المستقل وسفراء الدفاع عنه، أن يجعلوا من ايمانهم بفكرة النضال قربانًا فدائيًا من أجل تعزيز العمل المشترك، والحث على إيجاد صيغة وحدوية للعمل المقاوم المنتظم، وأن يُحسب لكتائب المقاومة الوطنية كأول جناح مسلح أطلق هذا النداء في العنان، وكانت الثمرة واضحة في مختلف جولات القتال، الأمر الذي ساعد على تشكيل غرفة عمليات مشتركة بما يعزز من الخروج بقرار وطني تشاوري. لكن، وبعد سنوات، أصبح رغم الانجاز العسكري لهذه الغرفة المشتركة التي كانت تُدعم بالوحدة الميدانية في العمل ووجود الحاضنة الشعبية لدورها القتالي، إضافة للتطور الملحوظ عسكريًا سواء على صعيد التدريب أو العتاد، إلا أنه بات واضحًا الحاجة المُلحة لغطاء سياسي موحد يدعم هذا الخيار، الأمر الذي تطرحه كتائب المقاومة الوطنية في كل جولة من جولات المصالحة الفلسطينية عبر مرجعتيها السياسية (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين).

إن الحديث اليوم عن "كتائب المقاومة الوطنية" أصبح مختلفًا في ظل تحديات المرحلة وحالة النهوض المستمرة، ففي هذا العام باتت الانجازات تظهر شيئًا فشيئًا، وأن هذه الجنود المقاتلة عن ايمان راسخ بحتمية النصر وامكانية القتال عبر تطوير قدراتها العسكرية لم تضع يومًا رأسها على وسادتها، إلا وكانت مطمئنة لليوم الذي يليه نتيجة التراكمية في الجهوزية ومواصلة الاستعداد، اعتمادًا على قاعدة الحاجة أم الاختراع، والتسلح بالإرادة يصنع المعجزات.

في عودة على ما سبق، تؤكد الرسالة الإعلامية التي أطلقتها "كتائب المقاومة الوطنية – قوات الشهيد عمر القاسم" خلال شهر(7)  لعام 2021م في حديث للناطق الرسمي لها (أبو خالد) لوكالة روسيا اليوم، بالإعلان عن القذائف الصاروخية المحدثة التي اسُتخدمت خلال العدوان الأخير على شعبنا من نوع (قاسم70) الذي يصل مداه إلى جنوب تل أبيب، والتصنيع المتواصل من قبل مقاتليها من أجل التعويض الذي استخدمته خلال العدوان، إضافة إلى القذائف الصاروخية التجريبية نحو البحر والتي حملت اسم (قاسم 10) في إطار تحسين قدراتها العسكرية. كما أنها تتميز هذه الكتائب بنوعية الأداء عبر تخصصاتها العسكرية التي تحتكم إليها في كل جولة قتال ضد الاحتلال، والتي على أساسها يتم فرز قواتها للعمل بداخلها.

ففي كل عام تمر علينا فيه ذكرى انطلاقة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وخاصةً هذا العام الـ53، تؤكد المقاومة الوطنية أنه رغم الاستهداف المتكرر لمواقعها وقدراتها العسكرية، إلا أنها تواظب وبشكل كبير على البناء العسكري المصطحب لرؤية سياسية وحدوية عنوانها الانتصار للقدس والأسرى، وتحرير الأرض والإنسان، والدفاع عن مصالح الشعب تحت مظلة جامعة اسمها منظمة التحرير الفلسطينية ممثلًا شرعيًا ووحيدًا لشعبنا، داعية إلى تبديل النهج السائد من حالة الركود إلى حالة الاشتباك الفعلي بمختلف الأشكال النضالية المتاحة، والذي على أساسه تم صوغ ميثاق وبرنامج المنظمة حينها، والعودة إلى رفع شعار التحرير والمقاومة إلى جانب الدور السياسي الملحوظ بدلًا عن مسار التسوية الغير مجدي أمام غطرسة المحتل.

إن هذا العام يمر على الجبهة الديمقراطية فيه تحديًا قاسيًا، يتساءل فيه شعبنا، هل كانت ستصمد الجبهة في قرارها التاريخي في الدفاع عن مظلته الوطنية والصمود أمام تحديات المرحلة؟ إضافة إلى قطع الطريق على محاولات صنع البديل؟ أعتقد أنه تفاجئ الجميع من الموقف الصلب للجبهة الديمقراطية الذي تحملت على أثره هجمات منظمة وحالة تشويه غير مسبوقة، والتي جاءت على غرار قرار المشاركة في دورة المجلس المركزي الـ 31 علمًا بأن الجميع يعي جيدًا أن الجبهة لم يُسجل عليها في أي معترك وطني وأن تخلت عن النضال من داخل البيت وليس من خارجه (أي لا تحكمها الشعارات)، كما لم تسمح بالإساءة لهذا البيت المعنوي لشعبنا الذي عُمد بالدم والتضحيات، خاصة وأنها صاغت العديد من القرارات السياسية التي أصبحت اليوم مطلب الكل الفلسطيني، إضافة إلى طرحها المتكرر للمبادرات الوحدوية والتي كان آخرها مبادرة "إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية" والتي رحب بها أطراف الانقسام دون توفر للنوايا الرامية لتحقيق هذه المبادرة.

فمن خلال قرارات المجلسين المركزي والوطني وفي المقدمة منها (إنهاء الالتزام باتفاقات أوسلو) تستطيع أن ترسم الجبهة الديمقراطية وجناحها العسكري كتائب المقاومة الوطنية – قوات الشهيد عمر القاسم طريقها النضالي والكفاحي، ومسارها السياسي البديل لما نراه اليوم على طريق تحقيق المقاومة الشاملة في كافة الأراضي الفلسطينية، والحفاظ على وحدانية التمثيل لشعبنا أمام العالم، والتمسك بقرارات الإجماع الوطني كخيار استراتيجي دفاعي عن مصالح الشعب والوطن، وهذا من أجل التمكن من مواجهة الاحتلال وسياساته العنصرية القمعية، وعمليات التهجير في القدس، وحالات التضييق والقتل في مناطق الضفة المحتلة، والتخلص من اوسلو، وتحقيق مطلب الشعب في إجراء انتخابات شاملة.

وبحسب البيان الذي أصدرته الجبهة الديمقراطية عُقب حسم قرار المشاركة في دورة المجلس المركزي، فإن المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية يرى أن المشاركة في أعمال هذه الدورة قد وفرت الفرصة للتأكيد على عناصر مبادرتها التوحيدية وحشد الدعم الوطني لها، ورفع الغطاء عن ممارسات الهيمنة والتفرد وفضحها، وتجديد الالتزام بقرارات المجلس الوطني بشأن التحرر من التزامات أوسلو، والتي بالرغم من تعطيل تنفيذها، إلا أنها تشكل سلاحاً بيد الحركة الجماهيرية للتصدي لسياسات التفريط والرهانات الخاسرة، فما كانت قرارات المجلس المركزي لهذه الدورة الـ31 إلا أنها خطوة للأمام ولكنها ناقصة.

هنيئًا لمن صان العهد، وقاد المبدأ، وسار على درب الشهداء، والأسرى، والجرحى، والتحية لجموع الرفاق والرفيقات الذين سطروا نموذجًا وطنيًا وأخلاقيًا في الدفاع عن مظلتنا الوطنية الشرعية والوحيدة (م.ت.ف)، ورؤية حزبنا المجيد، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن استرشد بمقولة الأمين العام للجبهة الديمقراطية الرفيق نايف حواتمة "كلما اشتد الصراع ازددنا وثوقًا بصوابية مبادئنا الثورية".