أجمع المشاركون في مؤتمر الأمن القومي الفلسطيني الثالث الذي اختتمت أعماله في غزة الأحد على ضرورة تحقيق الانسجام بين الفكر السياسي الفلسطيني وبين الأداء السياسي، ومزاوجة الفكر والسياسة مع العمل المقاوم. وأكد قال هؤلاء خلال المؤتمر الذي حمل عنوان "الدولة الفلسطينية.. تحديات ومآلات" أنه يتطلب من الجميع برنامجًا سياسيًا يلتصق بالثوابت الفلسطينية، وحل الخلاف بين الخطاب الرسمي والخطاب الشعبي. وشدد المؤتمر في توصياته بوجوب تكوين مرجعية للسياسة الأمنية الفلسطينية وتعزيزها من خلال إعطاءها الصلاحيات والمسؤوليات لرسم السياسة الأمنية الفلسطينية كمجلس الأمن القومي. وأوصى المؤتمر على الصعد السياسية والإعلامية والاقتصادية والقانونية، أبرزها تكوين مرجعية للسياسية الأمن الفلسطينية. ولفت إلى ضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينية على أساس استمرار الربط الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتطويق أي توجهات تهدف إلى تجزئة الحلول السياسية المتعلقة بقطاع غزة والضفة الغربية. أكد أنه يجب على القيادة الفلسطينية ما دامت متمسكة بحل الدولتين، أن تتمسك بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، كحدود نهائية للدولة الفلسطينية المستقبلية. ونبهت توصيات المؤتمر إلى ضرورة مراجعة الاستراتيجية الفلسطينية الحالية التي تدير التفاوض مع الكيان الإسرائيلي، التي أكد أنها "تكرس كوارث وخسائر هائلة في العملية السياسية التي تمضي في اتجاه استحقاقي واحد نحو إسرائيل والنظر إلى خيارات أخرى تشترك فيها كل القوى الفلسطينية". وأشارت إلى ضرورة أن تستمر وتتطور الحلقات الدراسية والأكاديمية التي تناقش سيناريوهات التسوية، وتقديم توصيات ورؤى وآفاقاً خلاقة لصانعي القرار الفلسطيني وذلك على غرار مؤتمر "هرتسيليا" السنوي الإسرائيلي الذي تجتمع فيه كل العقول الإسرائيلية لتحديد معالم مستقبل الكيان الإسرائيلي في كافة المجالات والمواضيع. ولفتت توصيات المؤتمر إلى ضرورة إعلان الجانب الفلسطيني فشل المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، وفشل حل الدولتين وفضح الموقف الإسرائيلي المتعنت والمتنكر لكل الاتفاقيات التي وقعها مع الجانب الفلسطيني، خاصة في ظل انحياز الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها لـ"إسرائيل"، والبحث عن خيارات أخرى بعد فشل خيار المفاوضات. وفيما يلي نتائج وتوصيات الأبحاث المقدمة لمؤتمر الأمن القومي الفلسطيني الثالث (الدولة الفلسطينية.. تحديات ومآلات) أولاً- المحور السياسي: 1- إن السياسة الأمنية الفلسطينية واجهت كثيراً من المشكلات والأزمات، بدايةً من الاحتلال ونهايةً بالانقسام، مما أثر بشكل واضح على جميع مناحي الحياة الفلسطينية. 2- إن المستوطنات وجدت لتبقى ضمن سياسة الأمر الواقع، والذي يعمل على خلق واقع ديمغرافي يصعب من خلاله إيجاد توازن اجتماعي واقتصادي، يستطيع من خلاله الشعب الفلسطيني إقامة دولته على كامل أرضه، كما حددتها القرارات الدولية ذات العلاقة، لهذا وضعت الحكومات الإسرائيلية الاستيطان عقبة كؤود أمام إقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967. 3- إن إسرائيل لن تنسحب من الأراضي الفلسطينية، ولن تسمح بإقامة دولة فلسطينية في ظل الخلل القائم في موازين القوى، ودعم الولايات المتحدة وأوروبا لإسرائيل؛ وبالتالي أمام الفلسطينيين نضال طويل وشاق لترتيب أوضاعهم الداخلية، وتحالفاتهم على المستوى الفلسطيني والعربي والدولي. 4- إن مفهوم الكيانية هو مفهوم يفتقر للتحديد السياسي والقانوني، وهو خصوصية فلسطينية رافقت التطورات والمتغيرات في الفكر السياسي الفلسطيني، وتطورات القضية الفلسطينية. 5- إن منظمة التحرير الفلسطينية لم تلتزم أو تبني مفاوضاتها مع "إسرائيل" على استراتيجية ثابتة وواضحة تحدد الثوابت التفاوضية، ممّا أدى إلى التخبّط والعشوائية التي ترتب عليها الخضوع للمماطلات الإسرائيلية، والضغوطات من الولايات المتحدة الأمريكية، واستنزاف كل ما في جعبتها. 6- استنزاف المفاوض الفلسطيني غير المؤهل وغير المسلح بالخبرات التفاوضية، وعدم مقدرته لمواجهة المفاوض الإسرائيلي والخبرات الإسرائيلية في المفاوضات. 7- إنه من خلال تعدد وجهات النظر والرؤى تجاه الدولة الفلسطينية، يتضح أنه لا يوجد مشروع وطني جامع، ورؤية جامعة حول مشروع الدولة الفلسطينية، بل الموجود عبارة عن برامج ورؤى فصائلية. ثانياً- المحور القانوني: 1- إن التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة هدف لتحقيق أمرين، الأول: الاعتراف بدولةٍ فلسطينيةٍ على حدود عام 1967، والآخر: منح هذه الدولة عضوية كاملة في الأمم المتحدة. 2- إن الجمعية العامة للأمم المتحدة وافقت على قبول فلسطين كعضو مراقب فيها في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012، لتعيش وفق مبدأ حل الدولتين: دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية. 3- إن قبول فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، يعني أن القانون الدولي وكذلك الأمم المتحدة يعترفان بأن القضية الفلسطينية هي أساس الصراع العربي الإسرائيلي، وأن الشعب الفلسطيني يتمتّع بحقه الكامل في تقرير مصيره وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، واحترام حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، ورسم حدودها السيادية والسياسية. 4- إن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني حق كفلته القرارات الدولية. 5- إن قبول فلسطين كدولة "مراقب" غير عضو في الأمم المتحدة، سيساعد المفاوض الفلسطيني في المفاوضات التي تجري بشأن قضايا الوضع النهائي. ثالثاً- المحور الإعلامي: 1- إن تداول الحقوق السياسية الفلسطينية في إطار بناء الدولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كان منخفضاً وليس كافياً. 2- إن الاهتمام بدعم الحقوق السياسية الفلسطينية في إطار بناء الدولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كان كبيراً. 3- إن الجهات المعادية تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لتضليل الرأي العام الفلسطيني، وأن هذه المواقع تعطي مساحة مفتوحة للجماهير للتعبير وإبداء الرأي. وفي المقابل؛ فإن الفصائل الفلسطينية لا تسعى بجدية لاستقطاب الرأي العام من خلال صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي. 4- إن سيطرة الصهيونية على معظم وسائل الإعلام الدولي، يوجد بدعم وتأييد أمريكي. 5- إن مضامين الخطاب السياسي والإعلامي في بناء الدولة الفلسطينية متداخلة ومتشابكة ومترابطة مع قضايا أخرى، مما يدلل على أهمية حل الإشكاليات التي قد تقف في وجه قيام الدولة الفلسطينية وإتمام سيادتها. رابعاً- المحور الاقتصادي: 1- إن العنصر البشري من أبرز مقومات الدولة الفلسطينية، والقادر على مواجهة تحدياتها من خلال تمتّع جزء كبير من سكانه بمستويات تعليمية جامعية في مختلف فروع المعرفة، مع مهارات عالية مكتسبة لدرى شريحة عالية، مع وجود خلل في بنيته، وفجوة واسعة في سوق عمله، وحالات من الإحباط الشديد تسود بين شبابه تدفعهم في كثير من الأحيان إلى طريق المهالك والمخاطر. 2- إن الأرض هي المكوّن الملازم للعنصر البشري، والتي لا تزال محل صراع مع الجانب الإسرائيلي الذي يمعن في قضم مساحات متزايدة من الأرض الفلسطينية، مع ضعف مستوى الاهتمام بالموارد الاقتصادية خاصة الزراعية منها، بما في ذلك الاستخدام الجائر لهذه الموارد بصورها المختلفة. 3- إن الإرادة السياسية والاقتصادية معاً تعتبر مقوماً رئيساً لقيام الدولة الفلسطينية القادرة على القيام بمهامها على النحو المطلوب، ولا تزال الممارسات الإسرائيلية هي العقبة الكئود أمام الوصول إلى هذا الإنجاز، في ظل تراخٍ من المجتمع الدولي إزاء القضية الفلسطينية. 4- يوجد العديد من المعيقات الاقتصادية والسياسية التي تواجه إقامة الدولة الفلسطينية. 5- إن أجندات التمويل السياسية الموجه لميزانية السلطة الفلسطينية، تحول دون قيام الدولة الفلسطينية في الوقت الحالي على الأقل. ثانياً: التوصيات أولاً- المحور السياسي: وجوب تكوين مرجعية للسياسة الأمنية الفلسطينية وتعزيزها، من خلال إعطاءها الصلاحيات والمسؤوليات لرسم السياسة الأمنية الفلسطينية كمجلس الأمن القومي. 2- ضرورة تحقيق الانسجام بين الفكر السياسي الفلسطيني وبين الأداء السياسي، ومزاوجة الفكر والسياسة مع العمل المقاوم، وهذا يتطلب برنامجاً سياسياً يلتصق بالثوابت الفلسطينية، وحل الخلاف بين الخطاب الرسمي والخطاب الشعبي. 3- ضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينية على أساس استمرار الربط الجغرافي والسياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتطويق أي توجهات تهدف إلى تجزئة الحلول السياسية المتعلقة بقطاع غزة والضفة الغربية. 4- يجب على القيادة الفلسطينية ما دامت متمسكة بحل الدولتين، أن تتمسك بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، كحدود نهائية للدولة الفلسطينية المستقبلية. 5- ضرورة مراجعة الاستراتيجية الفلسطينية الحالية التي تدير التفاوض مع إسرائيل، وتكرس كوارث وخسائر هائلة في العملية السياسية التي تمضي في اتجاه استحقاقي واحد نحو إسرائيل، والنظر إلى خيارات أخرى تشترك فيها كل القوى الفلسطينية. 6- أن تستمر وتتطور الحلقات الدراسية والأكاديمية التي تناقش سيناريوهات التسوية، وتقديم توصيات ورؤى وآفاقاً خلاقة لصانعي القرار الفلسطيني، وذلك على غرار مؤتمر "هرتسيليا" السنوي الإسرائيلي الذي تجتمع فيه كل العقول الاسرائيلية، لتحديد معالم مستقبل إسرائيل في كافة المجالات والمواضيع. 7- ضرورة إعلان الجانب الفلسطيني فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وفشل حل الدولتين، وفضح الموقف الإسرائيلي المتعنت والمتنكر لكل الاتفاقيات التي وقعها مع الجانب الفلسطيني، خاصة في ظل انحياز الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها لإسرائيل، والبحث عن خيارات أخرى بعد فشل خيار المفاوضات. ثانياً- المحور الإعلامي: 1- قراءة ما ينشر في وسائل الإعلام حول الدولة الفلسطينية، والكشف عن مضامينه وتحليل مدلولاته والتعرف على فحواه؛ لِما لذلك من بالغ الأثر في قضية بناء الدولة. 2- نشر وسائل الإعلام ثقافة قبول الآخر بين أفراد المجتمع، والتأكيد على ضرورة احترام الرأي والرأي الآخر. 3- العمل علي تدريب المؤسسات الشبابية والناشطين الشبابيين وقادة الرأي الفلسطينيين على التقنيات والخوارزميات التي تتبعها مواقع التواصل الاجتماعي، لتطوير وتوسيع التفاعل مع مواقع التواصل الاجتماعي. 4- حث الفصائل الفلسطينية على الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعي والتعامل معها بجدية، والأخذ بعين الاعتبار أن الغالبية الكبيرة من الشباب الفلسطيني يتداولون هذه المواقع، وتؤثر فيهم بدرجة كبيرة. 5- ضرورة توحيد المصطلحات السياسية إعلامياً ، وأن تنظم ندوات ومؤتمرات لهذا الغرض. 6- ضرورة تأسيس وكالة إعلامية فلسطينية دولية. ثالثاً- المحور القانوني: 1- ضرورة إجراء الأبحاث والدراسات السياسية والقانونية التي تتعلق بأبعاد المفاهيم المتعلقة بالدولة وشخصيتها القانونية والإدارية. 2- إن دعم الحصول على عضوية لفلسطين في الأمم المتحدة، سواء بصورة كاملة، أو بصفة مراقب بحاجة إلى تقويته، بألاَّ تسقط القيادة الفلسطينية خيار الكفاح المسلح؛ فالحقوق تُنتزع عادة بالقوة وليس بالوسائل السلمية فقط. 3- ضرورة طرح موضوع عضوية إسرائيل على صعيد الأمم المتحدة، حيث أن عضوية إسرائيل لم تكن عضوية اعتيادية، وإنما كانت مشروطة باحترام والتزام إسرائيل بقرار التقسيم وقرار العودة وهو ما لم يتحقق، ما يقتضي طرح هذا الموضوع على صعيد الأمم المتحدة لمناقشته والتقرير بشأنه. 4- العمل علي تكثيف الجهود الفلسطينية في المنظمات الدولية المتخصصة لاكتساب العضوية الكاملة بتلك المنظمات، بالإضافة إلي الانضمام إلي الاتفاقيات الدولية، والتي يحق لفلسطين الانضمام إليها بعد حصولها على دولة "مراقب" غير عضو في الأمم المتحدة. 5- التنبه إلى أن المساعدات الخيرية التي تقدمها الدول الأوروبية، تعمل في كثير من الأحيان إلى تلميع قيود الاحتلال، من خلال التواطؤ مع الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي. رابعاً- المحور الاقتصادي: 1- ضرورة تقييم تجربة السلطة الفلسطينية في المسار الاقتصادي ليتسنى تصحيح وتصويب هذا المسار، ويتلاءم مع مقومات إقامة الدولة الفلسطينية المستقبلية. 2- العمل علي تفعيل مستوى الأداء على مستوى الأجهزة الرسمية لإيلاء المشاكل الحيوية المزمنة، الاهتمام الكافي والعناية الفائقة بها تحضيراً لها لمواجهة ولادة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهي من مسئوليات الوزارات المختلفة كل حسب اختصاصاتها، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالأراضي والأنشطة الزراعية. 3- العمل علي الارتقاء بمستوى أداء العنصر البشري لزيادة المهارات والمعارف التي تمكنه من تحمل أعباء مسئوليات إقامة الدولة الفلسطينية مستقبلاً، بما فيه تحديات التنافس في البحث العلمي مع شحذ همم المبدعين ورعايتهم، وهي من مسئوليات وزارات التربية والتعليم العالي، والعمل، والخارجية، وغيرها. 4- العمل علي دعم المشاريع الصغيرة والعامة والتي تسهم في دفع عجلة الاقتصاد الفلسطينية، والتحرر من الاعتماد على الغير والتبعية الإسرائيلية. 5- العمل علي تكثيف الأبحاث العلمية المتعلقة باستشراف المستقبل والتنبؤات الاقتصادية الفلسطينية لفترات قادمة، ومن خلال خطط وبرامج بحثية محددة. 6- السعي لتأسيس صندوق مالي لدعم صمود الشعب الفلسطيني في مدينة القدس.

المصدر :