أكدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية خبر اغتيال أحد أبرز علمائها محسن فخري زادة رئيس مركز الأبحاث والتكنولوجيا بوزارة الدفاع الإيرانية، بعد إطلاق النار من قبل مجهولين على سيارته، هذه الحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في سياسة اغتيال العلماء، فهي سياسة قديمة حديثة تلجأ إليها دول الأعداء من أجل منع أي تقدم يؤثر في موازين القوى ويضمن التفوق لهذه الدول، وفي هذا الملف فإن الدولة التي تحرص على تفوقها بشكل لافت هي إسرائيل، وهو ما يضعها في دائرة الاتهام بشكل كبير، فهناك مجموعة من المؤشرات تدلل أن إسرائيل كانت تتابع لحظة بلحظة محسن زادة وقد تناوله بنيامين نتانياهو في إبريل/2018م بالاسم في أحد المؤتمرات داخل دولة الاحتلال.

السؤال المطروح: هلى العالم محسن زاده هو الشخص الوحيد الذي تم اغتياله في عالمنا العربي والإسلامي...؟ وهل ثمة علاقة بين الموساد واغتيال العلماء...؟ وما مسئولية الدول العربية والإسلامية في حماية علمائهم...؟

أولاً: سياسة اغتيال العلماء في عالمنا الإسلامي.

اغتيال محسن زادة ليس الاغتيال الأول في الجمهورية الإسلامية ولا في المنطقة العربية، فالقائمة طويلة لاسيما من يعمل في مجال الطاقة النووية والتطوير الصاروخي وغيرها من الأعمال العسكرية التي تمنح الدول تفوقاً في المجال العسكري.

على مستوى إيران فإن زادة هو العالم رقم (5) ممن تم اغتيالهم في السنوات العشر الأخيرة، ففي يناير من العام 2010 تم اغتيال العالم مسعود محمدي، وفي نوفمبر من نفس العام تم اغتيال مجيد شهرياري، وفي يوليو 2011 اغتيل داريوش رضايي، وفي يناير 2012م اغتيل مصطفى روشن أستاذ الفيزياء النووية، بينما في عام 2015 تم افشال محاولة اغتيال لعالم آخر، واليوم يتم استهداف محسن زاده.

إن غياب سياسة الرد على جرائم الاغتيال تمنح من يقف خلف هذه الجرائم دافعية لتنفيذ المزيد من الجرائم، وهذا ما ينتظره المواطن العربي منذ زمن بأن تنتقل إيران من سياسة التهديد اللفظي إلى العمل الفعلي ضد من يثبت أنه خلف العمليات وفي تقديري أن أصابع الموساد أكثر وضوحاً في اغتيال زاده وغيره من العلماء أو القادة العسكريين مثل قاسم سليماني وأبو فؤاد المهندس.

إيران ليست وحدها ممن تعرضت لسياسة استهداف العلماء، فالمنطقة العربية شهدت عدة حوادث لاغتيال علماء في المجال النووي أو الصناعات العسكرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد اغتيلت عالمة الذرة المصرية سميرة موسى في أغسطس من العام 1952م في الولايات المتحدة، بينما اغتيل جمال حمدان عالم الجغرافيا المصري عام 1993م، وهناك أكثر من عالم قتل لا سيما في العراق التي شهدت مقتل المئات من العلماء وأساتذة الجامعات، وفي فلسطين تعمدت إسرائيل من اغتيال الكفاءات العلمية، فمن حادثة اغتيال العالم التونسي محمد الزواري في ديسمبر 2016م الذي أدخل تكنلوجية صناعة الطائرات بدون طيار للمقاومة الفلسطينية، واغتيال العالم فادي البطش في إبريل 2018م بالعاصمة الماليزية كوالامبور.

الملاحظ هنا أن أغلب عمليات الاغتيال جرت بتنفيذ جهاز (الموساد) الإسرائيلي.

ثانياً: مسئولية الدول العربية والإسلامية تجاه علمائها.

اغتيال زاده وغيره من العلماء في عالمنا العربي والإسلامي يعيد لذاكرتي ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في أحد كتبه عن حادثة مقتل الخليفة عمر بن الخطاب فأجاب بما معناه بلغتنا المعاصرة: لو كان لخليفة المسلمين عمر بن الخطاب مرافقين ما استطاع أبو لؤلؤة المجوسي قتله بهذه الطريقة السهلة، وهو ما يطرح سؤال مشروع  للأمن الإيراني: لو منح العالم اللواء محسن فخري زاده وزملائه سيارة مصفحة وموكب أمني مدرب جيداً لما تم اغتيالهم بهذه الطريقة السهلة، وخسارة دولتهم لرأس مال اجتماعي لا يقدر بثمن مادي، وهذا الكلام ينطبق على جميع دولنا العربية والإسلامية.

العلماء هم رأس مال اجتماعي ينبغي الحفاظ عليه من قبل حكومات دولهم، والعمل الجماعي مطلوب لحمايتهم، وجميعنا يتمنى أن يخصص علمهم لخدمة الإنسانية، وأن تطبيق اتفاقية الحد من السلاح النووي ينبغي أن تكون العنوان الأبرز في هذا التوقيت بما يضمن التوقيع عليها من جميع البلدان، وعلى رأسهم دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تمتلك عشرات القنابل النووية.