في الطريق الى انتخابات المجلس التشريعي، اولى حلقات الانتخابات، التي قد تفضي وفق التوافقات الوطنية الى انتخاب واعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، كهيئة لها دور اساسي ومحوري في المسعى نحو اصلاح وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، ومعها النظام السياسي الفلسطيني المشوه، تتصارع رؤى وبرامج مختلفة، تتقاطع في بعض الجوانب، وتختلف وتتباين في جوانب أخرى كثيرة، وستكون نتائج هذه الانتخابات دلالة على صوابية او عدم صوابية هذا البرنامج او ذاك، رغم ان الانتخابات لوحدها، ودون النظر الى ظروفها والاختلالات الكبيرة في تكافؤ فرص المنافسة، لا تمنح علامة امتياز ولا علامة رسوب.  

وفي الطريق الى هذه الانتخابات، يمكن بشكل أوضح الآن رؤية التقاطع الذي بدأ يتسع مداه بين قطبي اليمين، وهو تقاطع مدعوم اقليمياً ودولياً، بما يوحي بذهاب القطبين نحو مشروع سياسي مشترك في المرحلة القادمة، يمكن استقراء طبيعته من خلال داعميه وادوارهم التاريخية المتآمرة دوماً على القضية الفلسطينية. ولعل التنافس بين القطبين في المرحلة القادمة سينحصر في مساحة هذه الشراكة وقيادتها، وهو ما يفسر الخطوات المحمومة لقيادة السلطة لاحكام قبضتها على المفاصل الهامة والفاعلة من

خلال سيل القرارات بقوانين التي تطال مختلف جوانب حياة الفلسطينيين، خاصة في الضفة الغربية.
بموازة ذلك، وحتى وان لم تصدق هذه الرؤية تماماً، فان بناء شراكة موازية لمواجهة هذا المشروع، ومواجهة حالة التجاذب والاستقطاب المبني على تقاسم السلطة بين ذات القطبين، باتت ضرورة لا تقبل التأتأة ولا المناورة، ولا يمكن فهم التلكؤ في بنائها الا في سياق الهروب من استحقاق تاريخي آن أوانه، والالتحاف بمبرارات استحالة التوصل الى برنامج مشترك، وتركيب القائمة الانتخابية.

أن وحدة اليسار الفلسطيني، ومكونات التيار الديمقراطي لم تعد خياراً، بل باتت ممراً اجبارياً لاستعادة اليسار لموقعه ودوره كعامل فاعل ذو وزن مؤثر، ليس فقط لكسر حالة التجاذب الثنائي القائمة، ولا باعتباره طريقاً ثالثاً، بل باعتباره خياراً أول أكثر حرصاً ومسؤلية عن القضية الوطنية واستعادة مكانتها كقضية تحرر وطني ديمقراطي، بما يشمل القطع مع مسار التسوية والمفاوضات والاتفاقيات التصفوية.

هذا الطريق، وهذه الوحدة يجب ان لا تبنى على جمع حسابي لحجوم وتأثير احزاب اليسار، بل على الوجود والتأثير الواسع لكل الوطنيين الديمقراطيين في الساحة الفلسطينية من قوى ومؤسسات وشخصيات وحراكات وقادة نقابيين ومجتمعيين، يجمعهم برنامج سياسي اجتماعي شامل وواضح، ليس فقط في صياغاته العمومية، بل في تفاصيله المتعلقة بالانحياز لمصالح الفقراء والمهمشين والمتعطلين عن العمل وقضايا ومطالب الحراكات والجماعات المطلبية المختلفة، ووضع ضوابط عدم الانزياح عنه اي كانت التأويلات ورشاوى المناصب والمواقع. ولعل تقييم التجربة الماضية واستخلاص العبر من التقرب والعلاقة مع أي من قطبي اليمين، بما في ذلك المشاركة في الحكومات الماضية، والحالية، باعتبارها ادوات تنفيذية لسياسة السلطة المقيدة بالاتفاقات مع الاحتلال، والمعبرة عن تحالف طبقي موغل في الجشع والفساد والاخلال بالعدالة، ومدمر لمقومات الصمود والمواجهة، تشكل أحد أسس هذا البرنامج.

وان كان ذلك ضرورة ليس فقط في زمن الانتخابات، فان التفاعلات الانتخابية التي عادت لتحرك وتجدد الجهود الرامية الى توليده، تفرض أيضاً التوافق على تركيبة القائمة الانتخابية التي يجري التحاور بشأنها، بما يراعي الحجوم والمواقع للمكونات الماضية في هذا الطريق، وبما يراعي التمثيل الفعلي للجيل الشاب والنساء والقطاعات والشرائح المختلفة التي تتفق مع البرنامج ومع الرؤية الوطنية الديمقراطية، وبما يراعي اساساً تمثيل قادة ورموز العمل النضالي الوطني.

ان انجاز الوحدة بهذه الرؤية، يشترط تشكيل هيئة مرجعية واسعة للقائمة الانتخابية، ذات صلاحيات ضامنة لضبط ايقاع اداء الممثلين المنتخبين، وعدم انزياحهم عن البرنامج المتفق عليه، وضمان تعبيرهم عن مصالح وقضايا كل المكونات المشاركة في القائمة.
قائمة كهذه ممكن لها ان تتجاوز لغة الجمع البسيط الى لغة المتواليات الحسابية، وان تتحول من مجرد قائمة انتخابية، الى قطب وازن وفاعل، وأن تشكل بارقة أمل في طريق الخروج من الواقع المأساوي الذي نعيش، وتعانيه قضيتنا الوطنية.