تستعرض لكم "الوطنية" عدد من النصوص لخطبات متنوعة تقال في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، تتحدث عن طريقة احياء ليلة القدر وكيفية وداع شهر رمضان المبارك، وهي كالتالي :-

خطبة الجمعة الأخيرة من رمضان :-

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي من علينا بشريعة الإسلام، وشرع لنا ما يقرب إليه من صالح الأعمال، الحمد لله الذي أنعم علينا بتيسير الصيام والقيام، وجعل ثواب من فعل ذلك تكفير الخطايا والآثام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل من صلى، وزكى، وحج، وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما كثيرًا.

 

أما بعد: فإن الله -تعالى- جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكورًا، فالليل والنهار هما خزائن الأعمال، ومراحل الآجال، يودعهما الإنسان ما قام به فيهما من عمل، ويقطعهما مرحلةً مرحلةً حتى ينتهي به الأجل، فاتقوا الله عباد الله، وانظروا ماذا تودعونهما، فستجد كل نفس ما عملت، وتعلم ما قدمت وأخرت، في يوم لا تستطيع به الخلاص مما فات: (يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ)[القيامة:13-15].

 

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: إن الله -تعالى- قد شرع لنا في ختام هذا الشهر عبادات جليلة نزداد بها إيماننا، وتَكملُ بها عباداتنا، وتتمُ بها علينا نعمة ربنا، شرع لنا ربنا في ختام هذا الشهر زكاة الفطر وهي صاع من طعام، أي صاع من البر أو الرز أو التمر أو غيرها من قوت الآدميين، وهو ما يقارب ثلاثة كيلو جرامات، قال أبو سعيد -رضي الله عنه-: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر صاعًا من طعام"، وكلما كان الطعام أطيب وأنفع للفقراء، فهو أفضل وأعظم أجرًا، فطيبوا بها نفسًا، وأخرجوها من أطيب ما تجدون، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وهي ولله الحمد قدر بسيط لا يجب في السنة إلا مرة واحدة، فكيف لا يحرص الإنسان على اختيار الأطيب مع أنه الأفضل عند الله وأكثر أجرًا.

 

ويجوز للإنسان أن يوزِّع الفطرة الواحدة على عدة فقراء، وأن يعطي الفقير الواحد فطرتين فأكثر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَدَّر الفطرة بصاع، ولم يبين قدر مَن يعطى، فدل على أن الأمر واسع.

 

وزكاة الفطر فرض على جميع المسلمين، على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، فأخرجوها عن أنفسكم، وعمن تنفقون عليه من الزوجات والأولاد والأقارب، ولا يجب إخراجها عن الحمل الذي في البطن، فإن أخرج عنه فهو خير، كما فعل ذلك أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.

 

والأفضل إخراج الفطرة يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين، ولا تجزئ بعد صلاة العيد، إلا إذا كان الإنسان جاهلاً؛ فهذا تجزئه بعد الصلاة، ولا يجزئ دفع زكاة الفطر إلا للفقراء خاصة، والواجب أن تصل إلى الفقير، أو وكيله في وقتها، ويجوز للفقير أن يوكل شخصًا في قبض ما يدفع إليه من زكاة، فإذا وصلت الزكاة إلى يد الوكيل، فكأنها وصلت إلى يد موكله، فإذا كنت تحب أن تدفع فطرتك لشخص، وأنت تخشى أن لا تراه وقت إخراجها، فمره أن يوكل أحدًا يقبضها منك، أو يوكلك أنت في القبض له من نفسك، فإذا جاء وقت دفعها، فخذها له بكيس أو غيره، وأبقها أمانة عندك حتى يأتي.

 

اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا، وتجاوز اللهم عن تقصيرنا وتفريطنا، واجعلنا من عتقائك من النار.

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي شرع لعباده الشرائع لحكم بالغة وأسرار، ورتب على صيام رمضان وقيامه إيمانًا واحتسابًا مغفرة الذنوب والأوزار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الغفار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان آناء الليل والنهار، وسلم تسليمًا.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

فيا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: اليوم هو السادس والعشرون من شهر رمضان، وصدق الله -تعالى- إذ قال: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ)[البقرة:184]؛ بالأمس كنا نستقبله، واليوم نودعه، ستٌ وعشرون ليلة، من أحسن فيها وجد واجتهد؛ فقد ذهب التعب وبقي الأجر إن شاء الله.

 

لقد كانت الأيام تحمل في طياتها دروسًا وعبرًا لمن يعتبر. ففي رَمَضَانَ حُبِسَتِ الأَعيُنُ وَالآذَانُ عَن كثير من فُضُولِ النَّظَرِ وَفُضُولِ السَّمَاعِ، وَحُفِظَتِ الأَلسِنَةُ عَنِ كثير من اللَّغوِ وَالرَّفَثِ وَقَولِ الزُّورِ، وَكُفَّتِ الجَوَارِحُ عَنِ كثير من الجَهلِ وَالتَّعدِي. فإذا كنت غضضت بصرك وصنت سمعك وجوارحك؛ فما الذي يمنع أن يكون هذا دأبك طول العام؟!

 

لقد أثبتت لنفسك أن نفسك المطمئنة قادرة أن تغلب نفسك الأمارة بالسوء؛ فلماذا ترخي العنان للأخيرة طول العام؟

في رَمَضَانَ هُذِّبَتِ الأَخلاقُ وَقُوِّيَتِ الإِرَادَاتُ وَشُدَّتِ العَزَائِمُ، وَاكتَشَفت بِصِيَامِك كل يوم قرابة خَمسَ عَشرَةَ سَاعَةً قدرتك على الصيام، فلماذا يكون آخر عهدك بالصيام شهر رمضان؟ داوم الصيام بعد رمضان، ولا تترك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام كما أوصى بذلك حبيبك -صلى الله عليه وسلم-.

 

في الأيام الماضية تبين لك قدرتك على قيام الليل، فكنت تقوم مع الإمام أول الليل ساعة وآخر الليل مثلها، فهل تكون ليالي رمضان آخر عهد بقيام الليل وقد تذوقت حلاوته؟

 

في الأيام الماضية كنت من أهل القرآن، وكان لك ورد يومي بحمد الله من كتاب الله -تعالى-، فهل ستستمر بعد مضي هذا الشهر ضمن قائمة الشرف بحمل راية القرآن؟ أم ستنضم إلى قائمة الذين اتخذوا القرآن مهجورًا؟

 

إن رمضان إذ يرحل -أيها الإخوة- يبين لنا أن داخل كل واحد منا نفسًا طيبة، صالحة، مقبلة على الخير، راغبة فيه؛ فتعاهدوا هذه النفس، وارعوها حق رعايتها، واصبروا وصابروا؛ فغدًا -بإذن الله- تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا.

 

اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك، والعتق من نيرانك. اللهم أعد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة يا رب العالمين.

 

يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: اعلموا أن الله -تعالى- قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام، فاللهم صلِّ وسَلِّم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

خطبة الجمعة اليتيمة من رمضان :-

في ختام رمضان

إن الحمد لله نحمده سبحانه وتعالى ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا مثيل له، ولا ضد له، ولا شكل ولا صورة ولا أعضاء ولا جسم له، جل ربي لا يشبه شيئًا، ولا يشبهه شىء، ولا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ). وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه مِن خلقه وحبيبُه. اللهّم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى ءاله وأصحابه الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الحمد لله الذي أعاننا على الصيام والقيام ونسأله سبحانه أن يبلغنا في رمضان مسك الختام.

أما بعد عبادَ الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله جل وعلا امتثالاً لقوله تعالى ( وَتَزَوَّدُاْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاْتَّقُونِ يَــأّوْلِى الأَلْبَابِ )( سورة البقرة ءاية 197 ) .

أيها المؤمنون، بالأمس القريب كنا نستقبل هذا الشهر الكريم وفي هذه الأيام نصوم أيامه الأخيرة فما أسرع مرورَ الليالي والأيام، فبُشرى لمن اغتنم رمضان بطاعة الرحمن وجمع بين خَيْرَيِ الصيام وقراءة القرءان.

عباد الله، في ختام رمضان نقف وقفة لنأخذ العبرة والعظةَ من سرعة مرور الليالي والأيام قال الله تعالى ( وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ الّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ) ( سورة الفرقان ءاية 62 ) . فالعاقل من اعتبر مِن ذلك بسرعة انتهاء العمر ليملأ كل لحظة تمرُّ به بخيرٍ طاعةً لربه ابتعاءَ رضوانه قبل أن يدركه الأجل فقد روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الكيّسُ مَنْ دانَ نفسَهُ وعَمِلَ لِما بعدَ الموت والعاجِزُ مَن أتْبَعَ نفسهُ هواها وتَمَنَّى على الله " اهـ. وهذه الدنيا تمُرُّ مثل رمضان وتمضي بلذائذها وشهواتها وتعبها ونَصَبِها وينسى الناسُ ذلك ولكنهم يجدون ما قدَّموا مدَّخَرًا لهم إنْ خيرًا فخيرٌ وإنْ شرًّا فشرٌّ فقد قال عزَّ مِن قائل في سورة الزلزلة ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْملْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهْ ) ( سورة الزلزلة ءاية 8 )

أيها المؤمنون يا من أكرمكم الله بالإقبال على طاعته حَرِيٌّ بكم أن تداوموا عليها في ما تَبَقَّى من هذا الشهر المبارك وبعده فالمسلم مأمورٌ بطاعة ربه في كل حين حتى يلقى ربه عزّ وجلّ فقد قال ربنا تبارك وتعالى ( وَاْعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) ( سورة الحجر ءاية 99 ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أَحَبُّ الأَعْمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل ) اهـ. رواه مسلم .

ومِن المداومة على الطاعة صوم الست من شوال لما لها من الفضل العظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( مَن صام رمضانَ ثم أَتْبَعَهُ سِتًّا مِن شوالٍ كان كصيام الدهر) اهـ. رواه مسلم .

فحافظوا على ما تعودتم عليه في رمضان من أداء الصلاة في وقتها جماعة في المساجد والزموا ما كنتم عليه من حضور مجالس العلم وما كنتم عليه من معاملة حسنة للناس وصبرٍ عليهم وصلة للأرحام وإطعام الطعام وإفشاء السلام والدوام على القيام، واستقيموا على طاعة ربكم وودّعوا شهركم بمثل ما استقبلتموه بالدعاء والطاعة والعبادة واسألوا الله أن يتقبل صيامكم وقيامكم وأن يُعتقَ رقابَكم واسألوه أن يوسّع أرزاقكم ويبارك لكم في أولادكم ويديم عليكم نعمة الأمن والإيمان.

الخطبة الثانية.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد الصادق الوعد الأمين وعلى إخوانه النبيّين والمرسلين. ورضي الله عن أمهات المؤمنين وءال البيت الطاهرين وعن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعيّ وأحمد وعن الأولياء والصالحين أما بعدُ عبادَ الله فإنيّ أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم فاتقوه.

أذكركم أيها الأحبّة بزكاة الفطر فهي تجب على من أدرك ءاخر جزء من رمضان وأوّلَ جزء من شوال وذلك بإدراك غروب شمس ءاخر يوم من رمضان وهو حيٌّ فلا تجب فيما حدث بعد الغروب من ولدٍ مثلا. ويجوز إخراج زكاة الفطر في رمضان ولو أوَّلَ ليلةً من رمضان لكن السُّنَّة إخراجُها يوم العيد وقبل الصَّلاة أي صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن غروب شمس يوم العيد بلا عذر.

ومقدارُ زكاة الفطر أيها الأحبة في المذهبِ الشافعيِّ والمالكيِّ عن كلِّ من يُزكَّى عنهُ صاعٌ من غالبِ قوتِ البللدِ وهو هنا القمح والصاعُ أربعةُ أمدادٍ والمدُّ ملءُ كفَّي رجلٍ معتدلِ الخِلْقَةِ.

وأما في المذهب الحنفي فنصف صاعِ من بُرٍّ أو صاعٌ من تمرٍ أو زبيبٍ أو شعيرٍ أو قيمتُهُ ولو بالعُملةِ الورقيةِ. والصاعُ في المذهبِ الحنفيِّ ستةُ أمدادٍ.

فمن أراد دفع القيمة ينظر سعر ما ذكر في المذهب الحنفي من برٍّ أو تمرٍ أو زبيبٍ، ولا يصحُّ إخراجُ الفطرةِ عن الأصل الغَنيّ كالأب ولا عن الولد البالغ إلا بإِذنهما فليتنبَّهْ لذلك فإِنَّ كثيرًا من الناس يغفُلون عن هذا الحكم فيخرجون عن الولد البالغ بدون إذنه فلا يسقط وجوبها عن الأولاد بذلك.

واعلَموا أنَّ الله أمرَكُمْ بأمْرٍ عظيمٍ، أمرَكُمْ بالصلاة والسلام على نبيِّهِ الكريم فقال *إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا*  ( سورة الأحزاب ءاية 56 )  اللهُمَّ صَلِّ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا صلّيتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ وبارِكْ على سيّدِنا محمَّدٍ وعلى ءالِ سيّدِنا محمَّدٍ كمَا بارَكْتَ على سيّدِنا إبراهيمَ وعلى ءالِ سيّدِنا إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ ، يقول الله تعالى *  يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ  *  يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ * (سورة الحج ءاية 1 – 2  ). اللهُمَّ إنَّا دعَوْناكَ فاستجبْ لنا دعاءَنا فاغفِرِ اللهُمَّ لنا ذنوبَنا وإسرافَنا في أمرِنا، اللهُمَّ اغفِرْ للمؤمنينَ والمؤمناتِ الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، ربَّنا ءاتِنا في الدنيا حسنَةٌ وفي الآخِرَةِ حسنةٌ وقِنا عذابَ النارِ، اللهُمَّ اجعلْنا هُداةٌ مُهتدينَ غيرَ ضالّينَ ولا مُضِلينَ، اللهُمَّ استرْ عَوراتِنا وءامِنْ روعاتِنا واكفِنا مَا أَهمَّنا وَقِنا شَرَّ ما نتخوَّف.

عبادَ الله*إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*اذكُروا الله العظيميُثبكُمْ  واشكُروهُ يزِدْكُمْ، واستغفروه يغفِرْ لكُمْ واتَّقوهُ يجعلْ لكُمْ مِنْ أمرِكُمْ مخرَجًا، وَأَقِمِ الصلاةَ.

خطبة آخر جمعة من رمضان :-

الحمدُ للهِ الخلاَّقِ العليمِ؛ خلَقَ الزَّمَانَ، وكوَّرَ الليلَ علَى النَّهارِ، وكُلُّ شيءٍ عندَهُ بِمِقدَارٍ، نَحمَدُهُ علَى إِدْرَاكِ هذَا الشَّهرِ الكَريمِ، ونشْكُرُهُ علَى مَا حَبَانَا فيهِ مِنَ الخَيرِ العَظِيمِ، ونسأَلُهُ سُبحَانَهُ صَلاحَ نِيَّاتِنَا، وقبولَ أعمَالِنَا، واسْتِقَامَتَنَا علَى أمرِهِ، واستمْرَارَنَا علَى عهدِهِ، وإعَانَتَنَا علَى مَا يُرضِيهِ، واجْتِنَابَنَا لِمَا يُسخِطُهُ.

 

وأشهدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ وأشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ؛ كَانَ يَصومُ حتَّى يقُولَ القَائِلُ: لاَ يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى يَقُولَ القَائِلُ: لاَ يصُومُ، وصَلَّى مِنَ اللَّيلِ كُلِّهِ، وكَانَ يَتَهَجَّدُ بالقرآنِ، فيُطِيلُ القِيَامَ، ويُرَتِّلُ القُرآنَ، صَلَّى اللهُ وسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلَى آلِهِ وأصحَابِهِ وأتبَاعِهِ إِلى يَومِ الدِّينِ... أمَّا بَعدُ:

فاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وأَطِيعُوهُ، وأَحْسِنُوا خِتَامَ شَهْرِكُمْ بَخيرِ عَمَلِكُم، وأَلْزِمُوا أنْفُسَكُم بعَهْدِكُمْ، والاسْتِمرَارِ علَى طَاعةِ رَبِّكُمْ، وأَكْثِروا مِنَ الاسْتِغْفَارِ؛ فإنَّهُ مُرَقِّعٌ لما تخرَّقَ مِن صِيَامِكُمْ، والْهَجُوا للهِ تعَالى بالحمدِ والشُّكرِ علَى رحمتِهِ بكُم، وفضْلِهِ عليْكُمْ؛ فَلَقَدْ أدْرَكْتُمْ رَمَضَانَ صِحَاحًا مُعَافِينَ مُسَلَّمِينَ، فَصُمْتُمْ وقُمْتُمْ وقَرَأْتُمْ وتَصَدَّقْتُمْ، وفَعَلْتُمْ مِنَ الْخَيْرِ مَا دُوِّن في صَحَائِفِكُمْ، وأَتَيْتُمْ مِنَ الْبِرِّ مَا لَمْ يُوَفَّقْ لَه غَيْرُكُمْ؛ وذَلِكَ مَحْضُ فَضْلِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْكُمْ: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ [النحل: 18، 19].

 

فهَذِهِ آخرُ جُمعَةٍ مِن رَمضَانَ، وهكَذَا تمضِي الأَعْمَارُ، هكَذَا هِيَ الدُّنيَا، وإِنَّمَا العبدُ جُملةٌ مِن أَيَّامٍ؛ كلَّمَا ذهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعضُهُ.

مِنْ فَضلِ اللهِ علَيْكُم - أيُّها المؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ- أَنِ اعْتَدْتُمْ فِي هَذَا الشهرِ الكريمِ على عِبَادَاتٍ جَلِيلَةٍ، وطَاعَاتٍ عظِيمَةٍ، بَلْ إِنَّكُمْ مَا إِنْ تَفْرُغُوا مِنْ عِبَادَةٍ إِلاَّ وَتَنْتَظِرُكُمْ عِبَادةٌ أخْرَى، حَسناتٌ يُزَاحِمُ بعضُهَا بعْضًا، صَلاةٌ وصِيامٌ، وذِكرٌ وقِيَامٌ، وتَلاوَةُ كَلامِ الرَّحمنِ، وإنفَاقٌ وإِحْسَانٌ، بُيوتُ اللهِ عُمِّرَتْ بالذَّاكِرِينَ... لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، كَمْ منَ الأُجُورِ قَدْ سُجِّلَتْ فِي مَوَازِينِ حَسَنَاتِكُمْ، وكَمْ مِنَ السِّيئاتِ قَد مُحِيَتْ عَنكُمْ، وهَذَا فَضْلُ اللهِ وتَوْفِيقُهُ لَكُمْ.

 

عَبدَ اللهِ...عَاهِدْ نَفسَكَ وأنْتَ فِي آخِرِ هذَا الشَّهرِ الكريمِ أنْ تَستَمِرَّ علَى طَاعةِ رَبِّكَ، ادْعُ اللهَ بكُلِّ إخْلاصٍ وتَجَرُّدٍ وإلحَاحٍ أنْ يُدِيمَ عليْكَ نِعْمَةَ الطَّاعَةِ، وأنْ يَرْزُقَكَ حُبَّهَا، وأَنْ تكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِمَّا سُوَاهَا مِن مُتعِ الدُّنيَا الفَانِيَةِ.

 

وبعدَ رمضَانَ -واسْمَعْ جَيِّداً- وفي أوَّلِ أيَّامِ شهرِ شَوَّالٍ لا تَقْطَعَ ذَلكَ الْحَبلَ الَّذِي مَدَدتَهُ، وَلا ذَلكَ الخيرَ الَّذِي رَسَمْتَهُ، بَلْ واصِلِ العَطَاءَ مَعَ اللهِ، واستعِنْ باللهِ فِي ذلكَ وَضَعْ نصْبَ عَيْنَيْكَ قَولَ اللهِ تعَالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69] اسْتَغِلَّ قُوَّةَ الدعَاءِ فِي الأوقَاتِ الفَاضِلَةِ التي سَتَمُرُّ عليكَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ أيَّامِ هذَا الشَّهرِ العَظِيمَةِ، ادْعُ اللهَ بإلْحَاحٍ أَنْ يجْعَلَكَ مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.. مِنْ عِبَادِهِ المتقينَ، وأنْ يَمُنَّ عليكَ بِمَا مَنَّ عَليهِمْ، ثُمَّ انظُرْ بعدَ ذلكَ إلَى عَطَاءِ الرَّبِّ عليكَ، انظُرْ إِلى هِبَاتِ الكَريمِ إليكَ، انْشَراحُ الصَّدْرِ، وسَعَةُ البَالِ، وسُكُونُ النَّفْسِ، الغِنَى عمَّا فِي أيْدِي النَّاسِ، هذَا بَعْضٌ مِنْ عَطَاءِ الدُّنيَا، أمَّا فِي الآخِرَةِ فشَيءٌ يَعْجَزُ الوَاصِفُونَ عَنْ وَصْفِهِ بَلْ هِيَ ﴿ جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55] نَعَمْ.. إنَّ فِي الدُّنيَا جَنَّةً مَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا لَمْ يَدْخُلْ جَنَّةَ الآخِرَةِ.

عِبادَ اللهِ... هَذَا النَّعِيمُ، وهو - واللهِ- لا يُدْرَكُ بالنَّعيمِ وَلا بالتَّوَاكُلِ ولا التَّمَنِّي والتَّسْوِيفِ والتَّأْجِيلِ.

 

بَلْ إنَّ مَنْ ذَاقَ لَذَّةَ الطَّاعةِ علَى الحقِيقَةِ لاَ يَسْأَمُ العبادةَ ولا يملُّهَا، اسمَعْ لِقَولِ اللهِ تعَالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97] فالحياةُ الطَيِّبةُ هِيَ لذَّةُ الْمُنَاجَاةِ للهِ، وَقوَّةُ الاتِّصَالِ باللهِ والثِّقةُ باللهِ، والاعْتِمَادُ على اللهِ، والأُنسُ بطَاعَةِ اللهِ، والرَّاحَةُ بالقِيَامِ بِمَا أوْجَبَ اللهُ.

 

عِبادَ اللهِ... لَقدْ أَوْشَكَتْ هذِه الأيَّامُ على الرَّحيلِ بعدَ أنْ سَعِدَ بها أهلُ الإيمانِ وأَوْدَعُوا فيهَا مَا استَطَاعُوا مِن عَملٍ صَالحٍ كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فيهِ علَى ما يُقَرِّبُهُم إِلى ربِّهِم ويرْفَعُ درَجَتَهُم ويُعْلِي مكَانَتَهُم.

إنَّ لهذهِ الأيامِ العَظِيمةِ رَوْحَانِيَّةً لِمَن عَرفَهَا وأدرَكَهَا وعَمِلَ فيهَا بمَا استطَاعَ مِنْ جَهْدٍ.

 

أقولُ الذي عَرَفَهَا.. عَرَفَ أنَّها أغْلَى الأيَّامِ، وأثَمنُ الأوقاتِ، واللهُ سبحانَه يُسْدِي لعبادِهِ الفُرَصَ فمَن أَخَذَهَا بِجِدٍّ ونَافسَ فيهَا بُورِكَ لَه في عُمُرِهِ وعَظُمَ فيهِ أجرُهُ؛ فالصِّيامُ والقِيَامُ وقِرَاءَةُ القرآنِ، والعُمْرةُ إلى بيتِ اللهِ الحَرامِ، والصَّدقةُ والإحْسَانُ، وقيامُ العَشرِ الأوَاخرِ وليلةِ القدرِ، وأداءُ زَكاةِ الفطرِ.. كُلُّهَا فُرصٌ عظيمةٌ مَنْ نَافَسَ فيها رَبِحَ رِبْحاً لا خَسارةَ بعدَهُ ومَن تهَاوَنَ وتَقَاعَسَ ورَضِيَ بحُطامِ الدُّنيا الفَانِي فهُو الخَاسِرُ؛ لأَنَّه ربَّما لا تَتكَرَّرُ له تلكَ الفُرصَةُ!

 

أيها الناسُ.. لِنَتأَمَّلَ أحْوالَ غيرِنَا فِي هذا الشهرِ الكريمِ؛ لِنعرِفَ فضْلَ اللهِ تعالى علَينا، فنَشْكُرَه على نِعَمِه، ونَلْهَجَ بذِكْرِهِ وحمْدِهِ.

في هذا الشهرِ الكريمِ حُرِمَ هذهِ اللذَّةَ العظيمةَ مِليارَاتٌ مِنَ البَشَرِ مِمَّن كَفَروا باللهِ تعالى جَهلاً بهِ، أو اسْتِكْبَارًا عن عِبادَتِهِ، فلَمْ يعرِفُوا رمضانَ، ولم يَعيشُوا لَذَّة الصيامِ والقيامِ والقرآنِ.

 

وفي رمضانَ، ونحنُ نَنْعَمُ بالأمنِ والاسْتقرارِ، قَضَى الملايينُ مِنَ المسلمينَ رمضانَ فِي رُعْبٍ وخوفٍ؛ فهُمْ بينَ حُروبٍ طَاحِنَةٍ، وقَلاقِلَ مُسْتَمِرَّةٍ، ومِحَنٍ دَائِمَةٍ.

وفي رمضانَ، وفي لَحَظَاتِ الغُروبِ، أوِ السَّحَرِ مَوائِدُنَا تُبْسَطُ وتُملأُ مِن نِعَمِ اللهِ تعالى فَمَا تَدْرِي نفسٌ مَاذا تَأكُلُ وماذَا تَتْرُكُ، بينَما يُفْطِرُ قومٌ منَ المسلمينَ علَى الشَّيءِ اليَسِيرِ وقَد شَاهَدْنَا هذا كَثِيراً عبرَ مَوَاقِعِ التَّواصُلِ الاجتِمَاعِيِّ.

 

وفي رمضانَ، متَّعنَا اللهُ تعالى بأجْسَادِنَا، وأكْمَلَ صِحَّتَنَا وعَافِيَتَنَا في حينِ أَنَّ في المستشفياتِ وبعضِ البيوتِ مَرضَى يَئِنُّونَ مِن آلامِهِمْ، ويُعَالِجُونَ أمرَاضَهُم، قَد أَلْهَاهُمْ مَا هُم فيهِ, عنِ الفَرَحِ برمضانَ ومظَاهِرِهِ، وحُرِمُوا إِقَامةَ شَعَائِرِهِ.

وَمِنْهُم مَن حُبِسُوا في دُيُونِهِم، أو في جِنَايَاتٍ كَانتْ عليهِمْ؛ فَلْنَشْكُرِ اللهَ تعالى أَنْ عَافَانَا مِن البَلاءِ.

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى فِي خِتَامِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيمِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا بِالْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْقَبُولِ، وَأَنْ يُكْتَبَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ الْعِتْقَ مِنَ النَّارِ، وَأَنْ يَجْعَلَ حَالَنَا بَعْدَ رَمَضَانَ خَيْرًا مِنْ حَالِنَا فِيهِ، وَأَنْ يَفْتَحَ لَنَا أَبْوَابَ الْخَيْرِ، وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا رَمَضَانَ بِخَيْرٍ، وَأَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ الْقَادِمَ وَنَحْنُ نَنْعَمُ بِالْأَمْنِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ... أمَّا بعدُ:

أيها الإخوةُ المؤمنونَ: كَتبَ عُمرُ بنُ عبدِ العزيزِ- رحمهُ اللهُ تعَالى - إلى الأَمْصَارِ يأْمُرُهُمْ بخَتْمِ شهرِ رمضانَ بالاستغفارِ والصدقةِ - صَدَقةِ الفطرِ -، فصَدَقَةُ الفِطْرِ طُهرةٌ للصائمِ من اللَّغْوِ والرَّفَثِ، والاستغفارُ يُرَقِّعُ مَا تَخَرَّقَ مِن الصِّيَامِ باللغوِ والرَّفَثِ، ولهذَا قالَ بعضُ الْمُتَقَدِّمِينَ: "إنَّ صَدقةَ الفِطْرِ للصَّائِمِ كسجدَتَيِ السَّهْوِ للصَّلاَةِ".

 

وتَجِبُ هذِه الزَّكاةُ على كلِّ مسلمٍ فَضُلَ لَه يومَ العيدِ وليلَتَهُ-عَن قُوتِهِ وقوتِ عِيَالهِ وحَوائِجِهِ الأصْلِيَّةِ- شَيئًا مِن طَعامٍ، لا فَرقَ بينَ ذكرٍ وأنُثْى ولا بينَ صَغيرٍ وكبيرٍ، بَل لا فَرقَ بينَ غَنِيٍّ وفَقَيرٍ، ولا بينَ صَائمٍ وغيرِ صَائمٍ.

ويجبُ إخراجُهَا عَمَّن تَلزَمُهُ مَؤُونَتُه مِن زَوجةٍ أو قريبٍ إذا لَم يَستطِيعُوا إخْراجَهَا عَن أنفُسِهِم، فإنِ اسْتَطَاعُوا فالأَوْلى أَن يُخْرِجُوهَا عن أَنفُسِهِم، لأَنَّهم المخَاطَبُونَ بِهَا أصْلاً.

 

وأمَّا الجَنِينُ في بطنِ أمِّهِ إذَا أَكملَ أربعةَ أشْهُرٍ اسْتَحَبَّ بعضُ أهلِ العلمِ أَن تُخْرَجَ عَنه زَكاةُ الفطرِ تَطَوُّعاً من غيرِ وُجوبٍ؛ لفِعْلِ عُثمانَ بْنِ عَفَّان.

والواجبُ في صدقةِ الفطرِ صَاعٌ، والمرادُ بالصَّاعِ: الصَّاعُ النَبَوِيُّ، وصاعُ المَدِينةِ يُسَاوِي بالكيلو في زماننا الحاضِرِ =(كِيلوين وأربعينَ جراماً) مِنَ الْبُرِّ الجيِّدِ،وأمَا الأَرُزُّ ومَا أشبهَ ذَلكَ من الأطعمةِ الثقيلةِ فيزيدُ وزْنُه، والوزنُ المعتدِلُ(ثلاثَ كِيلو تقريباً).

 

فاعتبارُ الصَّاعِ هو الأساسُ وهو الأحوطُ في الأحوالِ والأطمعةِ كلِّهَا، خُروجاً من الخِلافِ واتِّبَاعاً للنصِّ الثابتِ بيقينٍ.

تُؤَدَّى صدقةُ الفطرِ مِن غَالبِ قُوتِ البلَدِ، وإنْ لَمْ يُنَصَّ عليهِ فِي الحديثِ، كالأُرزِ مثلاً.

 

وعلَى هذَا فَلا يُجزِئُ إخرَاجُهَا مِن الدَّرَاهِمِ والفُرُشِ واللِّباسِ وأقواتِ البهَائمِ والأمتعةِ وغيرِهَا لأنَّ ذلكَ خِلافُ ما أَمَرَ بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم.

وأمَّا زَمَنُ إخْرَاجِهَا فلَه وقْتَانِ: وقتُ فَضِيلةٍ، ووقتُ جَوَازٍ.

فأمَّا وقتُ الفضيلةِ: فهو صَباحُ العيدِ قبلَ الصلاةِ.

 

ويجُوزُ إخرَاجُهَا قبلَ العيدِ بيومٍ أو يومينِ ولا يجوزُ تأخيرُهَا عن صلاةِ العيدِ، فإنْ أخَّرَهَا عَن صلاةِ العيدِ بِلا عُذرٍ لَم تُقبلْ مِنهُ لأنَّه خِلافُ ما أمَرَ بهِ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وفِي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ مَنْ أَدَّاهَا قَبلَ الصلاةِ فهي زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ، رواهُ أَبو داودَ.... وأمَّا إنْ أخَّرَهَا لعُذرٍ فَلا بأسَ.

 

أيها المسلمونَ: لزكاةِ الفطرِ خُصُوصِيَّتُهَا في مصَارِفِهَا، فلهَا مَصْرِفَانِ فقط،وهمُ الفقراءُ والمساكينُ.

وأمَّا مكانُ دفْعِهَا فتُدْفَعْ إلى فُقرَاءِ المكانِ الذي هوَ فيهِ.

 

عبادَ اللهِ.. أكثِروا مِن التكبيرِ ليلةَ العيدِ إلى صلاةِ العيدِ تعظيماً للهِ وشكراً له على إتمامِ النعمةِ؛ يقولُ جلَّ وَعَلا: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185].

 

عباد الله... لقدْ أوْشَكَ شهرُكُم علَى الرَّحِيلِ وخَتْمِ مَا أوْدَعتُمُوهُ فيهِ من أعْمَالٍ وأقوالٍ فمَنْ أحسنَ فيهِ وجَوَّدَ فهُو الآنَ يحصِدُ آثَارَهُ الْمُشْرِقَةَ وأنوَارَهُ الْمُبْهِجَةَ فإنَّ للطاعةِ أثراً على صاحبِهَا في وقتِه ومالِه وصحَّتِه وعيالِهِ.

عبادَ اللهِ... مَن كَانَ مَنعَ نفسَهُ في شهرِ رمضانَ من الحرامِ فلْيَمْنَعْهَا فيمَا بعدَه من الشهورِ والأعوامِ فإنَّ إلَه الشهرينِ واحدٌ وهو على الزَّمَانَيْنِ مُطَّلِعٌ وشَاهِدٌ. جزَانا اللهُ وإياكمْ عَلى فِرَاقِ شهرِ البركةِ وأجْزَلَ أقْسَامَنَا وأقسَامَكُم من رحمتهِ المشتركةِ وباركَ لنَا ولكُم في بقيَّتِه وسَلكَ بِنَا وبكُم طَريقَ هِدَايتِهِ بفضلِه ورحمتِه.

 

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى إِتْمَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى الوَجْهِ الذِيْ يُرْضِيكَ عَنَّا، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ

اللهم لا يبلغُ مِدْحتَك قولُ قَائلٍ، ولا يَجزِي بآلائِكَ أَحدٌ. ربَّنا وجهُكَ أكرمُ الوُجُوهِ، وجَاهُكَ أعظمُ الجَاهِ، وعَطِيَّتُكَ أفضلُ العطَايا. تُطَاعُ ربَّنَا فتشكُرُ، وتُعصَى فتَغْفِرُ، وتُجِيبَ المضطرَّ، وتكشف الضُّرَّ.

اللهمَّ اختِمْ لنَا شهرَ رمضانَ برِضوَانِكَ، وأعِذْنَا مِن عُقُوبَتِكَ ونِيرانِكَ. اللهمَّ اجعلْ موعِدَنَا بَحْبُوحَةَ جِنَانِكَ. اللهمَّ اجعلْنَا مِمَّن قَبِلْتَ صِيامَهُ، وأسعَدْتَه بطاعَتِكَ فاسْتَعَدَّ لما أمَامَه، وغَفَرْتَ زلَلَه وإجْرَامَه. اللهمَّ لا تجعلْ حَظَّنَا مِن صِيَامِنَا الجوعَ والعطشَ، ولا تجعلْ حَظَّنَا مِن قِيامِنَا التَّعَبَ والسَّهَرَ. اللهمَّ واجْعَلْنَا مِمَّن وافَقَ ليلةَ القدرِ، فحازَ عظيمَ الثوابِ والأجرِ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ!

اللهمَّ واجْعَلْنَا مِمَّن صَامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً. اللهمَّ اجْعَلْنَا مِمَّن قَامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً. اللهمَّ لا تُفَرِّقْ هَذَا الْجَمْعَ إلاَّ وقَدْ غَفَرْتَ جَميعَ ذُنُوبِهِ.. اللهمَّ اعْتِقْ رِقَابَنَا، ورِقَابَ آبَائِنَا، وأمهَاتِنَا، وذريَّاتِنَا ومَنْ لَه حَقٌّ عَلَينَا، اللهمَّ اعْتِقْنَا جميعاً مِنَ النارِ.

اللهمَّ إنا نسأَلُكَ رِضَاكَ والْجَنَّةَ، ونعوذُ بكَ مِن سَخَطِكَ والنارِ، بِرحمَتِكَ يَا أرحمَ الراحمينَ!

سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزَّةِ عمَّا يصفونَ وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

المصدر : الوطنية