حذر البنك الدولي من أن الحكومة الفلسطينية قد لا تتمكن من الوفاء بالتزاماتها بحلول نهاية العام الحالي، ما لم توقف إسرائيل اقتطاعاتها من المقاصة وتستجيب لمعالجة الملفات المالية العالقة، واستئناف مساعدات المانحين.

جاء ذلك في تقرير بعنوان "المراقبة الاقتصادية الفلسطينية" سيقدمه البنك الدولي للجنة تنسيق المساعدات الدولية للشعب الفلسطينية، في اجتماع من المقرر أن يعقد في العاصمة النرويجية "أوسلو" في 17 تشرين الثاني الجاري.

وقال البنك: "ما زالت أوضاع المالية العامة للسلطة الفلسطينية تواجه تحدياتٍ جسيمة، وعلى الرغم من زيادة عائدات المالية العامة، فإن الإنفاق العام ارتفع بالمعدل نفسه وهوت المساعدات إلى مستوى قياسي متدنٍ، وزادت الضغوط على المالية العامة من جراء استقطاعات إضافية أجرتها الحكومة الإسرائيلية من الإيرادات الضريبية الشهرية التي تقوم بتحصيلها لحساب السلطة الفلسطينية (إيرادات المقاصة)".

وأضاف التقرير: "بعد حساب الدفعات المُقدَّمة من إيرادات المقاصة التي قدَّمتها الحكومة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، والتمويل المقدم من المانحين، من المتوقع أن يصل عجز موازنة السلطة الفلسطينية إلى 1.36 مليار دولار في 2021".

وتابع: قد تواجه السلطة الفلسطينية صعوبات في الوفاء بالتزاماتها الجارية قرب نهاية العام، (إذ) لم تعد قادرة على الاقتراض من البنوك المحلية، ولذلك قد تضطر إلى زيادة تراكم المتأخرات المستحقة للقطاع الخاص، ما يؤدي إلى سحب مزيد من السيولة في السوق".

وقال البنك الدولي: إن "فجوة التمويل المتوقعة لا تزال كبيرة جداً".

وطالب البنك في تقريره الحكومة الإسرائيلية بـ"معالجة بعض تسرُّبات الموارد من المالية العامة التي لا تزال قائمة، فعلى سبيل المثال، تقوم الإدارة المدنية الإسرائيلية بتحصيل الإيرادات الضريبية من الشركات العاملة في المنطقة (ج)، وتُحصِّل الحكومة الإسرائيلية رسوم المغادرة في معبر جسر اللنبي، ولكن لم يحدث تحويل منتظم لهذه الإيرادات إلى السلطة الفلسطينية كما تقضي الاتفاقيات المُوقَّعة".

وأضاف: إذا تم صرف بعض هذه الأموال، فسوف يتيح تمويلاً سريعاً تشتد الحاجة إليه في هذه الأوقات الصعبة.

كما دعا التقرير المانحين إلى المساعدة في خفض عجز الموازنة، وحث الحكومة الفلسطينية على إصلاحات في المالية العامة.

وقال: "فضلاً عن الأولويات العاجلة، يجب أن تبذل السلطة الفلسطينية جهوداً لوضع المالية العامة في مسارٍ أكثر استدامةً من خلال توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين إدارة نظام معاشات تقاعد القطاع العام السخي، والتحويلات الطبية، وتحسين البيئة التنظيمية لتصبح أكثر ملاءمة للاستثمار ونمو القطاع الخاص".

على الصعيد الاقتصادي، قال البنك الدولي: إن الاقتصاد الفلسطيني حقق معدل نمو بنسبة 5.4% في النصف الأول من 2021، ويُتوقع أن يصل إلى 6% في العام كاملا، على أن يتباطأ إلى 3% العام 2022. "بسبب تضاؤل سرعة الانتعاش ما بعد (كوفيد ـ 19) وبقاء مصادر النمو محدودة".

ويُسلِّط التقرير الضوءَ على "التحديات الجسيمة التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني بوجهٍ عام، وبدرجةٍ أكثر تحديداً على الأداء الاقتصادي في قطاع غزة واحتياجاته الإنمائية".

وقال البنك: إن الاقتصاد الفلسطيني بدأ يُظهر بعضَ علامات التعافي، مرجعا ذلك إلى "التحسُّن في النشاط الاقتصادي في الضفة الغربية، (على الرغم من أن) قطاع غزة ما زال يعاني أوضاعاً اقتصادية بالغة الشدة، مع الارتفاع الكبير في معدلات البطالة وتدهور الأحوال الاجتماعية".

لكن البنك حذر من "حالة من عدم اليقين تشوب آفاق المستقبل، في ضوء محدودية مصادر النمو المستدامة".
وقال كانثان شانكار المدير والممثل المقيم للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة، في بيان صحافي، صدر الليلة قبل الماضية: "إن النمو الحالي الذي يقوده الاستهلاك في الضفة الغربية يُعزَى إلى انتعاشٍ انطلق من سنة أساس منخفضة في العام 2020، وهو وضعٌ تفاقم بسبب أزمة جائحة كورونا، ولا يزال الاقتصاد يعاني من قيود على الحركة والعبور والتجارة، وهي أكبر عائق للاستثمار والوصول إلى الأسواق".

وأوضح شانكار أن "أنشطة الأعمال بدأت بالانتعاش تدريجياً بفضل انحسار حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا، واستمرار حملة التطعيم، وتخفيف تدابير الإغلاق، وكانت الضفة الغربية هي المُحرِّك الوحيد لتحسن الأداء الاقتصادي، أمَّا اقتصاد غزة فقد ظل في حالة شبه ركود بفعل جولة الصراع الأخيرة التي استمرت 11 يوماً في أيار".

وقدر التقرير أن مساهمة قطاع غزة في الاقتصاد الفلسطيني الكلي تقلصت بمقدار النصف خلال العقود الثلاثة الماضية، ووصلت في الوقت الحالي إلى 18% فقط.

وقال البنك: إن "الظروف المعيشية المروعة والاعتماد الشديد على المساعدات الاجتماعية لسكان غزة تبعث على القلق البالغ، ومن الضروري أن تبذل كل الأطراف جهوداً مُنسَّقة لتلبية الاحتياجات التي تم تحديدها في التقييم السريع للأضرار والاحتياجات في قطاع غزة (2021) الذي قاده البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لمساندة جهود الإعمار وعكس مسار الانحدار في مؤشرات التنمية ومستويات المعيشة في القطاع".
وحدد البنك الدولي جملة من الأولويات في قطاع غزة، تشمل زيادة إمدادات الكهرباء، وتطوير البنية التحتية والشبكات لتعزيز النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تحسين الخدمات العامة، وتوصيل الغاز الطبيعي إلى قطاع غزة من أجل إطلاق العنان لإمكانات الطاقة المتجددة. وتحصل نسبة لا تتجاوز 1% من السكان على إمدادات مياه الشرب المُحسَّنة وعلى قدرٍ محدودٍ من خدمات معالجة مياه الصرف، وتخفيف القيود على مستلزمات الإنتاج.

وطالب البنك الدولي الحكومة الإسرائيلية بتسهيل "تعميم الوصول إلى الربط الرقمي الذي سيساعد على ربط الناس والاقتصاد بالأسواق الإقليمية والعالمية، وتوفير خدمات النطاق العريض لاتصالات الهاتف المحمول من الجيل الثالث على الأقل في إطار زمني واضح، وتخفيف القيود على دخول معدات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات".

المصدر : الوطنية