تتولى المرأة في جمهورية مصر العربية العديد من المهام الوظيفية، ولعل آخرها توليها عدد من الوظائف في السلك القضائي، من بينها شغل منصب مأذون شرعي، والذي أثار العديد من التساؤولات حول مدى مشروعية تولى المرأة في ذلك، من الناحية الدينية وكذلك مدى تقبل المجتمع لها في هذه الوظيفة وتباينت آراء علماء الدين والاجتماع.

مفتي مصر أباح عمل المرأة كمأذون شرعي، جاء ذلك خلال اصدار مفتي جمهورية مصر العربية الدكتور علي جمعة فتوى رسمية أباح فيها عمل المرأة في وظيفة “مأذون”، لعدم تعارض ذلك مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وقال جمعة في فتواه الجديدة “للمرأة الرشيد أن تزوج نفسها وغيرها، وأن توكل في النكاح، طالما توافر فيها شرطا العدالة والمعرفة”.

واستند جمعة في فتواه إلى مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان الذي يبيح للمرأة تزويج نفسها وغيرها، قائلاً”لما كان أصل الاعتماد في دار الإفتاء المصرية لضبط الأحوال الشخصية وأحكامها الشرعية مبنياً على الراجح من مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه، ولما كان من المقرر في ذلك الفقه أن المرأة الرشيد لها أن تزوج نفسها، وأن تزوج غيرها، وأن توكل في النكاح لأن التزويج خالص حقها، وهي عندهم من أهل المباشرة”.

وأضاف جمعة قائلا “لقد أضاف المولى عز وجل النكاح والفعل إلى المرأة، ذلك يدل على صحة عبارتهن ونفاذها في قوله تعالى”فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف”(البقرة)، وقوله تعالى أيضاً “فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن”، وقوله عز وجل “حتى تنكح زوجا غيره”، وقول النبي صلي الله عليه وسلم “الأيم أحق بنفسها”.

وأكد جمعة أن مباشرة المرأة عقد النكاح ثابتة شرعاً فيما روي من أن امرأة زوجت بنتها برضاها فجاء الأولياء فخاصموها إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه، فأجاز النكاح، وما روي عن أن السيدة عائشة رضي الله عنها زوجت بنت أخيها عبدالرحمن من المنذر بن الزبير، كما أن خنساء بنت خذام أنكحها أبوها، وهي كارهة، فرد النبي صلي الله عليه وسلم ذلك.

وأشار جمعة إلى أن الفقهاء قد أجمعوا على أن الحاكم له أن يزوج بدلاً من الولي عند فقده أو غيابه، حتى قالوا “الحاكم ولي من لا ولاية له”.

كذلك أباح الشيخ عبدالحميد الأطرش رئيس لجنة الفتوى بالأزهر عمل المرأة بالمأذونية لكنه اشترط عدم توليها ولاية الزواج وطالما كان عملا مناسبا وتقدر عليه المرأة.

وأكد رئيس لجنة الفتوى أن عمر بن الخطاب عين في خلافته الشفاء بنت عبدالله العدوية محتسبة على السوق. كما تضمن القرآن الكريم صورا كثيرة من ذلك مثل ملكة سبأ وكانت امرأة.

رئيس لجنة الفتوى في فتواه لابد من توافر الشروط المؤهلة لتولية المرأة عمل المأذونية التي وضعتها الدولة من الحصول على مؤهل عال وأن تكون أزهرية أو دراسات عليا في الحقوق والقانون وتكون ملمة بعلوم الفقه الإسلامي بالإضافة إلى الشروط الأخرى التي تفرضها الدولة.

وأضاف رئيس لجنة الفتوى أن هناك شروطا شرعية يجب أن تتوفر في خروج المرأة للعمل أهمها أن تكون محتاجة للعمل أو احتياج العمل إليها مع عدم التقصير في الواجب الأساسي وهو المنزل الذي يوفر السكن والمودة والرحمة ويربي النشء وكذلك لابد من إذن الزوج لها بالإضافة إلى المحافظة على الآداب الخاصة.

ويرى الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية أن عمل المرأة كمأذون شرعي جائز شرعا، وليس هناك ما يمنع من أن تباشر المرأة عقد الزواج للمتزوجين، بشرط أن تكون على دراية تامة بما يتطلبه العقد من صيغة شرعية.

أما الدكتور عبدالفتاح إدريس رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الخبير بمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة فيرى أن عمل المرأة كمأذون شرعي غير جائز شرعا، ولا يجوز تَوَلِي المرأة وظيفة المأذون لتعارضها مع قواعد الشرع في حدوث الاختلاط والخلوة ومزاحمة مجتمع الرجال، والفصل بين المختلفين من أهل العروسين أثناء كتابة العقد والعمل على تقريب وجهات النظر، أو في حالات الطلاق كذلك أو في غيرها من الأمور التي يأباها الشرع، ويُنَزِّه المرأة المسلمة عن التعرض لمثل هذه الممارسات، مما يجعل قيامها بهذه الوظيفة محظورا من الناحية الشرعية.

ويقول الدكتور إدريس “إن عمل المأذون لا بد فيه من الاختلاط وحضور مجالس الرجال وهذا لا يجوز شرعا في حق المرأة لأنه قد يفضي الى ما حرم الله تعالى، فضلا عن أن الإسلام عندما يضع المرأة في هذا الوضع الشريف فإنه يكرمها ويرفع من شأنها ويجعلها مصونة بعيدة عن أية شبهة”، لافتا إلى أنه إذا أفضى الفعل إلى محرم كان محرما، ومن ثم فإن عمل المرأة مأذونا شرعيا يفضي الى محرم وأنه بالتالي يكون محرما ومحظورا شرعا فضلا عن أن الناس قد اعتادوا إبرام عقود الزواج بالمساجد اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولن يقبل المجتمع الإسلامي بكل ما لديه من أعراف وتقاليد راسخة أن توجَد امرأة تقوم بإبرام عقود الزواج أو الطلاق، مما يجعل الأمر أيضا شبه مستحيل من الناحية الواقعية.

المصدر : الغد