تشهد الجبهة الإيرانية- الإسرائيلية حالة من الغليان والتوتر, فمازال القلق الاسرائيلي من إيران في صورته القاتمة معروض أمام العالم أجمع, ورأى العدو والصديق معترك الخلاف بين الطرفين الذي بدأ يبسط نفوذه للتأثير على الساحة الدولية وإجبار أطراف دولية على الانحياز. أحداث تليها أحداث, وتصريحات تعقبها أخرى, بين قلق وتردد وتهديد وتخوف بين الطرفين.

حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي(بنيامين نتنياهو) في عرضها الإعلامي الاثنين الماضي تسجيل هدفاً ضد إيران من أجل منح الصلاحية والشرعية له في المواجهة بعد ذلك, ولكن الامور لم تسير في الطريق المبتغى, فكل التوقعات ذهبت هباءً ولكنه يأمل بالقادم.

 منذ سنوات عدة تحاول إسرائيل الغاء النفوذ الايراني في منطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عام ولكن بعد تدخلها في سوريا وسعيها لبسط سيطرتها ازداد الالحاح الاسرائيلي في ضرورة التخلص منها بشتى الطرق في محاولة منها لإجهاض المشروع الايراني في سوريا وذلك عبر التدخل بصورة مستمرة بتوجيه ضربات لأماكن توجدها في سوريا, أخر المحاولات الاسرائيلية الاخيرة قصف قاعدة إيرانية في منطقتي حلب وحماة في سوريا كانت تعني أمران, الأول: أوحى أن إسرائيل تحاول إشعال فتيل الحرب مع إيران, وذلك باستفزاز الطرف الإيراني لمنع تمركزه على الجبهة الشمالية, الامر الثاني:  رغبتها في الحصول على تأييد دولي لها على كل الأصعدة وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية حتى تعمل على احباط الرد الايراني على افتراض أنها تمتلك القوة المعلوماتية المطلوبة لذلك وهذا ما أوحت به في المؤتمر الاخير الذي عرض فيه الوثائق. ولكن من ناحية أخرى تستفيد إسرائيل من التواجد الايراني في سوريا  والذي مكّنها أن تتمسك بسياسة الردع الفوري .

 على الرغم من أن العديد من المصادر الدولية والمحلية في دولة الكيان أشارت أن ما عرضه نتنياهو من وثائق ومستندات في لقاءه الأخير والتي تؤكد انتهاك إيران للاتفاق النووي الموقع مع الدول الكبرى(5+1) بعد التوقيع عليه أكدت أنه لا يوجد فيها أي دليل على أن ايران طورت برنامجها النووي منذ وقعت على الاتفاق النووي قبل ثلاث سنوات, وبأنها نشرت بتوسع في تقارير وكالة الطاقة الذرية, ولكن بالرغم من ذلك أُعتبر هذا أول انجاز استخباراتي مهم للموساد, يعزز منظومة الردع الصهيونية تجاه إيران, وحتى وإن لم يوجد دليل قاطع قدمه للمجتمع الدولي, إلا أنه كان يسعى للتأثير على قرار ترامب بالنسبة للاتفاق النووي المقرر تعديله أو الغاءه في 12/5/2018, وما نشر أمس حول تأييد ترامب لأقوال نتنياهو وتأكيده أن "إيران كذبت" ورغم امتعاضه من الاتفاق إلا أن ذلك لا يمنعنا من القول أنه يتجه لتوقيع اتفاق جديد ولكن بشروط أكثر صرامة.

 الكثير من الاحداث التي جرت في الفترة الاخيرة تجعلنا ندرك أن ما قام به نتنياهو هو استعراض إعلامي محض, ويندرج ضمن الحرب الكلامية المتبادلة بين الطرفين(إيران وإسرائيل), الذي اشتدت وطأته بعد العدوان الثلاثي على سوريا الذي لم يشبع الرغبة الإسرائيلية في التخلص من إيران إنما أصابها بحالة من الاحباط, جعلها تحاول بكل الطرق التأثير على المجتمع الدولي للتخلص منها بمساندة دولية.

 لذلك فإن ما تم عرضه هو محاولة التفافية لإسرائيل في إعاقة القوة الايرانية من التوجه نحوها في حالة وقعوا في صدام, بمعنى الحصول على الشرعية الدولية التي تمكنها من مهاجمة النفوذ الايراني في سوريا في حين لا يكون لإيران حق الرد. على الجانب الأخر تسابق اسرائيل الزمن خشية من إقحام نفسها في صدام مع روسيا التي كانت قد حذرتها  في حال ضربت الاراضي السورية  فإنها ستقوم بتزويد سوريا بأنظمة صاروخية متطورة (أرض-جو) من طراز "أس300" للتصدي لأي هجوم إسرائيلي قادم, لأنه في حال شغلت هذه المنظومة ستضر بحرية تحرك سلاح الجو الاسرائيلي في الأجواء السورية اللبنانية. وبالتالي سيتغير شكل التفاهم والتنسيق بين روسيا وإسرائيل.

على خلفية التدخل الإسرائيلي بضرب مواقع إيرانية, يعتبر بالنسبة الى روسيا تدخل في المشروع الروسي في سوريا, وذلك قد يشعل المواجهة بين إسرائيل وروسيا وتتجه لصدامات في المجال الجوي, أما على صعيد إيران وفي حال استمر الصدام مع إسرائيل وتأزم من الممكن أن تتجه لاستخدام القوة العسكرية متجاهلة في ذلك مشروعها في سوريا, وبالتالي قد تبقى الأوضاع في سوريا فوضوية خاصة في ظل اشتعال الجبهات الإقليمية.