لا تقتصر عمليات الإعدام على أبناء شعبنا، بل وصلت إلى المحتوى الفلسطيني، إذ تعدم الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي الرواية الفلسطينية، من خلال تقييد الحسابات ومنع وصولها، وحتى إغلاقها، وملاحقة أصحابها، بالمقابل تسمح للإسرائيليين والمؤسسات الإسرائيلية نشر المعلومات المزيفة والمضللة، في تواطؤ واضح مع منظومة الاحتلال.

وتزداد نسبة التقييد مع ازدياد اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على أبناء شعبنا، وظهر ذلك جليا في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وفي جريمة اغتيال ثلاثة شبان من نابلس قبل عدة أيام.

وفي أواخر العام الماضي، وافقت لجنة "الكنيست للتشريع" بالإجماع على "مشروع قانون فيسبوك"، الذي سيلزم "فيس بوك" و"انستغرام" و"تويتر" و"تيك توك" بإزالة اي محتوى تراه إسرائيل مضرا بها حسب العقود المبرمة مع تلك الشركات، وكان هذا القانون غير الزامي قبل 2022 لشركات التواصل الرقمية، لكن بعد إقرار مشروع القانون صار ملزما لتلك الشركات، ولا يجدد أي عقد مع تلك الشركات إلا بعد الالتزام بهذا الشرط.

وفي هذا السياق، قال أستاذ الإعلام الرقمي في جامعة بيرزيت محمد أبو الرب إنه يوجد حالات ثابتة يتم فيها تقييد الحسابات على منصات التواصل الاجتماعي، مثل مشاهد الدماء، وصور الشخصيات التاريخية، وشهداء الثورة الفلسطينية، والقيادات، كصور أبو جهاد، وأبو إياد، وأبو عمار، وفي أوقات الأزمات مثل شهداء نابلس، إذ أدخل اسم وصورة الشهيد إبراهيم النابلسي، مثلا، لخوارزمية "فيس بوك"، لتقييد وإغلاق الحسابات التي تداولت اسمه وصوره.

وأضاف أن من الصعب إحصاء عدد إغلاق الحسابات، لأن ليس كل من يُقيد حسابه يُبلغ، لكن عدد الحسابات التي قُيدت في غضون أيام قليلة يصل إلى مئات آلاف الحسابات.

ولفت أبو الرب إلى أن أخطر الإغلاقات هي التي تطال الحسابات الفلسطينية تحت مسمى "أشخاص ومنظمات خطرة"، وهذا تصنيف جديد يستهدف الحالة الفلسطينية في الغالب، ويمكن أن تمتد فترة الإغلاق إلى عام، وبالتالي أنت تحكم على صفحة تحتوي على آلاف المتابعين بالوفاة، وتصبح بدون فعالية، مع أن هذا يتم التغاضي عنه في حالات دول أخرى.

بدورها، قالت المنسقة الإعلامية في صدى سوشال نداء بسومي إن المركز أبلغ في الفترة الأخيرة عن انتهاكات رقمية للحسابات، والمحتوى الفلسطيني بشكل مكثف، وهذه الانتهاكات تنوعت ما بين حظر، وتقييد نشر ووصول وتقييد بعض الخصائص مثل البث المباشر والإعلانات، ووثق المركز من يوم الثلاثاء إلى يوم الخميس من الأسبوع الماضي، أي خلال 72 ساعة، بعد اقتحام البلدة القديمة في نابلس واغتيال ثلاثة شبان، أكثر من 320 انتهاكا بحق المحتوى الفلسطيني على منصتي "فيس بوك" و"انستغرام"، إضافة إلى 62 انتهاكا على منصة "تويتر".

وبينت أن الأمر لا يقتصر على سياسة منصات التواصل الاجتماعي، إذ يجند الاحتلال مستوطنين وغرف خاصة، للتبليغ عن المحتوى الفلسطيني، على سبيل المثال، تقييد الحسابات التي تنشر صورة أم الشهيد النابلسي، بالرغم من أنه لا يوجد فيها انتهاك لمعايير تلك المنصات.

وكشف تقرير الربع الثاني من العام الجاري لإدارة "ميتا" المسؤولة عن أبرز منصات التواصل الاجتماعي، إنشاء شركة علاقات عامة إسرائيلية حسابات وهمية لمحاربة الرواية الفلسطينية، ولبث الأخبار الكاذبة والمزيفة عبر منصات "ميتا"، التي تمكنت من اكتشاف أكثر من 200 حساب على "فيس بوك" وأكثر من 100 حساب على "انستغرام"، مضيفا أن الشركة دفعت 12 ألف دولار للإعلانات وزيادة الوصول.

وأردفت بسومي أن المركز يتواصل حاليا مع مكتب محاماة دولي في لندن لرفع دعوى على "فيس بوك" بخصوص الانتهاكات الرقمية، التي ارتكبها بحق المحتوى الفلسطيني، منوهة أن الحملة ضد المحتوى الفلسطيني زادت بشكل كبير بعدما وصلت الرواية الفلسطينية للعالم، خاصة بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أيار/مايو 2021.

وتقول بسومي إن الحرب الرقمية تتعدى الفضاء الرقمي، لتصل إلى الملاحقة الميدانية، مشيرة إلى أن الاحتلال اعتقل حتى النصف الأول من العام الجاري أكثر من 150 فلسطينيا من داخل أراضي الـ48، على خلفية منشورات على منصات التواصل الاجتماعي، ومنهم الطالبة في جامعة النقب مريم أبو قويدر، إذ كانت تنشر على حسابها على "انستغرام"، اعتداءات الشرطة الإسرائيلية على أبناء شعبنا في النقب، ففي البداية حُذف حسابها، ثم اعتقلت، وحُولت للحبس المنزلي، وقدمت نيابة الاحتلال ضدها لائحة اتهام بدعوى التحريض على العنف والإرهاب.

من جانبه، أوضح منسق الرصد والتوثيق في المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي "حملة" أحمد قاضي أن شركات منصات التواصل الاجتماعي في فلسطين وخاصة "ميتا" من أكثر الشركات التي تراقب المحتوى الفلسطيني، خصوصا السياسي الذي ينتقد ممارسات الاحتلال، ما يشكل انتهاكا لحق شعبنا في التعبير عن رأيه، والتشبيك والتواصل، وتعزيز روايتهم، لأن هذه الوسيلة الوحيدة التي تمكن شعبا محتلا إيصال صوته من خلالها، وبالمقابل لا يوجد رقابة على المحتوى التحريضي الإسرائيلي.

وأضاف "أن المركز يعمل على توثيق كافة القيود التي تضعها منصات التواصل الاجتماعي، ويوجد لدينا "منصة حر" تتيح لأي شخص يتعرض لانتهاك بسبب نشاطه الداعم لقضيتنا، للتبليغ عبرها لمرافعة الشركات، والضغط عليها، ومحاولة استعادة الحسابات المغلقة من جهة ولتوثيق المحتوى التحريضي الإسرائيلي على أبناء شعبنا، من جهة أخرى".

ونوه قاضي أنه يطبق على المحتوى الفلسطيني أدوات ذكاء اصطناعي بشكل تلقائي، دون الحاجة للتبليغ عنه، بالمقابل لا يطبق ذلك على المحتوى الإسرائيلي.

وكان رئيس الوزراء محمد اشتية في كلمته بمستهل جلسة الحكومة، اليوم الاثنين، أكد أن المحتوى الفلسطيني يشهد عبر "فيسبوك" حملة شرسة وظالمة، مطالبا إدارة الموقع بوقف ذلك واحترام المحتوى الفلسطيني والرواية الفلسطينية والتعامل بحيادية وموضوعية مع المحتوى الفلسطيني وعدم الانحياز للاحتلال الإسرائيلي. 

يذكر أنه منذ عام 2022، ارتفع عدد طلبات إزالة المحتوى المقدمة من الوحدة السيبرانية بجيش الاحتلال الإسرائيلي بنسبة 800٪، وتم إزالة 87% منها بالفعل على "فيس بوك".

المصدر : وفا