القرار الاسرائيلي التصعيدي باغلاق شبه كلي لمعبر كرم أبو سالم التجاري. لم يكن خطوة مفاجئة كما يعتقد الكثيريين، بل هو نتيجة تراكمية لسلسة من الأحداث و التحركات الأمنية و السياسية، منها الذي يحدث بشكل علني و منها ما يجري من تحت الطاولة بعيداً عن أعين عامة الناس.

هذا القرار هو جزء من معركة العض على الأصابع و تحسين شروط التفاوض و تعبيد الطريق أمام خطوات أخرى ذات أبعاد استراتيجية، و هي سباق ما بين ما هو انساني و ما هو أمني و ما هو استراتيجي.

لكن لهذا القرار أيضا أسبابه المباشرة و المرئية منها :

أولاً: السبب المباشر وفقا لنتنياهو و ليبرمان هو استمرار اطلاق الطائرات الورقية و البالونات الحارقه وهذا سبب كاف للتصعيد اذا ما اخذنا بعين الاعتبار انها تسببت في احراق ألاف الدونمات من المحاصيل الزراعية ، إضافة إلى حالة الارباك و انعدام الأمان الذي تسببه لمستوطني غلاف غزة.

ثانيا: اسرائيل تنظر الي هذه الطائرات الورقية على أنها لم تعد عمل شباب صغار أو عمل فردي بل أصبحت جزء من عمل جماعي منظم أخذ الطابع العسكري، مما زاد من خطورتها و فعاليتها، إضافة إلى مسيرات العودة في كل يوم جمعة التي تجعل الاسرائيليين في حالة استنفار دائم.

ثالثا: القرار الإسرائيلي الذي اتخذه نتنياهو و ليبرمان و قيادة الأركان يدركون أنه قد يؤدي إلى ردود فعل فلسطينية قد تؤدي إلى تصعيد يعرفون كيف يبدء و قد لا يعرفون كيف ينتهي، مع ذلك اتخذوا القرار نظرا لحجم الضغط و التحريض سواء من قبل الوزراء و القيادات الأكثر تطرفا منهم أو مستوطني مناطق غلاف غزة التي تسمع صرخاتهم في كل مكان مطالبين بايجاد حل لهذه المشكلة، على الرغم أن غالبيتهم غير معنيين في حرب جديدة يدفعون هم اكثر من غيرهم ثمنها.

رابعا: لا يتخذ نتنياهو و ليبرمان هذا القرار دون التنسيق مع أمريكا و خاصة المبعوث الخاص غرينبلات و جيرالد كوشنر المتواجدين بشكل شبه دائم في المنطقة من أجل تمرير المشروع الأمريكي الذي يسمى ظلما (صفقة القرن)، لذلك الأولوية ستكون للمشروع السياسي الذي لغزة نصيب الأسد منه من حيث الفصل عن الضفة و التعامل معها كمشروع انساني خدماتي فقط .

خامسا: هذه الخطوة التي قال عنها نتنياهو إنها جزء من سلسلة خطوات تهدف للضغط على حماس و تليين ( الرؤوس اليابسه) في كل ما يتعلق باعادة الجثث و الأحياء من الاسرائيليين ، بعد أن اصرت حماس على موقفها بفصل أمر تبادل الأسرى عن اي خطوات أخرى و الحديث عن هذا الأمر فقط في اطار صفقة تبادل أسرى جديدة يكون بدايتها و على رأسها اطلاق سراح كل الأسرى من محررين صفقة شاليط.

لذلك هذه الخطوة فقط يمكن وضعها في سياق تحريكي للضغط علي حماس من أجل وقف اطلاق الطائرات الورقية، ووقف مسيرات العودة وابقاءها بعيداً عن الحدود و كذلك من أجل استعادة جنودها دون دفع أي ثمن يتعلق باطلاق سراح معتقلين فلسطينيين قابعين في السجون الاسرائيلية.

ليس لدي أدنى شك أن اسرائيل لا تملك أي حلول عسكرية ، ولا تريد أن تدخل في مغامرات تورطها أو تجبرها على إعادة احتلال القطاع و تحمل مسؤولية مباشرة لاثني مليون فلسطيني عدا التداعيات الأمنية لهذه الخطوة.

وليس لدي شك أيضا أن حماس وأي فصيل فلسطيني آخر لا يرغب في مواجهة جديدة تحرق الأخضر و اليابس، هذا اذا ما تبقى شيذ أخضر في غزة، وتعمق من الأزمة الانسانية التي وصلت قاع البؤس و الشقاء منذ سنوات.
على الرغم من ذلك، العقل يجب أن لا يغيب للحظة ، بعيداً عن العواطف و ردود الأفعال غير المحسوبة أو المحسوبة بشكل مغلوط .