غابت طائرات الاحتلال الحربية عن سماء غزة، وصمتت أصوات عمليات القصف المروحي, التي تواصلت على مدار خمسة أيام متتالية، أزالت البيوت عن بكرة أبيها في مختلف مناطق القطاع، من جنوبه، إلى أقصى شماله، والتي حصدت أرواح الشهداء، وأصابت العشرات بجراح سيطول أمدها دون أن تندمل.

كما جرت العادة في غزة، أن تستفيق بعد الحرب ، وجراح عميقة، بجرة قلم من الاحتلال الإسرائيلي، الذي ما فتأ عن قتل المدنيين، النساء والشيخ والأطفال في مقدمتهم، إذ حصدت الطائرات أرواح 33 شهيدا، من بينهم 6 أطفال، و4 نساء، إصابة190 مواطنا بجراح مختلفة، من بينهم 48 طفلاً و26 سيدة.

فيما خلف الكم الكبير من جولات القصف المتتابعة، دمارا كبيرا طال المنازل والمنشآت بكافة أصنافها، حيث بلغ إجمالي الوحدات السكنية المتضررة جراء العدوان الإسرائيلي الأخيرة بلغت 2041 وحدةً سكنية، منها 31 منزلاً هدموا كليا، و128 وحدة سكنية غير صالحة للسكن، إلى جانب 1820 وحدة سكنية تضررت جزئيًا، لتصل قيمة الخسائر إلى 9 مليون دولار.

حصالة زين

في حي الزيتون إلى الجنوب الشرقي لمدينة غزة، استهدفت طائرات الاحتلال منزل عائلة طافش، خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وأزالته عن بكرة أبيه، ليخلف ذلك دمارا واسعا، أصاب أيضا 8 منازل ملاصقة للبيت المدمر دفعة واحدة، والتي لم تعد صالحة للسكن.

وبالانتقال إلى مدينة بيت حانون أقصى الحدود الشمالية لقطاع غزة، لم يتوقف الأمر عند قصف الاحتلال منزل عائلة المصري، وتسويته بالأرض، لتغتال هذه الغارة الجوية أحلام الطفل زين (7 أعوام)، وتدفنها أسفل ركام مأوى عائلته الوحيد.

وعقب ذلك مباشرة، هرع الطفل زين إلى أنقاض منزله المدمر، باحثا عن مقتنيات عائلته التي تحولت إلى كومة من الركام، إلى جانب ألعابه، وحصالته، ودراجته الهوائية، لينجح في استخراج حصالة نقوده، وشهادة تخرجه من رياض الأطفال، أما دراجته فقد مزقتها صواريخ الاحتلال، رفقة ألعابه، ليدفن الاحتلال بذلك أحلام البراءة المحاصرة.

وأثناء ذلك، يقول الطفل زين صارخا، وقد غطى غبار منزله المدمر جسده النحيل،" كما فعل بنا الاحتلال اليوم، حتما سنرد لهم ذلك يوم القيامة".

وكان الاحتلال قد استهدف منزل الطفل المصري بعدة صواريخ، حيث أطلقت صوبه الطائرة المسيرة بدون طيار "الزنانة" صاروخا واحدا، لتتبعه الطائرات الحربية بصاروخين تكفلا بإزالة المنزل عن وجه الأرض.

حقيبة ابتسام

وبالاتجاه إلى شرق مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، وفي صبيحة اليوم الثاني من انتهاء العدوان الإسرائيلي، عادت الطفل ابتسام رفقة عائلتها إلى منزلهم الذي حولته صواريخ طائرات الاحتلال إلى كومة ركام.

ولكن ابتسام التي تدرس الصف الثالث الابتدائي، لن تتمكن وأشقائها من العودة إلى مدارسهم في الوقت الحالي، فقد استقروا في العراء بعد تدمير المأوى الوحيد، إلى جانب تمزق الكتب المدرسية، وحقائب الدراسة.

وتقول الطفلة ابتسام بعيون دامعة، وصوت خافت مرتجف،" إن الاحتلال هدم منزلنا، ولم أعد قادرة على ارتداء الزي المدرسي الذي أصبح كما البيت أثرا بعد عين، حيث بحث عنها طويلا بين الأنقاض.

وتضيف," إنني لم أجد الزي المدرسي، إلى جانب كتبي ودفاتر الدراسة، وألعابي أيضا، ولم أجد إلا حقيبتي المدرسية، والتي غطى الغبار لونه الزاهي، ومزقته شظايا الصواريخ، ولم أعد أمتلك القدرة النفسية استعدادا للاختبارات المدرسية النهائية".

المصدر : غزة – الوطنية: