عند بدايات الأزمة التي استجدت في الصين وظهور فيروس كورونا في مدينة يوهان ثم تحوله الى وباء في كانون الثاني الماضي، بدت الأرقام التي تأتي من هناك وكأنها تنذر بكارثة لتلك الدولة التي بدأت تقلع وتنافس الولايات المتحدة، كانت أرقام انتشار الوباء تأتي صادمة والسرعة التي يسير بها، ثم بدأت الأرقام الاقتصادية وأسعار اليوان الصيني وكأن الدولة في طريقها للانهيار.
كان الأمر مدعاةً للحزن بعد كل هذا الاجتهاد والتطور الذي حققته بكين، الى الدرجة التي دفعت الكثير في البدايات الى إحياء نظرية المؤامرة، وأن الفيروس جرى تصنيعه في الولايات المتحدة ونشره بهدف عرقلة النمو الصيني الذي يسير بثقة مدهشة، وكان لنذر الحرب التكنولوجية الاقتصادية الأميركية ما يعزز هذا الاعتقاد، وخصوصاً أن الأمر بقي لأسابيع قليلة منذ اكتشافه نهاية 2019 ظل محصوراً في الصين وحدها.
توقف الاستيراد من الصين وبدت الشركات  في حالة شلل، وكان الجميع يعتقد أن الوباء سيبقى محصوراً في الصين، وأن تداعياته على تلك الدولة إن استمر هذا الشلل ستكون كبيرة الى الحد الذي يمكن أن يخرجها من المنافسة نهائياً، أو على الأقل سيرغمها على الرضوخ للحوار والشروط الأميركية. لكن ذلك بدأ يتبدد مع انتقال المرض ووصوله للولايات المتحدة وتباطؤ الاقتصاد العالمي واعلان منظمة الصحة العالمية عن الفيروس كوباء عالمي.
بدا للوهلة الأولى أن امكانية السيطرة على الوباء خارج قدرة الصين لأن لا لقاح للوباء، ولأن طبيعة انتشاره يصعب السيطرة عليها نظراً لحركة الأفراد، وظل العالم الخائف يراقب ما سيحدث في يوهان وكيف سيتصرف الصينيون أمام تهديد بهذا المستوى وبهذه الخطورة، خاصة أن الكتلة البشرية هناك هائلة، صحيح أن الصين تطورت في السنوات الأخيرة بشكل كبير، ولكن لقلة ما يصل عبر الاعلام عن تفاصيل ذلك التطور جرى اعتقاد بأن هناك من يتفوق عليها بهذا الجانب.
لكن بكين فاجأتنا بشكل لم يتوقعه ربما سوى قلة قليلة التي تعرف تفاصيل المستوى الذي وصلت له الدولة، ليس فقط على مستوى التكنولوجيا، بل على مستوى الادارة أيضاً، فقد تمكنت من تقديم عرض مدهش عما وصلت اليه من تطور تكنولوجي كان مركز الصراع مع الولايات المتحدة، وهو نظام الـ 5G  وأيضاً كيفية ادارة هذه التكنولوجيا واستخدامها في القطاع الصحي.
فقد عرضت الصين نظام القياس الحراري المرتبط بالهاتف النقال والطائرات المسيرة في نقل الأدوية، وكذلك كانت السيارات المسيرة تجوب الشوارع وحدها وأيضاً الإسعافات بلا سائق. كل ذلك كان يتم تغذيته على شكل معلومات، وتتحرك تلك الأساطيل بطريقة التحكم عن بُعد حيث ظهرت الروبوتات تتنقل في مدينة يوهان بغياب تام للعنصر البشري، وتلك سابقة تسجلها الصين، اذ تحدث لأول مرة أن يختفي الكادر البشري عن الخدمة وتحل محله التكنولوجيا بشكل تام.
ثم يزور الرئيس الصيني «شي جينبنغ» مدينة يوهان موطن الفيروس وهي المدينة التي تعرَّضَ سوقها للسخرية والتندر في البدايات، لتتحول الى مدينة رقمية يجيئها الرئيس ليعلن السيطرة على المرض والذي بدأ يتفشى في العالم ولدى دول تفقد السيطرة عليه وتفقد أعصابها. بل وتذهب الصين التي أدارت أزمة صحية واجهت البشر بثقة كبيرة، إلى حد عرض خدماتها على العالم، صحيح أنها لم تكتشف لقاحاً للوباء، ولكنها تمكنت من محاصرته، وبدت مثلاً دولة مثل إيطاليا عاجزة عن السيطرة، فأرسلت لها الصين فريقاً من الخبراء لمساعدتها على احتواء الوباء.
المفاجئ في الأمر أن الصين لم تكن في العقود الأخيرة تُحسب على العالم الأول الذي احتكرت تسميته الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، تلك الدول التي سبقت بكين على مستوى التكنولوجيا وعلى مستوى الصناعات الحديثة، وبدا كأن الاقتصاد الصناعي الصيني بدائي ينتج صناعات ألقى بها العالم الأول ولم يعد لديه وقت للاشتغال بها، مثل الألبسة والألعاب والأثاث حينما اتجه العالم لصناعات الكمبيوتر والسيارات وما يتعلق بنظم المعلومات. وهنا كانت المفاجأة أن الصين تقدم نموذج نُظم المعلومات الأكثر تطوراً على مستوى العالم.
صحيح أن هناك عاملاً لا يمكن إغفاله ساعد الصين على السيطرة على الوباء وهو طبيعة النظام الحديدي المتبع هناك، وقبضة الدولة التي تمكنت من إلزام المواطنين، فيما يقل هذا في الدول الأخرى التي تؤمن بحقوق الانسان، لكن ذلك لا يقلل من القدرات التي ظهرت فجأة في بكين. صحيح أن هناك صراعاً حقيقياً استعر العام الماضي على تقنية الـ 5G بين بكين وواشنطن، ولكن لم يكن أحد يتصور أن الأمر قطع كل تلك المسافة في العلم.
أثناء الأزمة كان العلم وحده ما يسيطر على يوهان. فبعد التقنيات الحديثة كان العلماء يعملون على مدار الساعة لسبعة أيام في الأسبوع يلاحقون الزمن. هناك من يدير الأزمة وهناك العلماء الذين يبحثون في المعامل عن لقاح، صحيح أنه لم يتوفر حتى اللحظة، لكن العمل كان يشير الى دولة وشعب يؤمن بأنه بالعلم فقط تحيا الشعوب وبالعلم تحافظ على أبنائها وترد الأخطار، بعد هذه الأزمة التي كان يمكن أن تطيح بالصين الا أن تلك الدولة استغلتها لتقدم نموذجها المتقدم وعرضها التسويقي ببراعة شديدة، وبدل أن تنهار تقدمها هذه الأزمة سيدة حقيقية.