من يتحكم بالإعلام يتحكم بالعقول.. يُجرم البريء ويبريء المجرم.. يرفع مكانة دول وشعوب ويقلل من قيمة أخرى.. وذلك من خلال قلب حقائق التاريخ والتزوير والتزييف الممنهج وذلك بتوظيف البيولوجيا العصبية وعلم النفس التطبيقي .. في حروب العقل التي تعتمد على التضليل الإعلامي..

إن رؤية الحركة الصهيونيّة للصراع هي "حرب شاملة عسكرية واستخبارايّة واقتصاديّة وديموغرافية ولغويّة وعرقيّة" وسلاحها الأمضى كان الإعلام حيث امتلك الإسرائيليون الصهاينة, الصورة طويلاً واستعملوها لكسب تعاطف العالم وحماية احتلالهم للأرض، وحوّلوا تضحيات الفلسطينيين وبطولاتهم إلى إرهاب, بعدما نجحوا بالاعتماد على صحافيين ومالكي صحف وتلفزيونات متعاطفين مع مشروعهم الاستعماري في فرض سيطرة تامة على صورة هذا الصراع في المخيلة الغربية.

وقدم الصهاينة مأساة فلسطين وكأنها حرب المسلمين على اليهود، وتآمر تحالف من دول عربيّة فاسدة ضد لاجئين أوروبيين هربوا إلى أرض أجدادهم التاريخيّة، وانتصار للحداثة والتنوير على الظلمة والجهل, حتى أصبحت الأخبار المنقولة في صحف العالم ولاحقاً تلفزيوناته من الأرض المقدسّة مجرد أكاذيب واساطير دعائية لا تشبه الواقع في شيء.

وفي الواقع فإنه في كل مرة يريد مستعمرون أن يسيطر على شعب أو يضطهدوه، يجعلوا منه شيطاناً.. هذه كانت سياسية النازية في عهد هتلر وهكذا كانت منطلقات وزير دعايته جوبلز.. وأعلن هتلر "الشعب الألماني شعب آري متفوقاً على كل الشعوب".

 

وهكذا ادعي الصهاينة ومازالوا يشيعون أن "اليهود شعب الله المختار وأن فلسطين هي أرض الميعاد،" ويعممون أساطير صهيونية بغيضة توظف الدين في الدعاية لتبرير العدوان وهو ما ترفضه مختلف الأديان ويقاومه اليهود غير الصهاينة مثل الحاخام موشي مونيحيم الذي قال: " يجب أن نرجع إلى دين موسى ونغادر دين النابالم".

 

فكرة شعب الله المختار تقوم على نفي الأخر، ونفي المساواة!! أتت هذه الفكرة من ينبوعي الحضارة الغربية أي الأصولية المسيحية واليهودية الصهيونية، واستعملتها الحضارة الغربية عندما استعمرت شعوب الأرض زاعمة أنها جاءت للتبشير بالإنجيل وإدخال الشعوب إلى المسيحية، ووصفت كل الشعوب بالبرابرة والهمج، كما استعملها اليهود الصهاينة لإلغاء الآخرين .. وللأسف فإن هذا المفهوم مازال حياً.

وكما تُستخدم الحركة الصهيونية العالمية مقولة معاداة السامية أداة لتكميم الأفواه ومنعها من تناول حقيقة الحركة الصهيونية والسياسات والتدخلات الإسرائيلية في شؤون دول العالم وسياساتها.. تتخذ الولايات المتحدة من الإرهاب فزاعة وهي صانعة بعضه الخفية وتوظفه لصالح أهدافها وفرض أفكارها الأيديولوجية تحت ذرائع مختلفة..

تستغل السياسة الأمريكية قوائم تضعها مخابراتها باسماء دول تزعم أنها داعمة وراعية للإرهاب لشن حروب على بعضها ومحاصرة أخرى مالياً واقتصادياً وتجارياً لتطويع مواقفها وتغيير سياساتها الرافضة للهيمنة الأمريكية/ الصهيونية على العالم, كما تستغلها لحماية نفسها من المساءلة أمام المحاكم الدولية عما ترتكبه من انتهاكات بحق الإنسانية والقوانين والقرارات الأممية وشعوب العالم.

 

في المقابل علينا العمل لإعادة الاعتبار لفلسطين كقضية قومية عربية إسلامية مسيحية وأممية جامعة.. وإعادة الحياة لقرار اعتبار "الصهيونية حركة عنصرية وإسرائيل كيان غاصب" كما يجب ألا نخشى فزاعة معاداة السامية وعلينا فضح "قانون القومية" وحشد الكون لمقاضاة قادة إسرائيل أمام الجنائية الدولية على جرائمهم ضد الإنسانية بحق شعبنا الأعزل من السلاح!

لكــن كيــف لـنا هــذا ؟

لنستفيد من تجاربهم ونلاحق أكاذيبهم ونفند كل ادعاءاتهم ومفردات دعايتهم:

هناك العديد من وسائل الإعلام والرصد المرتبطة بأجهزة المخابرات ومكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي, تعمل ليل نهار في الداخل والخارج بست لغات، لضمان الهيمنة الصهيونية على الإعلام العالمي وبينها مايلي:

  • لجنة متابعة الدقة: وهي مؤسسة أمريكية تراقب وسائل الإعلام لصالح إسرائيل والرواية الصهيونية وتجري دراسات بحثية لتعزيز التغطية التي تراها إسرائيل "دقيقة ومتوازنة"
  • رابطة مكافحة التشهير: وهي منظمة يهودية تعنى بالدفاع عن الحقوق المدنية وتتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، تدعم وتعمل المنظمة على مكافحة معاداة السامية أو ما يعرف بالعداء لليهود في كافة انحاء العالم.
  • لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية"اللوبي اليهودي أيباك": وهي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونغرس الأمريكي، هدفها تحقيق الدعم الأمريكي لإسرائيل، لا تقتصر على اليهود بل تضم أعضاء ديموقراطيين وجمهوريين,
  • لجنة مراقبة الإعلام الفلسطيني: هدفها مراقبة الإعلام الفلسطيني وتوثيق ما تزعم بأنه عمليات "التحريض" في الإعلام الفلسطيني، ودراسة ثقافة المجتمع وأداء السلطة الفلسطينية والمناهج الدراسية، والإيديولوجيات الدينية.

 

نحـو مواجهـة فلسطينية للإعـلام الصهيـوني - 2

 

توظف إسرائيل كل استراتيجيات التحكم بالعقول والشعوب ومعها استراتيجيات خاصة لطمس الحقيقة الفلسطينية وتزوير تاريخ فلسطين وتراث شعبها ومنها:

  • استراتيجية ادعاء التعاطف مع الضحايا وتحميلهم المسؤولية,, والهدف تخفيف الصدمة والفوز بثقة بعض الرأي العام إن لم يكن كله.. تستخدم هذه الأداة عندما يتم قتل المدنيين الفلسطينيين الأبرياء، حيث يرد أخصائيو الدعاية بإظهار الأسف والتعاطف وانه لا يمكن لوم اسرائيل لأنها تقوم بالدفاع عن نفسها وأنها تكافح  جاهدة من أجل السلام، أو تحاول فقط الحفاظ على الأمن السلام أو أن جنودها القتلى تعرضوا للخطر!
  • استخدام خليط من استراتيجيات متعددة وتقنيات دعائية متنوعة من أجل شرعنة وتبرير العدوان وهو ما لجأت إليه إسرائيل, لتبرير سلسلة حروبها على قطاع غزة.
  • سياسة الدعاية الاسرائيلية تعتمد, في هذا الإطار, للتأثير على الرأي العام العالمي والغربي, تشويه سياسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ووصف تحركاتها الدولية بـ" الإرهاب السياسي" ونعت "حماس" ووصمها بالإرهاب والإدعاء بأن قطاع غزة يعتبر تهديداً ومصدراً "للإرهاب" وأنه يجب القضاء على حماس ومعها حركة الجهاد, وتحميل أهل غزة المسؤولية عن وجود حماس مع "التجاهل المتعمد" لأعمالها حيث  قتلت خلال حرب 2014 حوالي 2200 فلسطيني ربعهم من الاطفال الذين تم استهدافهم عمدا ضمن بنك أهدافها، واصابة 11000 بعضهم بإعاقات دائمة وبتر أطراف  وتدمير 18000 وحدة سكنية وتشريد 20000 عائلة يصل عدد أفرادها لــ 108,000 شخصو كما تتعمد طرح قضية الحصار الظالم المفروض على القطاع وسط صمت العالم.

 

وفي مواجهة مسيرات العودة عند حدود قطاع غزة المحاصر وظفت إسرائيل استراتيجيّة الجبروت في مواجهة اليأس، وفُجع العالم بمشاهد مصورة سواء عبر كاميرات التلفزيونات والصحافة العالميّة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي لشبان وشابات فلسطينيين يركضون نحو بلادهم عزلاً من أيّ سلاح لتصطادهم بنادق الجنود الإسرائيليين المتحصنين في أبراج حراسة شاهقة وكأنه موسم إسرائيلي لصيد العصافير مقابل عرس فلسطيني للموت.

لقد انتصرت الصورة الفلسطينية لا سيّما المرئية في الإعلام العالمي, رغم انحياز جزء كبير منه وبينه إعلام دول عربيّة  للرواية الإسرائيليّة، وتوظيفه لأدوات خداع سعياً لتشويه الحقائق ومساواة القاتل بالضحية, وتعاطف الجمهور مع القتيل وودعه أهل وطنه وكأنه في رحلة إلى الحياة وليس الموت! إنه الالتصاق الأبدي الفلسطيني بحلم العودة.

 

وهنا علينا اتباع مواثيق الثورة الفلسطينية المعاصرة وأدبياتها التي رسمت لنا مسار الممارسة النضالية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية في خطابها الدولي وأولها أن منظمة التحرير الفلسطينية اكتسبت شرعيتها من تضحيات أبناء شعبها، ومن قيادتها للنضال بكافة أشكاله..ومن تأييد الجماهير الفلسطينية، ومن تمثيل كل فصيل ونقابة وتجمع وكفاءة فلسطينية في مجلسها الوطني ومؤسساتها الجماهيرية..

التعبير الحر في كافة المنابر الدولية، عن إيماننا بالنضال السياسي والدبلوماسي، مكملاً ومعززاً للنضال التحرري المسلح، والتمسك بالدور الذي يمكن أن تقوم به الأمم المتحدة.

 

دحض الدعاية الصهيونية التي تقول أن أراض فلسطين كانت صحراء عمرها المستوطنون الأجانب، وأن الوطن الفلسطيني كان خالياً من السكان، وأنه لم يتضرر أحد من بني البشر نتيجة قيام هذا الكيان الاستيطاني، ويجب أن يعرف الجميع أن فلسطين كانت مهداً لأقدم الحضارات والثقافات، واستمر شعبها ينشر الخضرة والبناء والحضارة والثقافة في ربوعها طوال آلاف السنين، وهو يرفع لواء التسامح ضارباً المثل في حرية العقيدة، وحماية مقدسات جميع الأديان على أرض وطنه.

لقد قال القائد المؤسس ياسرعرفات مخاطبا العالم من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1974 وكأنه يرسم لنا المسار إن ثورتنا لا تقوم على أسس عرقية أو دينية عنصرية، وليست موجهة ضد الإنسان اليهودي، وإنما ضد العنصرية الصهيونية وضد العدوان، وبهذا المعنى، فإنها هي أيضاً من أجل الإنسان اليهودي، وإننا نناضل من أجل أن يعيش اليهود والمسيحيون والمسلمون بمساواة في الحقوق والواجبات، وبلا تمييز عنصري أو ديني..

 

إننا نفرق بين اليهودية وبين الصهيونية، وفي الوقت الذي نعادي الحركة الصهيونية الاستعمارية، فإننا نحترم الدين اليهودي، لأنه جزء من تراثنا، أما الحركة العنصرية، فهي ضد اليهود في كل العالم، وضد أمن العالم وسلامته، تعمل على تهجير اليهود من أوطانهم، واصطناع  قوميه عنصرية عدوانية لهم ..

 

وإذا كنا ندين بكل ما أوتينا من قوة مذابح اليهود تحت الحكم النازي، فإن هدف القادة الصهاينة الأكبر هو استغلال هذا الموضوع  لتحقيق الهجرة إلى فلسطين..

فلو كانت هجرتهم إلى فلسطين طوعية طبيعية بهدف العيش كمواطنين متساوين بالحقوق والواجبات لكنا أفسحنا لهم المجال ضمن إمكانات وضعنا..

 

إن الذين ينعتون ثورتنا بالإرهاب، إنما يفعلون ذلك كي يضللوا الرأي العام العالمي عن رؤية الحقائق، وعن رؤية الحق والعدل وواجب الدفاع عن النفس، ووجههم الذي يمثل الظلم والإرهاب والقهر..