على بعد أمتار قليلة من مسجد كاتب ولاية بحي الزيتون بمدينة غزة تخرج أصوات  وتراتيل مسيحية يوميا , يحتل سقفها إشارة صليب لكنيسة تدعى كنيسة "برفيريُوس" للطائفة الأرثوذكسية العربية  على مساحة ما يقارب (216 مترًا مربعًا) وعمرها (1594 عامًا) . فعلى مر الزمان استقبلت زوارها بالأعياد والمناسبات الخاصة بالمسيحيين واحتضنتهم في الحروب الثلاثة، ولا تزال تنتظر أن تضع الحرية أوزارها ويعم السلام والاستقرار والأمان  على القطاع  الذي يعاني من حصار إسرائيلي قاسي مستمر منذ 10 سنوات.

خطر يهدد المسيحيين

وتلعب  الظروف الاقتصادية والسياسية والتعليمية الصعبة التي يعيشها قطاع غزة دوراً في تهديد وجود أكثر من 390 عائلة مسيحية فلسطينية في غزة، بمجموع 1313 فرد منهم 636 ذكر و 677 أنثي. ويؤكد جبر الجلدة مدير العلاقات الدينية في كنيسة الروم الأرثوذكس في قطاع غزة أن هناك خطورة على التواجد المسيحي في غزة في ظل تناقص أعدادهم وهجرتهم للدول المجاورة والأوروبية وترك ممتلكاتهم وأراضيهم خلفهم للبحث عن العلم والعيش الكريم . ويضيف الجلدة أن المسيحي يشعر بعدم وجود مستقبل له بغزة، فيبحث عن طرق أخرى لتكوين مستقبل معروف لأبنائه، مثل الهجرة للتعليم أو للعمل , متمنيا عدم هجرة المسيحيين والبقاء بموطنهم . ويقول الجلدة إن عادات وتقاليد المسيحيين لا تختلف بدرجة كبيرة عن أخوتهم المسلمين حيث أنهم يتبادلون الزيارات بالأعياد والنزهات والأفراح والأحزان , وبعض من الطقوس الخاصة مثل تلوين البيض بعيد الفصح وعمل شعانيين .

من هم المسيحيين

وينحدر هؤلاء من شعوب المنطقة الجغرافية لفلسطين التاريخية، والتي هي مهد الديانة المسيحية، ويعيشون اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة والمهجر . وينقسم المسيحيون في قطاع غزة إلى ثلاثة أقسام منهم من كان يقيم في غزة منذ القدم وقسم ثاني هاجر خلال النكبة الفلسطينية عام  1984 ، وقسم ثالث جاء مع الرئيس الراحل أبو عمار خلال عودته إلى قطاع غزة وقدوم السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 وأقاموا فيها . وينتمي 89% منهم إلى الطائفة الأرثوذكسية الشرقية، و9.3 %للطائفة الكاثوليكية الغربية , و 1.52% للطائفة البروتستانتية و مذاهب أخرى .

المسلم والمسيحي

ويعيش المسيحي الفلسطيني مع المسلم بنسيج وطني عربي واسلامي, يشترك معه باللغة والأفكار والتاريخ والآمال, قدموا قوافل من الشهداء على مر التاريخ والعصور ,ولعب دورا  في اشغال مناصب المجالس الحكومية  من أجل التكاتف والتعاضد نحو تحرير القدس والمسجد الأقصى . ويقول سهيل نقولا ترزي مدير مؤسسة بيلست الوطنية للدراسات والنشر والإعلام للوطنية  جذور المسيحيين الفلسطينيين تعود لأصول كنعانية عربية فهم لا يعتبرون جاليه أو عابر سبيل , تجذروا داخل بقاع فلسطين وتهجروا منها كما تهجر المسلم عام 48 . ويضيف ترزي " تهجر المسيحي من اللد والرملة ويافا وباقي مدن الفلسطينية  الى قطاع غزة كباقي أبناء الشعب الفلسطيني المسلمفي وقت لا يتجاوز عدد المسيحيين بفلسطين حوالي 20 % من تعداد السكان". ويؤكد ترزي على التكافل السلمي المشترك بين المسيحي والمسلم الذي يتواجد بالصفوف الأولى في مشاطرته بالأفراح والأحزان  رغم اختلاف الثقافات والأديان , مضيفا " أننا ثقافة تدرس في الجامعات العالمية  وكيف للشعب الفلسطيني برغم الضغوط متماسك ومتوحد بجميع فئاته وثقافاته" .

المسيحيون والكنائس

وارتبط وجود المسيحين بغزة مع وجود السيد المسيح والكنائس، حيث تحظى كنيسة القديس برفيريوس بمكانة قدسية والتي تقع في أحد أقدم الأحياء الشعبية وهى حي الزيتون التي بنيت عليها عام 402م وانتهى بناءها عام 407م. ويروي مسؤول العلاقات العامة لكنيسة برفيريوس كامل عياد تاريخها خلال العصور المنصرمة , فيقول للوطنية " استغرق بناء هذه الكنيسة ما يقارب الخمس سنوات من عام 402م حتى عام 407 م حيث دشنت هذه الكنيسة باسم كنيسة أفظوكسيياني نسبة الى الامبراطورة أفظوكسييا , وبعد موت القديس البار سميت باسم كنيسة القديس (برفيريوس)" . وتنقسم كنيسة برفيريوس لقسمين علوي وسفلي هيكل الخاص ولصالة المرتلين , وصممت بجدران ضخمة مدعمة بأعمدة بيزنطية وسقف يعلو بأيقونات مقتبسة من الكتاب المقدس , بالإضافة لمقتنيات أثرية ويضيف عياد أن هذه الكنيسة القدسية تعتبر ثالث أقدم كنيسة قائمة ليومنا هذا في فلسطين , حيث يوجد تاريخيا 40 كنيسة بنيت بأنحاء متفرقة بغزة  منها في منطقة الشجاعية الزيتون وجباليا ( كنيسة الفسيفساء ) و الوسطي  (تل العامر) , مشيراً إلى اندثار بعضها .

المصدر :