ليلة القدر ليلة خير من ألف شهر، فيها أنزل الله أعظم كتاب علم البشرية على أعظم نبي هدى للإنسانية. إنها ليلة تنزل فيها الملائكة إلى الأرض لتصافح أهلها حتى مطلع الشمس، فهنيئاً لمن فاز بها وبأجرها العظيم.

ورغم أن ليلة القدر مخفية في أيام الوتر بالعشر أو السبع الأواخر من رمضان، لما روى البخاري من حديث ابن عمر – رضى الله عنه – أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُرُوا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السَّبْعِ الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السَّبْعِ الأواخر»، إلا أنه يوجد علامات لها، وقد أرشدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليها.

وقد اُختلف في تعيين ليلة القدر، وأجمع أكثر العلماء أنها ليلة سبع وعشرين، واستدلوا بحديث زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ، يَقُولُ: قُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، إِنَّ أَخَاكَ عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ القَدْرِ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ، «لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ، ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ»، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا المُنْذِرِ؟ قَالَ: «بِالآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِالعَلَامَةِ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا».

فضلُ ليلةِ القَدرِ  :-
- أُنزِلَ فيها القُرآنُ:
- يقَدِّرُ اللهُ سبحانه وتعالى فيها كُلَّ ما هو كائنٌ في السَّنَةِ، ففي تلك الليلةِ يُقَدِّرُ اللهُ سبحانه مقاديرَ الخلائِقِ على مدارِ العامِ، ويُكتَبُ فيها الأحياءُ والأمواتُ، والنَّاجون والهالكونَ، والسُّعداءُ والأشقياءُ، والعزيزُ والذَّليلُ، وكلُّ ما أراده اللهُ سبحانه وتعالى في السَّنةِ المُقبلةِ، يُكتَبُ في ليلةِ القَدرِ هذه.
- أنَّها ليلةٌ مُبارَكة:
- العبادةُ فيها تَفضُلُ العبادةَ في ألفِ شَهرٍ، فالعبادةُ فيها أفضَلُ عند اللهِ مِن عبادة ألفِ شَهرٍ، ليس فيها ليلةُ القَدرِ، وألفُ شَهرٍ تَعدِلُ: ثلاثًا وثمانينَ سَنَةً وأربعةَ أشهُرٍ .
- ينزِلُ فيها جبريلُ والملائكةُ بالخَيرِ والبَرَكةِ، فتنزِلُ الملائكةُ فيها إلى الأرضِ بالخَيرِ والبَرَكة والرَّحمةِ والمَغفرةِ.
- ليلةُ القَدرِ سَلامٌ ، فهي ليلةٌ خاليةٌ مِنَ الشَّرِّ والأذى، وتكثُرُ فيها الطَّاعةُ وأعمالُ الخَيرِ والبِرِّ، وتكثُرُ فيها السَّلامةُ مِنَ العذابِ؛ فهي سلامٌ كُلُّها.

أبرز علامات ليلة القدر الواردة في السنة النبوية هي:

1- نزول الملائكة في الأرض بكثرة.

2- حبس جميع الشياطين فيها.

3- انعدام الشهب.

4- يكون القمر فيها كنصف الدائرة.

5- الليل فيها مضيء، فليلة القدر مضيئة منيرة، وقد لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار؛ لأن شوارعنا معمرة بالأنوار الاصطناعية الآن.

6- السكون الكوني في ليلها، فلا رياح ولا عواصف ولا زلازل ولا براكين، لكن لا يمنع هذا أن يكون فيها صخبًا بشريًا أو أصوات لكائنات.

7- الصفاء والطمأنينة.

8- الطقس معتدل لا برد ولا حر.

9- تخرج الشمس في صبيحتها بيضاء مستديرة كالتطست (وهو إناء مستدير) لا شعاع لها، هذا في أول شروقها، فإذا اشتدت أصابتها الحُمرة لكن دون الشعاع، يَسهُلُ النَّظرُ إليها دون أنْ تَكسِرَ البَصرَ.

الأدلة من السنة النبوية على علامات ليلة القدر:

هذه العلامات السابقة هي مجموع ما ورد من الأحاديث الصحيحة من السنة النبوية، وهذا مجال لا يقال فيه بالرأي ولا بتجربة، لكن ربما يكون هناك علامات شعورية يشعر بها خواص المؤمنين، مثل طمأنينة القلب وانشراح الصدر ولذة العبادة والقيام في تلك الليلة، ومشاهدة الأنوار في السماء، وسماع تسليم الملائكة فهذا مما حدَّث به البعض لكن لا دليل عليه ولا يبعد أن يكون كرامة لأولئك الذين اختارهم الله واصطفاهم في تلك الليلة المباركة، وأما أن يكون ذلك عاماً فهذا باطل معارض لدلالة الحس المؤكدة، ومشاهدة العيان، أما الأحاديث الواردة في السنة النبوية فهي:

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ، وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ؟»[رواه مسلم].

2- عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ لَا بَرْدَ فِيهَا ولَا حَرَّ، وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى تُصْبِحَ، وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ». رواه أحمد (22765)، قال شعيب الأرنؤوط: وهذا سند حسن رجاله ثقات رجال الصحيحين غير بحير بن سعد وهو ثقة، وبقية روى له مسلم متابعة، والبخاري تعليقا، وهو صدوق، وقد صرح بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه، وأورده الهيثمي في "المجمع" 3/175 ونسبه لأحمد، وقال: رجاله ثقات. وقال الألباني وهذا إسناد رجاله ثقات.

قال السندي: (مستوية) لا حركة لها، بخلاف ما إذا كان لها شعاع فإنه يخيل لها حركة بحركة الشعاع، والله أعلم.

ورواه ابن نصر المَرْوَزِي بلفظ:

عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا لَيْلَةٌ صَافِيَةٌ مَلِيحَةٌ , كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا , سَاكِنَةً لَا حَرَّ فِيهَا وَلَا بَرْدَ , وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يَرْمِيَ فِيهَا بِنَجْمٍ حَتَّى الصَّبَاحِ , وَإِنَّ أَمَارَةَ الشَّمْسِ صَبِيحَتَهَا أَنْ تَجْرِيَ لَا شُعَاعَ لَهَا مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَلَا يَحِلُّ لِشَيطَانٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ». [كتاب قيام رمضان (270) اختصار العلامة أحمد بن علي المقريزي].

3- عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي كُنْتُ أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ نُسِّيتُهَا، وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَهِيَ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يُضِيءَ فَجْرُهَا» رواه ابن خزيمة (2190) وابن حبان (3688)، وصححه الألباني لشواهده.

4- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: «إِنَّهَا لَيْلَةُ سَابِعَةٍ - أَوْ تَاسِعَةٍ - وَعِشْرِينَ، إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى» رواه أحمد (10734) وابن خزيمة (2194) وحسنه الألباني.

5- عن أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه، قال: «هِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِهَا، هِيَ لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا»[رواه مسلم].

وفي رواية سُئل: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ؟ فقَالَ: «بِالآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِالعَلَامَةِ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا» رواه الترمذي (3351)، وصححه الألباني.

وفي رواية: قال: بِالْآيَةِ الَّتِي قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ تَطْلُعُ الشَّمْسُ لَا شُعَاعَ لَهَا ، كَأَنَّهَا طَسْتٌ حَتَّى تَرْتَفِعَ» رواه أحمد (21197)، وفي رواية: «تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِثْلَ الطَّسْتِ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ، حَتَّى تَرْتَفِعَ» رواه أبو داود (1378)، وصححه الألباني.

والشعاع، قال أهل اللغة: هو ما يرى من ضوئها عند بروزها مثل الحبال والقضبان مقبلة إليك إذا نظرت إليها. قال صاحب المحكم بعد أن ذكر هذا المشهور، وقيل: هو الذي تراه ممتدًا بعد الطلوع، قال: وقيل هو انتشار ضوئها وجمعه أشعة وشعع وأشعت الشمس نشرت شعاعها.

6- عن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي النِّصْفِ مِنَ السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، تَطْلُعُ الشَّمْسُ غَدَاتَئِذٍ صَافِيَةً، لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ» رواه أحمد في المسند (3857). وقال محققوه: حسن لغيره.

7- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: «لَيْلَةٌ سَمْحَةٌ طَلْقَةٌ، لَا حَارَّةٌ، وَلَا بَارِدَةٌ، تُصْبِحُ شَمْسُهَا صَبِيحَتَهَا ضَعِيفَةً حَمْرَاءَ» رواه الطيالسي (2802) والبيهقي في الشعب (3419) وابن خزيمة (2192)، وصححه الألباني لشواهده.

دعاء ليلة القدر :-

عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أرأيتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلةٍ ليلةُ القَدرِ، ما أقولُ فيها؟ قال: قُولي: اللَّهُمَّ، إنِكَّ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي 

المصدر : وكالات