تستبيح الحركات الاستيطانية في محافظة سلفيت الأراضي والممتلكات الفلسطينية، محاولة فرض حقائق جديدة على الأرض بإقامة بؤر استيطانية، الأمر الذي يشكل انتهاكا صارخا لقرارات مجلس الأمن الدولي، ومضمون الاتفاقيات الدولية لا سيما اتفاقية لاهاي لسنة 1907، واتفاقية جنيف لسنة 1949، الممثلتين في حظر الاستيطان، ومنع المساس بالحقوق والأملاك المدنية والعامة في البلاد المحتلة.

في 20 تموز/يوليو الجاري، تجمع مئات المستوطنين بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، عند مداخل وطرق بلدات وقرى غرب مدينة سلفيت، وتمركزوا قرب بلدتي حارس ودير استيا، بدعوات من قبل جمعيات استيطانية، لإقامة بؤر استيطانية جديدة في المنطقة.

ومع بداية الشهر الحالي، أطلق المستوطنون دعوات ليومي عمل في "خلة حديدة" غرب قرية حارس لتمهيد الأرض، في حين جاء الإعلان الثاني دعوة لإحياء ما يسمى (يوم الحب اليهودي) في المنطقة نفسها.

تعقيبا على ذلك، قال الباحث في مركز أبحاث الأراضي رائد موقدي لـ"وفا": إن المخطط الاستيطاني الجديد يهدف لبناء 381 وحدة استيطانية جديدة، تنقسم بين حوض رقم 2 في منطقة البريج من أراضي قرية حارس، وقسم من حوض رقم 8 في منطقة "الشفطان" و"الطيارات" من أراضي بلدة دير استيا، لربط مستوطنة "رفافا" شرقا مع  "كريات نتافيم" غربا، إضافة إلى مستوطنة "بركان" الصناعية في الجهة الجنوبية، ببعض وذلك على مساحة تبلغ 265 دونما من الأراضي الفلسطينية.

وأوضح موقدي أن المخطط يهدف إلى تحويل تصنيف الأراضي من زراعية إلى سكنية، وإنشاء بنية تحتية جديدة متقدمة لربط المستوطنات بعضها ببعض، لتشمل وحدات سكنية، ومناطق مفتوحة، وشوارع وحدائق تحيط بالمستوطنات.

وأشار إلى أن هذه الأراضي مملوكة للمزارعين في حارس ودير استيا، وإقامة بؤرة استيطانية جديدة يعني الاستيلاء على مساحات شاسعة من أراضي المواطنين وحرمانهم منها، وتهديد مصادر رزقهم، خاصة أن قسما  كبيرا من هذه الأراضي مزروع بأشجار الزيتون، أضافوا إلى خلق تواصل جغرافي بين المستوطنات على حساب الأراضي الفلسطينية.

وفي بيان لمعهد الأبحاث التطبيقية "أريج"، أوضح أن الأراضي التي تم استهدافها في المخطط الاستيطاني الجديد على أراضي محافظة سلفيت تخضع لما يطلق عليه الاحتلال "بمناطق نفوذ المستوطنات" الذي فتح المجال أمام تطور معظم المستوطنات.

من جهته، قال مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة غسان دغلس لـ"وفا": إن مناطق نفوذ المستوطنات تسيطر على مساحات تعادل مساحة المستوطنة نفسها، وهذا يعني الاستيلاء على المزيد من أراضي الفلسطينين، والمزيد من التضييق على المزارعين، حيث يتم منعهم من الوصول إلى أراضيهم في هذه المناطق وحراثتها أو قطف الزيتون.

وأضاف: أن هذه المناطق تكون محاطة بـ"شارع التفافي" وسياج، ومن شأنها أن تخلق تطورا هائلا في بنية المستوطنات وتوسعها، فبعد كل توسيع للمستوطنة يتبعه مناطق نفوذ جديدة.

وبحسب بيان للجهاز المركزي للإحصاء في نهاية آذار 2020؛ بلغت مساحة مناطق نفوذ المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية (تشمل المساحات المغلقة والمخصصة لتوسيع هذه المستعمرات) نحو 542 كم في نهاية العام 2019، وتمثل ما نسبته حوالي 10% من مساحة الضفة الغربية؛ فيما تمثل المساحات المصادرة لأغراض القواعد العسكرية ومواقع التدريب العسكري حوالي 18% من مساحة الضفة الغربية؛ إضافة إلى جدار الضم والتوسع، الذي عزل أكثر من 10% من مساحة الضفة الغربية.

من ناحيته، قال الناشط في مقاومة الاستيطان في محافظة سلفيت عيسى صوف: "في ثمانينات القرن الماضي دأبت حركة (أمانا) وهي الذراع الاستيطاني لحركة (غوش ايمونيم) الدينية المتطرفة بفتح موجة استيطان شرسة هدفت من خلالها بناء عشرات المستوطنات، وترسيخ الوجود اليهودي في الضفة الغربية المحتلة، ولتشكل عقبة حقيقية أمام أي تسوية سياسية مرتقبة تجبر إسرائيل فيها على الانسحاب من الضفة الغربية، وعملت بكل جهدها لتكون هذه المستوطنات حقائق على أرض الواقع، وبسببها عززت وجودها العسكري في مناطق الدولة الفلسطينية، ما جعل من إنسحاب إسرائيل منها يشكل عبئا كبيرا على المجتمع الدولي".

وأضاف: في الوقت الحالي نشطت حركة باسم (نحالاه) يقف خلفها امرأة ثمانينية تدعى (دانييلا ڤايس) وهي من مؤسسي ومرسخي فكرة الاستيطان في الضفة الغربية، وهي أيضا تتبع لحركة (غوش ايمونيم) الصهيونية الدينية المتطرفة، ودعت أنصارها لاحتلال ما يمكن من أراضي الفلسطينيين لتأسيس بؤر استيطانية جديدة عليها رغم انعدام شرعيتها وقانونيتها.

وتابع صفوف: "منذ ذلك الحين، بدأت الحركات الاستيطانية وقيادة المستوطنين من (الصهيونية الدينية) المدعومة من منظمة (أمناء جبل الهيكل) دينيا وايدولوجيا، ومن أعضاء في الكنيست سياسيا وقانونيا، ومن رؤساء مجالس المستوطنات بالعمل في منظومة عمل متكاملة تهدف إلى إغراق الضفة الغربية بآلاف المستوطنين ليقضوا على أي حلم يمكن أن يراود الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة".

وأشار إلى وجود مدن استيطانية كبيرة مثل: (ارئيل، ومعاليه ادوميم)، ومستوطنات صناعية ضخمة مثل: (بركان الصناعية، وارئيل الصناعية، ومعاليه افرايم، وعمانوئيل)، ومستوطنات زراعية كما في غور الأردن، مبيا أن الفلسطينيين باتوا اليوم يواجهون الجيل الثاني والثالث من المستوطنين الذين ولدوا في المستوطنات، وهذا جعل ارتباطهم بالمكان أكثر من الجيل الأول الذي أسس المستوطنات الأولى.

بدورها، أدانت وزارة الخارجية والمغتربين، مصادقة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مخطط استيطاني لإقامة مستعمرة جديدة على أراضي المواطنين الفلسطينيين في سلفيت، معتبرة أن المصادقة على بناء مستوطنة جديدة في محافظة سلفيت يندرج في إطار مخطط استعماري توسعي عنصري يهدف إلى تحويل جميع المستعمرات الجاثمة على أراضي محافظتي سلفيت وقلقيلية إلى تجمع استيطاني واحد ضخم يرتبط بتجمع استيطاني ضخم آخر في جنوب محافظة نابلس ويمتد إلى عمق الأراضي الفلسطينية في محافظة رام الله والبيرة من جهة الشمال، وصولا إلى الأغوار الفلسطينية، ويرتبط بالعمق الإسرائيلي، بما يعنيه ذلك من شبكة طرق وأنفاق واسعة، والاستيلاء على آلاف الدونمات الفلسطينية، وتقطيع أوصال الضفة الغربية المحتلة وتحويل المناطق الفلسطينية إلى مجرد جزر محاصرة، معزولة، مخنوقة بالاستيطان والحواجز والأبراج العسكرية، وتغرق في محيط استيطاني ضخم.

المصدر : وفا