"خمسة عشر عاماً وأن أحلم يومياً بلقاء عائلتي، حتى تحقق هذا الحلم، وحتى الآن لا أصدق ذلك"، بهذه الكلمات عبر الأسير المحرر رامي حسين حجازي (40 عاماً) عن سعادته التي مزجت بدمعتين حاول إخفاؤهما.

في جلسة عائلية دافئة استقبلنا المحرر حجازي وزوجته ووالدته وأبناؤه، في منزله بمدينة غزة، وبدأ يتحدث كيف تم اعتقاله بعد أشهر قليلة من زفافه، وكانت زوجته في أشهر الحمل الأول.

ففي تشرين أول 2003، استقل سيارة متجهاً لجنوب قطاع غزة في مهمة عمل لشركة الانترنت التي كان يعمل بها، ولكن في طريق العودة وعلى حاجز "أبو هولي" الذي كان يقيمه الاحتلال وسط القطاع ويفصل شماله عن جنوب، قام الاحتلال باعتقاله.

حاجز "أبو هولي" سيء السمعة لدى الفلسطينيين كان الاحتلال أقامه وسط القطاع كمصيدة للشبان، ولطالما كان قبل انسحاب الاحتلال من غزة عام 2005، مصدر ازعاج وتنغيص لكل سكانه.. كما يقول المحرر رامي حجازي.

يتابع المحرر حجازي "مارس الاحتلال إجراءات معقدة واستفزازية ضد المواطنين في حاجز "أبو هولي"، لا تخلو من التعذيب والإهانة والضرب، بل وقتل أحيانا، "وأتذكر أنه بمجرد أن رأى جنود الاحتلال اسمي وهويتي قاموا باعتقالي بحجة أن اسمي ورد في ملف ما!".

رحلة العذاب

فور الاعتقال تبدأ رحلة عذاب ومعاناة، فالتحقيق يبدأ باللحظة الأولى، حولت إلى معتقل عسقلان ومكثت 90 يوماً تحت التحقيق، وهناك عشت أسوأ أيام حياتي، حيث يعتمد الاحتلال على التعذيب الجسدي والنفسي، أيام بلا نوم وبلا طعام وبلا راحة، افتعال ضوضاء وتقييد بكرسي صغير لساعات طويلة، ضرب مبرح، وحتى تشغيل مكيفات في الجو البارد، وكل ذلك في زنزانة انفرادية في انقطاع تام عن العالم، حيث لا تحتوي إلا على فرشة وغطاء وجدرانها خشنة جداً.

ومن ثم استذكر المحرر حجازي كيفية نقله للسجن المركزي ليقضى محكوميته 15 عاماً، والتي تتألف من غرف يمكن أن تحتوي على 6 أسرى أو 14 أسيراً، مشيراً إلى أنه طاف على كل سجون الاحتلال، حيث يتعمد الاحتلال نقل الأسير حتى يفقد الاستقرار في أي سجن، خاصة وأن الأسرى تمكنوا من تحويل تلك السجون لجامعات ومجتمعات كاملة وذلك كتحدي له.

عزيمة قوية

يقول المحرر حجازي وهو يتنفس الصعداء ويشعر بالفخر، إن الاحتلال لم يبدد من عزيمته، بل شغل وقته داخل الأسرى في المزيد من التعلم حيث حصل على بكالوريوس تاريخ، ودبلوم قيادة منظمات المجتمع المدني، ودبلوم خدمة اجتماعية، وماجستير إدارة.

ويؤكد أن كل الأسرى لديهم عزيمة قوية جداً، وتجمعهم علاقة أخوية ومتينة ومميزة، وهناك خطوات من الأسرى لمواجهة السجان منها الاضرابات عن الطعام، مشيراً إلى تعاضد وتكاتف الأسرى، الأمر الذي يخفف عليهم ويلات السجن، ولكنهم بحاجة لأن يتم الاهتمام بقضيتهم أكثر، وأن يكون هناك عمل جاد لتحريرهم.

وشدد على ضرورة أن تحفظ كرامة الأسير والمحرر، (فعلى حد تعبيره) لا يجوز أن يقطع راتب الأسير أو المحرر، مهما كانت المبررات، وأن يتم توحيد كافة الجهود من أجل تحرير الأسرى خاصة في ظل تطوير الاحتلال لأساليبه لتدمير الأسرى سواءً بالإهمال الطبي لقتلهم ببطئ أو من خلال تدميرهم معنوياً ونفسياً.

تحقيق الحلم

وبالحديث عن يوم التحرر؛ يستذكر المحرر حجازي ذلك اليوم بكل تفاصيله التي يملؤها الخوف والشوق والفرح، ويقول وعيناه تلمعان وكأن ذلك اليوم يمر أمام عينيه، "جنود الاحتلال لساعات طويلة كانوا يحاولون إخافتي من خلال أنهم لن يفرجوا عني، ولكن في يوم الإفراج تم إبلاغي بتجهيز نفسي وكنت حينها بسجن بئر السبع، ونقلت إلى حاجز بيت حانون، وهناك ضابط من المخابرات الإسرائيلية قال لي صراحة الآن ستعود إلى غزة ولكن ستبقى عيوننا عليك، وبعد ساعات من الانتظار تم ارشادي للتوجه إلى بوابة الخروج، وهناك وجدت حافلة تنقل الأفراد من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الفلسطيني وهناك بدأت أتنفس الصعداء، وزال الخوف والقلق وبقي الفرح.

ويقول رامي حجازي لا يمكن أن أصف فرحتي، ففي هذا اليوم 30 ايلول 2018 تحقق حلمي بعد أن كنت قد آمنت بأن الأحلام لا تتحقق وكنت آمل أن يكون والدي باستقبالي لكنه توفي قبل افراجي بسنوات قليلة.

ويشير حجازي إلى أنه بعد التحرر كان هناك صعوبة في انخراطه بالمجتمع واندماجي، ولكن الكل لمس فيه حبه للأسرى، مضيفاً "الحمد الله اليوم أعيش حياة طبيعية بين أهلي وشعبي".

الصبر جميل

والدة رامي حجازي؛ شرحت مدى صعوبة أن يغيب ولدها الوحيد عنها 15 عاماً، وأنها حرمت سنوات طويلة من زيارته، تحت حجج وذرائع واهية من الاحتلال، وتقول وهي تحاول منع دموعها من الانهمار "كنت أطمئن عليه عندما يزوره والده أو زوجته، وكم كنت أتمنى أن يشهد والده فرحة تحرره ولكنه توفي قبل ذلك".

هبة زوجة الأسير المحرر تقول إن الكل دعمها في انتظار عريسها، وتحمد الله أنها كانت على قدر المسؤولية، وأنها انتظرت وصبرت وربت ابنها حسين، الذي ولد ولم يراه والده، ليخرج يراه شاباً يافعاً يبلغ من العمر 15 عاماً.

وتضيف "في يوم الإفراج عن رامي، تحررت انا معه، وبدأت قصة حياتي الحقيقية، وقصتنا سويا كعائلة، والحمد لله أكرمنا الله بطفلين إلى جانب حسين، ونحن سعداء جداً اليوم".

حماية الأسرى واجب قانوني

يقول مدير مؤسسة الضمير لحقوق الانسان علاء السكافي إن الاحتلال لا تلتزم بأي من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، التي قامت بالتوقيع عليها وبمعايير حقوق الانسان بخصوص الأسرى، والسبب يرجع لصمت المجتمع الدولي، الأمر الذي يحتاج فعل قانوني فلسطيني ودولي لمحاسبة الاحتلال على تجاهل القانون الدولي.

ويبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال اليوم 4450 أسيرا، وذلك وفق تقرير نادي الأسير الفلسطيني، بينهم 40 سيدة و170 طفلا ونحو 380 معتقلا إداريا دون تهمة.

 

المصدر : الوطنية - هديل الغرباوي