أفاد العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن باز بأن الله سبحانه وتعالى حكيم عليم فيما يقضيه ويقدره ، كما أنه حكيم عليم فيما شرعه وأمر به وهو سبحانه يخلق ما يشاء من الآيات ، ويقدرها تخويفا لعباده وتذكيرا لهم بما يجب عليهم من حقه وتحذيرا لهم من الشرك به ومخالفة أمره وارتكاب نهيه كما قال الله سبحانه : ( وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ) وقال عز وجل : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) وقال تعالى : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ )الآية .
وروى البخاري في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : لما نزل قول الله تعالى قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعوذ بوجهك ، قال : أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ قال : أعوذ بوجهك وروى أبو الشيخ الأصبهاني عن مجاهد في تفسير هذه الآية : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ )قال : الصيحة والحجارة والريح . ( أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ )قال : الرجفة والخسف .
ولا شك أن ما حصل من الزلازل في هذه الأيام في جهات كثيرة هو من جملة الآيات التي يخوف الله بها سبحانه عباده . وكل ما يحدث في الوجود من الزلازل وغيرها مما يضر العباد ويسبب لهم أنواعا من الأذى ، كله بأسباب الشرك والمعاصي ، كما قال الله عز وجل : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) وقال تعالى : (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ )وقال تعالى عن الأمم الماضية : (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ )

فالواجب على جميع المكلفين من المسلمين وغيرهم ، التوبة إلى الله سبحانه ، والاستقامة على دينه ، والحذر من كل ما نهى عنه من الشرك والمعاصي ، حتى تحصل لهم العافية والنجاة في الدنيا والآخرة من جميع الشرور ، وحتى يدفع الله عنهم كل بلاء ، ويمنحهم كل خير كما قال سبحانه : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )وقال تعالى في أهل الكتاب : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ )وقال تعالى : ( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله - ما نصه : (وقد يأذن الله سبحانه للأرض في بعض الأحيان بالتنفس فتحدث فيها الزلازل العظام ، فيحدث من ذلك لعباده الخوف والخشية ، والإنابة والإقلاع عن المعاصي والتضرع إلى الله سبحانه ، والندم كما قال بعض السلف ، وقد زلزلت الأرض : (إن ربكم يستعتبكم) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد زلزلت المدينة ، فخطبهم ووعظهم . ، وقال : (لئن عادت لا أساكنكم فيها) انتهى كلامه رحمه الله .
والآثار في هذا المقام عن السلف كثيرة .
فالواجب عند الزلازل وغيرها من الآيات والكسوف والرياح الشديدة والفياضانات البدار بالتوبة إلى الله سبحانه ، والضراعة إليه وسؤاله العافية ، والإكثار من ذكره واستغفاره كما قال صلى الله عليه وسلم عند الكسوف : (فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره )
ويستحب أيضا رحمة الفقراء والمساكين والصدقة عليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ارحموا ترحموا ) ( الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء )وقوله صلى الله عليه وسلم : (من لا يرحم لا يرحم )
وروي عن عمر بن عبد لعزيز رحمه الله أنه كان يكتب إلى أمرائه عند وجود الزلزلة أن يتصدعوا .

الزلازل.. ابتلاء للمؤمنين ونذير للكافرين وعبرة للناجين

الزلازل ظاهرة من الظواهر التي خلقها الله في الكون تحدث في مناطق مختلفة من الأرض، وليس لها قانون يحكمها في الظاهر من حيث مناطق الحدوث، وجند من جند الله، من آياته العظام في الكون، يبتلي بها عباده تذكيراً، أو تخويفاً، أو عقوبة.

 وعلى الإنسان أن يتذكر حين وقوع هذه الآيات ضعفه وعجزه وذله وافتقاره بين يدي الله، وهو من عذابه ونقمته التي يسلطها على من يشاء. وتحدث الزلازل إما بسبب الحركة التكتونية للأرض، وهي التشقق أو الحركة الفجائية خلال صدع من صفائح القارات أو تفرعاتها، فهو اضطراب في الطبقات السطحية.

ومع وجود ما يشبه الاتفاق بين أغلب العلماء، على وجود علاقة بين وقوع الزلازل والكوارث وبين معاصي البشر وأخطائهم، وهناك من يصفها بأنه ظاهرة كونية. يرى الدكتور حسني حمدان أستاذ الجيولوجيا بجامعة المنصورة، أن الزلازل بمثابة رسالة تحذير من الله، لكن مهما تعاظمت زلازل الدنيا، فإن زلزال الساعة هو الأمر والأدهى، زلزلة تنسي الوالدة رضيعها.

والزلازل ابتلاء للمؤمنين ونذير للكافرين، وهو جند من جنود الله يهلك به من يشاء، إن أخذ الكافرين بها، فإنما يكون بسبب ذنوبهم، وإن أصابت بعض الصالحين فإنها تكون تكفيراً لذنوبهم وفتنة لغيرهم من ضعاف الإيمان، وهو في المقام الأول نذير للمغرورين بقوتهم المادية، ليعلموا أن هناك الأقوى منهم، القاهر فوق عباده، الذي لا يقع شيء في ملكه إلا بإذنه.

 ثم هي دعوة للتعاطف الإنساني في زمن طفت فيه المادة على القيم الخلقية، مؤكداً أن الزلازل دعوة إلى العودة إلى الله، وللإصلاح في الأرض بعد إفسادها، ودليل عيني على زلزال الساعة الذي ترج منه الأرض رجاً. ويضيف: الناس لا يحسون بنعمة قرار الأرض إلا حينما تميد من تحتهم.

 هنا يشعر الجميع بضعفهم الشديد أمام قوة الله التي لا تحدها حدود، فيتأكدون أن القوة لله، وأمام ضربات الزلازل، تعجز قوة البشر مهما تعاظمت، حيث تأتي بياتاً أو نهاراً، تأتي بغتة، فلا يفيد التنبؤ في الفرار منها، والزلزلة والزلزال كلمتان توحيان بالرهبة الشديدة، وترد في القرآن الكريم في معرض الحديث عن الزلازل مفردات ومصطلحات غاية في الدقة، هي الزلزلة والرجفة والصيحة والخسف والصدع، له صوت سماه الله «الصيحة».

ويرى الدكتور زغلول النجار، أن كافة الكوارث الكونية، وغيرها من صور الابتلاء المختلفة تحدث عقاباً للعاصين، وابتلاءً للصالحين، وعبرة للناجين، وحدوثها في كثير من مناطق الفقراء والمساكين ليس معناه أنهم كلهم من العصاة، وإن كان لا بد أن يكون من بينهم عصاة، أما الذين يُقتلون أو يصابون بأضرار عبر هذه المحن، فقد يكون ذلك ابتلاءً من الله لهم تكفيراً لذنوبهم ورفعاً لدرجاتهم وتطهيراً لهم.

 وقد يكون فيها خير كثير لا يعلمه إلا الله، لأننا لو اطلعنا على الغيب لاخترنا الواقع.ويشير الدكتور النجار إلى أن من أبرز الآيات القرآنية التي تتحدث عن الزلازل ما ورد في سورة النحل، حيث يقول ربنا تبارك وتعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ)، «سورة النحل: الآية 26»، حيث تأتى هذه الآية، رداً على مكر هؤلاء الماكرين، ولذلك فإنه على المؤمن أن يعتبر من حدوث هذه الظواهر الكونية، وأن يضعها في الإطار الصحيح.

المصدر : وكالات