ينصت الطفل محمد مهاني جيداً استعداداً لصد ضربة من زميله تنفيذاً لما تلاقاه في أكاديمية الألعاب القتالية على مدار نحو ثلاثة أسابيع. ويشارك مهاني سبعة من زملائه الأطفال المكفوفين التمرين الصباحي بمساعدة مدربهم حسن الراعي الذي يرافقهم فور وصولهم إلى الأكاديمية حتى عودتهم إلى منازلهم. ويؤكد أن ممارسة الرياضة كان حلما له ولأقرانه من الأطفال، مؤكداً أنها أعطته القوة البدنية والثقة النفسية وسلاح الدفاع عن النفس وكسرت حاجز الخوف لديه من المواجهة. ويقضي هؤلاء نحو ساعتين بشكل يومي مع المدرب الذي يعتمد بشكل كبير على حنجرته والحس الإدراكي لديهم “عبر عد خطواتهم وحفظ الاتجاهات وتحديد مصدر الصوت”. المهمة معقدة تماما، ولكنها في نظر الطفل محمد مهاني ذو العشرة أعوام أسهل مما نتوقع، ففي صالة الألعاب القتالية الخاصة بنادي المشتل بغزة تدرب على التمركز وقوفاً وعلى الإنصات والبقاء في وضع الاستعداد، لينتظر هو وزملاءه أخذ تعليمات مدربهم لأجل مواجهة المنافس الكفيف أيضاً. ومع إشارة البدء من المدرب حسن الراعي لخوض نزال جديد بين المتنافسين، تتوالى الضربات ما بين تسديدة وأخرى اعتماداً على الإدراك الحسي الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة، لتكن هذه المبارزة بينهما وبين باقي الفريق سابقة هي الأولى من نوعها قطاع غزة. ويسعى المدرب الراعي من خلال هؤلاء الأطفال الذي يقضي معهم ساعتين يومياً لتشكيل المنتخب في رياضة الكاراتيه للمكفوفين للمشاركة وتمثيل الوطن في بطولات ومشاركات خارجية. فبالرغم من فقدانهم لنعمة البصر إلا أنها لم تلين من عزيمتهم ليكونوا أبطالاً متسلحين بحب الرياضة، سواء لأسباب ذاتية أو أخرى عائلية أو تحفيزية من المدرب. ويؤكد الطفل مهاني أن ممارسة الرياضة بحد ذاتها كان حلما له ولأقرانه من الأطفال، مشيراً إلى أنها أأعطته القوة البدنية والثقة النفسية وسلاح الدفاع عن النفس وكسرت حاجز الخوف لديه من المواجهة. والمفارقة الغريبة أن هؤلاء المكفوفين استطاعوا خلال 18 يوما ًإنهاء تدريباتهم بشكل كامل، فيما استغرق نُظرائهم الأصحاء ضعف هذه المدة، وفق المدرب الراعي الذي أكد أن القدرات الهائلة لفاقدي البصر تضاهي الأسوياء، حيث أن بإمكانهم تجاوز أقرانهم من خلال سرعة الاستيعاب ومرونة التحرك نظراً لاعتمادهم على السمع فقط، مما يؤدي لتركيز أعلى لديهم وبالتالي تحقيق نتائج أفضل. وكخلية نحل ينتظم إيقاع هؤلاء الأطفال مع صوت المدرب الراعي، يستأنف التدريب وهم يرتدون بزاتهم البيضاء تبعاً وتنظيماً من خلال التمركز حسب الرؤية الخاصة للمدرب، وتمهيداً لهم لبدء الحصة التدريبية الخاصة بهم من إحماء ومراجعات للحركات القتالية مستخدماً حنجرته. وحول سرعة الإنجاز مقارنة بأفضلية النتائج، نوه الراعي إلى أن فترة التدريب للأطفال المكفوفين كانت بواقع ساعتين من التدريب المستمر. ومع استمرارية هذه التدريبات اليومية والتي تنتهي مع أوقات الظهيرة الحارة، نشأت قصة الحب بين الأطفال ورياضة الكاراتيه التي روت ظمأهم نحو إثبات ذاتهم وامتحان قدراتهم لتكسر لديهم حاجز الشعور بالعجز وعزم استمرارهم بشغف في المزيد من ممارستها وإتقانها، لتبقى الكاراتيه العصا السحرية التي تمدهم بالقوة والاعتداد بالذات، والعين الثالثة لمن فقد بصره.

المصدر :