بدأت إسرائيل في 15 أغسطس / آب من عام 2005 بتنفيذ خطة انسحاب أحادية من قطاع غزة بعد احتلال دام نحو 38 عامًا، شملت إخلاء 21 مستوطنة من القطاع، إضافة إلى أربع مستوطنات من الضفة الغربية، حيث أجلي المستوطنين الرافضين للرحيل قسرًا. وتأمل الفلسطينيون أن يكون الانسحاب خطة أولى لتنفيذ خارطة الطريق التي تؤدي لإقامة الدولة الفلسطينية، وتكون القدس عاصمة لها، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أنذاك أريئيل شارون أعلن حينها وبدعم أميركي أن إسرائيل ستحتفظ بالتجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، ورفض التفاوض بشأن القدس أو اللاجئين. ويرى محللون سياسيون ومختصون في الشأن الإسرائيلي أن ذلك الانسحاب أدى إلى تغيير الوضع بطريقة كبيرة لا تصب في صالح الفلسطينيين، إضافة إلى تحقيق إسرائيل لهدفها بترويج فكرة أن قطاع غزة يتمتع بكامل حقوقه.

إعادة انتشار

وأكد الصحافي والمختص في الشأن الإسرائيلي ناصر اللحام أن إسرائيل لم تنسحب من القطاع، بل أعادت انتشار قواتها بطريقة تستطيع أن تسيطر على كل الجهات الجوية والبحرية، حيث أحبطت جميع محاولات النجاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لأنها لم تمنح القطاع حقه في مجالات الحياة كافة. وشدد في حديث مع الوطنيـة على أن " إعادة الانتشار أدى لتغير الوضع بطريقة مفاجئة لا تصب بصالح السكان الفلسطينيين من ناحية اقتصادية وسياسية وأمنية". وقال : " إنه على المستوى الاقتصادي والاجتماعي تراجع دخل الأسرة، ووصلت حرية الحركة لمستوى الصفر من خلال الانفصال بشكل شبه تام عن الضفة"، مشدداً على أن إسرائيل استغلت الانقسام والحالة السياسية الفلسطينية لتحويل القطاع إلى أكبر سجن في العالم. وأوضح أن العيب ليس في الاتفاقيات مع إسرائيل، بل "هو في القيادات الفلسطينية التي لم تستطع أن تكون أكثر جرأة في التقييم والنقد الذاتي"، معتبرًا أن الحل يكون من خلال "قيادة جديدة تؤسس إلى تفكير جديد بطريقة عمل مبتكرة".

الفشل الفلسطيني

بدوره، قال المختص في الشأن الإسرائيلي توفيق أبو شومر إن هناك فرق بين ما أرادته إسرائيل من الانسحاب وما اعتُقد على المستوى الفلسطيني بكونه "تحرير أو انتصار". وأضاف شومر لـ الوطنيـة أن إسرائيل روجت للانسحاب على أنه تم بشكل كامل من قطاع غزة، حيث أصبح حرًا ويتمتع بكامل حقوقه. وأشار إلى "أن هذا النجاح الإسرائيلي يقابله فشل لدى القيادة الفلسطينية من خلال عدم المطالبة بتعويضات عن سرقة موارد القطاع من المياه الجوفية والأراضي الزراعية على مدى 38 عامًا". وأكد شومر على أن الانسحاب الإسرائيلي ترك الفلسطينيين في القطاع يتصارعون مع بعضهم البعض، في ظل غياب العدو المشترك. وبحسب شومر، أعطى الانسحاب غير الحقيقي الاحتلال الذريعة لشن ثلاثة حروب كان من الممكن تفاديها على شعب محتل. وأشار إلى إنجاز شارون لخبطة سياسية كبرى حقق خلالها الهدف الإسرائيلي الأكبر بإيهام العالم أن الفلسطينيين في غزة يتمتعون بكامل الحقوق.

بقاء الاحتلال

أما على صعيد الاقتصاد وتأثره بخطة الانسحاب، أكد الخبير الاقتصادي عمر شعبان أن الانسحاب من القطاع لم يؤثر كثيرًا على الحياة الاقتصادية، لأنه من ناحية فعلية بقي محتلًا، وبقيت إسرائيل مسيطرة على المعابر والحدود. وقال شعبان إن إسرائيل كانت ملزمة دوليًا من خلال اتفاقية جنيف بتوفير متطلبات الحياة الأساسية لسكان قطاع غزة لكونها دولة احتلال، مضيفًا أن الانسحاب جاء للتخلص من هذه المسؤوليات. واعتبر أن القيادات الفلسطينية لم تكن على قدر المسؤولية لأن الانقسام في النظام السياسي الفلسطيني استهلك وأحرق الطاقة الفلسطينية في قضايا داخلية، وأهمل التأثيرات الاستراتيجية. وفيما يتعلق بالتبادل التجاري، أكد شعبان على استمرار الأزمة الاقتصادية بسبب سيطرة إسرائيل على المعابر والحركة التجارية على كافة المعابر. وأوضح أن أثار الانسحاب الاقتصادية كانت ستكون عظيمة لو امتلك قطاع غزة الحرية في الاستيراد والتصدير وتنقل الأفراد.

المصدر :