وصم أستراليا كلّ أذرع حركة "حماس" بالإرهاب لم يكن قراراً عبثياً، بل هو قرارً يهدف إلى اللحاق بالموقف البريطاني والتماهي مع الإدارة الأميركية.

أستراليا دخلت العام الماضي في تحالف أمني استراتيجي مع بريطانيا والولايات المتحدة

وصم أستراليا كلّ أذرع حركة "حماس" بالإرهاب بعد عقود من وصم جناحها العسكري بهذه الصفة لم يكن قراراً عبثياً، وليس اجتهاداً من قبل الدبلوماسية في "إسرائيل"، بل هو قرار أسترالي يهدف إلى اللحاق بالموقف البريطاني والتماهي مع الإدارة الأميركية ضمن التحالف الجديد الذي نشأ بين الأطراف الثلاثة مؤخراً ضمن الصراع الكبير مع الصين وروسيا من ناحية، وهو يأتي، من ناحية أخرى، استمراراً لسياسات أستراليا المعادية للقضية الفلسطينية، وتماهياً مع الحركة الصهيونية المتجذرة؛ صاحبة النفوذ الاقتصادي والسياسي في أستراليا. 

من يتابع السياسة الخارجية الأسترالية خلال العام الماضي يدرك جيداً أنَّها دخلت في حالة تحالف أمني استراتيجي مع بريطانيا والولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تُوِّجت باتفاقية "أوكوس" للتعاون الاستراتيجي بين البلدان الثلاثة، إلا أنَّ الأستراليين قدّموا هذه المرة خطوات واضحة تؤكّد تقارب موقفهم من موقف الحليفين، بما يعزز المواقف السياسية الخارجية بين الدول الثلاث، وخصوصاً بعد أن اعتبرت بريطانيا حركة "حماس" إرهابية في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.

في نظرة تاريخية إلى موقف أستراليا من القضية الفلسطينية، يمكن ملاحظة الانحياز الكامل إلى "إسرائيل"، وذلك لعدة عوامل، أبرزها أن أستراليا و"إسرائيل" قامتا أصلاً كمشروع استيطاني عرقي، وأيضاً لتماهي السياسة الخارجية الأسترالية تاريخياً مع السياسة الأميركية في مختلف القضايا، بما في ذلك القضية الفلسطينية.

الموقف الأسترالي الذي لا يدعم القضية الفلسطينية ليس جديداً، إذ إنه بات منساقاً مع الاحتلال بشكل كامل منذ العام 2014، بعد أن دخلت أستراليا في الصراع اللغوي المتعلق بالقضية الفلسطينية، وأعلنت توقفها عن استخدام صفة "محتلّة" عند حديثها عن "القدس الشرقية"، إذ أصدر حينها المدعي العام الأسترالي جورج برانديس بياناً أفاد بأن "وصف القدس الشرقية بـ"المحتلة" هو أمر ينطوي على دلالات سيئة، وهو غير مناسب وغير مفيد"، الأمر الذي لقي احتفالاً وإشادة إسرائيلية حينها بهذا الموقف.

وبعد هذا التطور، لم يفوت رئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتنياهو الفرصة لتعزيز العلاقات مع أستراليا، وزارها في العام 2017، ما دفع الأخيرة إلى المزيد من التماهي مع الموقف الإسرائيلي، وصولاً إلى رفض قرارات الأمم المتحدة بشأن الاستيطان، وخصوصاً القرار الذي دعا كيان الاحتلال إلى وقف بناء وتوسيع المستوطنات في الأراضي التي احتلها في العام 1967.

وقد كانت أستراليا واحدة من 8 دول رفضت إدانة "إسرائيل" بسبب جرائمها في قطاع غزة في العام 2014. ورغم أنَّ وزيرة الخارجية جولي بيشوب أكَّدت أن بلادها لن تحذو حذو الولايات المتحدة في نقل سفارتها إلى القدس المحتلة، باعتبارها أحد موضوعات الحل النهائي، ورغم أنَّ أستراليا رفضت سابقاً الدعوات لوقف الدعم عن السلطة الفلسطينية، فإنها انصاعت في العام 2018 إلى طلب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وأعلنت وقف دعمها المباشر للسلطة الفلسطينية، "خشية أن تصل إلى الإرهاب"، رغم أنَّ بيشوب قالت: "أنا متأكدة من أنَّ الأموال الأسترالية السابقة المقدمة للسلطة الوطنية الفلسطينية من خلال البنك الدولي استُخدمت في الغرض المقصود منها". 

لا شكّ في أن الحركة الصهيونية ما زالت نشطة في أستراليا بشكل كبير، وما جرى في وصم كلّ أذرع حركة "حماس" بالإرهاب ربما يكون أحد مجهوداتها. وربما يكون القرار خطوة من الحزب الوطني الليبرالي الحاكم في أستراليا لإرضاء الحركة الصهيونية لتحقيق مكاسب داخلية، لكن لا يمكن سلخ القرار عن الواقع السياسي الدولي الجديد الذي تجد فيه أستراليا نفسها في تحالف جديد (أميركا – بريطانيا) يسعى للحفاظ على تفوق "إسرائيل" كقاعدة عسكرية متقدمة له في منطقة الشرق الأوسط، لسدّ انسحاب هذا الحلف وانشغاله بقضايا أكثر أهمية، متعلّقة بالصعود الصيني المتنامي والنفوذ الروسي.

ولا شكّ أيضاً في أنَّ اعتبار حركة "حماس" بأذرعها كافّة "إرهابية" أمر غير مريح للفلسطينيين، إلا أنه من الناحية العملية قرار غير ذي قيمة على الأرض، نظراً إلى البعد الجغرافي الكبير بين الأراضي الفلسطينية وأستراليا، وأيضاً لعدم امتلاك أستراليا أية أدوات تأثير سياسي أو عسكري في المنطقة، وهو لن يحمل تغييراً على مستوى المحافل الدولية التي تشهد انحياز أستراليا إلى "إسرائيل" دائماً، وبالتالي لا متغيرات كبيرة سوى تجديد الدعم الأسترالي للأخيرة.

من ناحية أخرى، يمكن تفسير تصنيف أستراليا حركة "حماس" بالإرهاب بأنه هروب من الطلب الإسرائيلي بإدانة إيران وتصنيف حزب الله منظمة إرهابية، بناءً على طلب تقدم به رئيس وزراء الاحتلال نفتالي بينت خلال لقائه نظيره الأسترالي سكوت موريسون على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في غلاسكو.