ودّع آلاف المواطنين، أمس، شهداء لقمة العيش الثمانية الذين قضوا في حادث السير المفجع، الذي وقع أول من أمس، بالقرب من قرية فصايل شمال أريحا، في موكب رسمي وشعبي وعسكري مهيب.

وقال الرئيس محمود عباس، في كلمة عبر الهاتف، مخاطباً الحشود الغفيرة من المشيعين الذين غصّت بهم جنبات بلدة عقربا جنوب شرقي نابلس، مسقط رأس ضحايا الحادث: "أهلنا المرابطين في عقربا الصامدة، بقلوب يعتصرها ألم الفقد والفراق لهؤلاء الأبناء الأعزاء، نعزي أنفسنا وشعبنا بهذه الفاجعة التي أصابتنا بأعز وأغلى ما نملك، لكننا نصبر على قضاء الله، ولا نقول إلا ما يرضيه سبحانه، إنا لله وإنا إليه راجعون".

وأضاف الرئيس: "الألم ألمنا جميعاً، والمصاب مصابنا جميعاً، أتقدم لذوي الشهداء وإلى آبائهم وأمهاتهم بخالص المواساة، وحسبنا وحسبهم أننا مرابطون في أرضنا المباركة، ثابتون، صامدون في وجه الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين وإجرامهم وإرهابهم، حتى يأتينا أمر الله ونصره، وهو آت لا محالة، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، وتقوم دولة فلسطين وعاصمتها القدس، أعظم الله أجرنا وأجركم، ورحم شهداءنا الأبرار، وكتب الخلاص والحرية لأسرنا البواسل".

وكان موكب تشييع الفتية الثمانية الذين قضوا في الحادث انطلق من مستشفيَي رفيديا، ونابلس التخصصي في المدينة، حيث نقلت جثامين الضحايا، مساء أول من أمس، بمشاركة آلاف المواطنين الذين قصدوا مدينة نابلس منذ ساعات الصباح الباكر، للمشاركة في مراسم التشييع.

واتجه المشيعون بعد ذلك في مسيرة سيارات إلى بلدة عقربا، حيث جرى نقل جثامين الضحايا التي لفت بالعلم الفلسطيني، إلى منازل عائلاتهم لإلقاء نظرة الوداع، ليصار بعد ذلك إلى نقل كافة الجثامين إلى إحدى الساحات في البلدة، حيث تم أداء صلاة الجمعة، ثم صلاة الجنازة على أرواحهم الطاهرة.

وفي أعقاب ذلك، تولى عدد من أفراد الأمن نقل الجثامين إلى مقبرة البلدة، حيث تمت مواراتها الثرى، إلى جانب بعضها البعض في ركن خصص لها ضمن المقبرة.

ووصف وزير الداخلية زياد هبّ الريح، الذي شارك في مراسم التشييع، ما حصل بأنه "سابقة نوعية في حوادث الطرق"، مضيفاً: "نحن أمام مأساة تاريخية حلت بالشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، لذا نحن معنيون بالتواصل مع شعبنا بناء على تعليمات الرئيس".

وأضاف هبّ الريح: "نأمل أخذ كافة العبر والتدابير اللازمة في نهاية المطاف، لأن ما حصل وضع صعب، ويجب أن نعمل بكل طاقاتنا كي لا يتكرر".

ولفت إلى أن مشاركة عدد من الوزراء والمسؤولين في المراسم، "تعبير عن استمرار حقيقي لمسيرتنا، ولن تثنينا كافة الصعاب الموجودة عن البقاء في أوساط شعبنا، والإصرار بناء على تعليمات الرئيس، على نشر رسالة الأمن والأمان، ونحن متيقنون بأن شعبنا سيلتقط هذه المبادرة".

من ناحيته، حمّل وزير العمل، نصري أبو جيش، الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عما حصل، مضيفاً: "هؤلاء الضحايا هم دون السن القانونية للعمل، وكل الشرائع الدولية وقوانين العمل بما فيها الإسرائيلي، يجرم ويحرم عمالة الأطفال".

وتابع: نحن كوزارة وعبر المنظمات الدولية سنتابع هذه الجريمة النكراء، في السماح للأطفال والأحداث بالعمل، عدا أن هذه المناطق التي عملوا فيها محرم العمل فيها من الناحية الفلسطينية لأنها أراض فلسطينية، حيث تتم السمسرة على العمال، وأخذهم للعمل ساعات طويلة بأجور زهيدة في هذه المناطق المسماة المستوطنات.

وأوضح أن الوزارة تبذل جهوداً كبيرة لمحاربة عمالة الأطفال وتجريم السماسرة ومحاسبتهم، مشيراً بالمقابل إلى أن الموقع الذي شهد الحادث، سبق أن شهد حوادث أخرى خلال السنوات السابقة، أدت لوفيات وإصابات كما حصل في العام 2018.

وأكد محافظ نابلس، إبراهيم رمضان، أنه رغم جسامة المآسي التي تلقي بظلالها على الشعب الفلسطيني، إلا أنه لن يستسلم، وسيواصل التشبث بإرادة الحياة.

واعتبر رئيس بلدية عقربا، صلاح جابر، ما حصل حدثاً جللاً، مضيفاً: "مررنا يوم أمس (أول من أمس) بيوم ثقيل وأسود وحزين على عقربا، وهذا اليوم (أمس) تمتد تداعياته لكافة أنحاء الأراضي الفلسطينية".

وأشاد بموقف الرئاسة والحكومة باعتماد الضحايا ضمن سجل الشهداء، مضيفاً: "هذا المصاب مصاب لكل فلسطين، وفلسطين اليوم على قلب رجل واحد، والحزن اليوم حزن عام وليس لعقربا وحدها".

وحول عمل ضحايا الحادث، وهم فتية أعمارهم ما بين 14-17 عاماً، في مزارع إسرائيلية في الأغوار، قال: نحن تعلمنا الدرس بشكل قاس، وأعتقد أنه ستكون له تداعيات على المستوى الرسمي وفعاليات عقربا، وأن يوم غد لن يكون مثل الأمس، إذ ستكون هناك ضوابط ورقابة وتواصل، ومعالجات.

واستدرك: هذا ديدن الاحتلال الذي يحاول أن يجند الأطفال والقصر للعمل في مزارعه، دون مراعاة القوانين الدولية التي تحرّم ذلك، لكن الإشكالية هي الحاجة إلى العمل ولقمة العيش، ما يدفع الأطفال إلى العمل في المزارع الإسرائيلية.

يذكر أن ضحايا الحادث، هم: ياسر زاهر بني جامع، ومحمد حمزة بني جامع، وحمادة حسام بني جامع، ويزيد برهان بني جامع، وزيد معتصم بني منية، وبراء زكريا بني منية، وحمادة حكمت بني جابر، ومؤمن حسام بني جامع، بينما لا يزال مصابان من عقربا يتلقيان العلاج داخل الخط الأخضر، جراء الحادث الذي وقع ما بين مركبة خاصة من نوع "كادي"، وشاحنة لنقل الإسمنت السائل.
 

المصدر : الوطنية