تستعرض لكم "الوطنية" الحكم الشرعي في ولاية المرأة للقضاء، وهل يخالف الدين الإسلامي، بالدليل من القرآن والسنة وهو كالتالي :-

حكم تولي المرأة للقضاء:

ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى القضاء , ولو ولِّيت أثم المولي , وتكون ولايتها باطلة , وحكمها غير نافذ في جميع الأحكام , وهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة , وبعض الحنفية .

واستدلوا على ذلك بجملة من الأدلة :

1- قول الله تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) النساء/34 . فالرجل قيم على المرأة , بمعنى أنه رئيسها وكبيرها والحاكم عليها , فالآية تفيد عدم ولاية المرأة , وإلا كانت القوامة للنساء على الرجال , وهو عكس ما تفيده الآية .

2- قوله تعالى : ( وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ) البقرة/228 .

فمنح الله تعالى الرجال درجة زائدة على النساء , فتولي المرأة لمنصب القضاء ينافي الدرجة التي أثبتها الله تعالى للرجال في هذه الآية لأن القاضي حتى يحكم بين المتخاصمين لا بد أن تكون له درجة عليهما .

3- وعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ : ( لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً ) رواه البخاري (4425) .

استدل الفقهاء بهذا الحديث على عدم جواز تولي المرأة القضاء , لأن عدم الفلاح ضرر يجب اجتناب أسبابه , والحديث عام في جميع الولايات العامة , فلا يجوز أن تتولاها امرأة , لأن لفظ ( أمرهم ) عام فيشمل كل أمر من أمور المسلمين العامة .

قال الشوكاني رحمه الله :

" فليس بعد نفي الفلاح شيء من الوعيد الشديد , ورأس الأمور هو القضاء بحكم الله عز وجل , فدخوله فيها دخولاً أولياً " انتهى .

"السيل الجرار" (4/273) .

وقالت لجنة الفتوى بالأزهر :

" إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقصد بهذا الحديث مجرد الإخبار عن عدم فلاح القوم الذين يولون المرأة أمرهم , لأن وظيفته عليه الصلاة والسلام : بيان ما يجوز لأمته أن تفعله حتى تصل إلى الخير والفلاح , وما لا يجوز لها أن تفعله حتى تسلم من الشر والخسارة , وإنما يقصد نهي أمته عن مجاراة الفرس في إسناده شيء من الأمور العامة إلى المرأة , وقد ساق بأسلوب من شأنه أن يبعث القوم الحريصين على فلاحهم وانتظام شملهم على الامتثال وهو أسلوب القطع بأن عدم الفلاح ملازم لتولية المرأة أمراً من أمورهم , ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في أي عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة , وهذا العموم تفيده صيغ الحديث وأسلوبه " انتهى .

4- وأيضاً : طبيعة المرأة وتكوينها تمنع من تولي المرأة الولايات العامة .

قالت لجنة الأزهر للفتوى بعد ذكر الاستدلال من الحديث :

" وهذا الحكم المستفاد من هذا الحديث , وهو منع المرأة من الولايات العامة ليس حكما تعبديا , يقصد مجرد امتثاله , دون أن تعلم حكمته , وإنما هو من الأحكام المعللة بمعان واعتبارات لا يجهلها الواقفون على الفروق بين نوعي الإنسان – الرجل والمرأة – ذلك أن هذا الحكم لم يُنَطْ ( أي : يعلق ) بشيء وراء الأنوثة التي جاءت كلمة ( امرأة ) في الحديث عنواناً لها , وإذن فالأنوثة وحدها هي العلة . . . إن المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها , وهي مهمة الأمومة , وحضانة النشء وتربيته , وهذه قد تجعلها ذات تأثر خاص بدواعي العاطفة , وهي مع هذا تعرض لها عوارض طبيعية تتكرر عليها في الأشهر والأعوام من شأنها أن تضعف قوتها المعنوية , وتوهن عزيمتها في تكوين الرأي والتمسك به , والقدرة على الكفاح والمقاومة في سبيله , وهذا شأن لا تنكره المرأة نفسها , ولا تعوزنا الأمثلة الواقعية التي تدل على أن شدة الانفعال والميل مع العاطفة من خصائص المرأة في جميع أطوارها وعصورها " انتهى .

5- وأيضاً : التجربة العملية لبعض الدول تدل على أن المرأة لا تصلح لتولي منصب القضاء , وأن الشرع لما نهى عن تولي المرأة الولايات العامة جاء بما يحقق المصالح ويدفع المفاسد ؛ بما لا يراه ولا يعلمه أصحاب النظر القاصر .

ففي إحدى الدول الإسلامية فتحت وزارة العدل أبواب القضاء أمام النساء النابغات , ولكن بعد تجربة خمس سنوات عزلت جميع هؤلاء النساء القاضيات !! وأغلقت أمام المرأة أبواب المعهد العالي للقضاء بسب فشلهن في التجربة , رغم ما أتيح لهن من فرص التعليم والتدريب ، ورغم ما حصلن عليه من درجات تفوق الرجال في المجال النظري .

وفي دولة إسلامية أخرى فتح مجال القضاء للنساء ثم اضطرت الدولة بعد فشلهن أن تنقلهن من المحكمة إلى المجال الفني وقسم البحوث .

وهذا يدل على أن المرأة ليست أهلاً للقضاء .

6- وأيضاً : لأن القاضي مطالب بالحضور في محافل الرجال والاختلاط بالخصوم والشهود وقد يحتاج إلى الخلوة بهم , وقد صان الشرع المرأة , وحفظ لها شرفها وعرضها , وحفظها من عبث العابثين , وأمرها بلزوم بيتها , وعن الخروج منه إلا لحاجة , ومنعها من مخالطة الرجال والخلوة بهم لما في ذلك من خطر على كيان المرأة وعرضها .

7- وأيضاً : القضاء يحتاج إلى زيادة الذكاء والفطنة وكمال الرأي والعقل , والمرأة أنقص من الرجل في ذلك , وهي قليلة الخبرة بأمور الحياة وحيل الخصوم .

إضافة على ذلك : ما يعرض لها من عوارض طبيعية على مر الأيام والشهور والسنين من الحيض والحمل والولادة والرضاع . . . إلخ مما يوهن جسمها , ويؤثر على كمال إدراكها للأمور , مما يتنافى مع منصب القاضي ومكانته .

آراء العلماء حول تولي المرأة للقضاء :-

 اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

أ) القـــــول الأول : المنع مطلقا .
وهو قول الجمهور ( الحنابلة والشافعية والمالكية وزفر من الحنفية )(1)
قال ابن قدامه :( أحدها‏:‏ الكمال وهو نوعان كمال الأحكام‏,‏ وكمال الخلقة أما كمال الأحكام فيعتبر في أربعة أشياء أن يكون بالغا عاقلا حرا ذكرا)(2)                                              قال الإمام القرافي:( وهو أن يكون ذكرا لان يقضي الأنوثة يمنع من زجر الظالمين وتنفيذ الحق)(3) قال الفيروز آبادي :( وينبغي أن يكون القاضي ذكراً...)(4) 
أدلة القول الأول :
1- قوله تعالى : {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ)النساء (34)
وجه الاستدلال: أن (أل) هنا للاستغراق  فتشمل جميع النساء والرجال في جميع الأحوال والأصل وجوب العمل بالعام حتى يأتي مايخصصه ولا مخصص هنا .
قال الإمام ابن كثير عليه رحمة الله : ( أي هو رئيسها ، وكبيرها و الحاكم عليها و مؤدبها إذ اعوجت , بما فضل الله بعضهم على بعض أي  لأن الرجال أفضل من النساء و الرجل خير من المرأة ، و لهذا كانت النبوة مختصة بالرجال ، و كذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم : (لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ...) و كذا منصب القضاء ، وغير ذلك ، ( و بما أنفقوا من أموالهم ) أي من المهور ، و النفقات و الكلف التي أوجبها الله عليهن في كتابه ، وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه ، و له الفضل عليها ، والإفضال , فناسب أن يكون قيما عليها كما قال الله تعالى : ( و للرجال عليهن درجة ).
و قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس  رضي الله عنهم : ( الرجال قوامون على النساء ) (( يعني أمراء عليها أن تطيعه فيما أمرها به من طاعته ، و طاعته أن تكون محسنة لأهلها حافظة لماله)(1)

2- قوله تعالى:( وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى .... الآية )البقرة 282
وجه الاستشهاد : أن الله جعل شهادة المرأة نصف شهادة الرجل وعلل ذلك بقوله :( أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى .) فالمرأة الواحدة عرضة للنسيان والضلال فجعل معها أخرى تذكيرا لها وهذا في الشهادات فكيف بالقضاء الذي فيه حقوق الناس وليس من حفظ الحقوق تعريضها للنسيان والنقص.
وقد بين النبي صلى الله عليه سبب ذلك كما في الحديث التالي :
. فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى، أو في فطر إلى المصلى فمر على النساء، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر النساء: تصدقن؛ فإني أُرِيتكن أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن، قلن وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل، ولم تصم؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان دينها" (2)

3- قصة ملكة سبأ: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}النمل23

وجه الاستدلال : 
أ- استنكار الهدهد لوجود امرأة تحكم هؤلاء القوم .
ب- إزالة سليمان عليه السلام لملكها ولو كان ذلك سائغاً لأقرها عليه ودعاها للإسلام فقط ولكنه قال :( ألا تعلوا علي ).
ج- أنه أخذ ملكها خلسة بإرسال الجن له ولو كان حكمها جائز لما أزاله بالخلسة.

4-قوله تعالى {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى..... } الأحزاب33
وجه الاستدلال :
أن الله أمر المرأة بالقرار في البيت والقضاء يوجب خروجها واختلاطها بالرجال بالبروز لهم مما ينافي الآية
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ )) أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة)(1)
روى البخاري في صحيحه عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن)(2)
يقول العيني في شرح هذا الحديث : (قال ابن بطال : في هذا الحديث دليل على أن النساء يخرجن لكل ما أبيح لهن الخروج ، من زيارة الآباء والأمهات وذوي المحارم ، وغير ذلك مما تمس به الحاجة)(3

5-من السنة : فلم يرد عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه ولى امرأة على القضاء أو إحدى الولايات العامة ولو كان ذلك حقاً لها لما حرمها منه النبي صلى الله عليه وسلم .
6- قوله صلى الله عليه وسلم ( لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة )(4). 
وذلك عندما أخبر أن بنت كسرى تولت الحكم بعد أبيها .
وجه الاستلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من أسباب عدم الفلاح تولي المرأة للولايات العامة والقضاء نوع من أنواع الولاية وان كان الحديث جاء في موقف خاص فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
قال الصنعاني ـ رحمه الله تعالى ـ : "فيه دليل على أن المرأة ليست من أهل الولايات ، ولا يحل لقومها توليتها لأن تجنب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب)(1) 
قالت لجنة كبار علماء الأزهر في شرحها للحكم المستنبط من هذا الحديث: "وظاهر أن الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لا يقصد مجرد الإخبار عن عدم فلاح هؤلاء القوم الذين يولون المرأة أمرهم لأن وظيفته ـ عليه الصلاة والسلام ـ بيان ما يجو لأمته أن تفعله حتى تصل إلى الخير والفلاح ، وما لا يجوز لها أن تفعله حتى تسلم من الشر والخسارة، وإنما يقصد نهي أمته عن مجاراة الفرس في إسناد شيء من الأمور العامة إلى المرأة ، وقد ساق ذلك بأسلوب من شأنه أن يبعث القوم الحريصين على خلاصهم وانتظام شملهم على الامتثال، وهو أسلوب القطع بأن عدم الفلاح ملازم لتولية المرأة أمراً من أمورهم، ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في كل عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة ، وهذا العموم تفيده صيغة الحديث وأسلوبه كما يفيده المعنى الذي كان من أجله المنع. وهذا ما فهمه أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وجميع أئمة السلف ، لم يستثنوا من ذلك امرأة ولا قوماً ولا شأناً من الشؤون فهم جميعاً يستدلون بهذا الحديث على حرمة تولي المرأة الإمامة الكبرى والقضاء وقيادة الجيوش وما إليها من الولايات العامة)(2) 
 7-قول النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)(3) 
وجه الدلالة : بيان أن أهم واجبات المرأة العامة التي تسأل عنها بين يدي الله تعالى (ديانة) هي على مسئوليتها عن بيتها، وهو صريح في أن هذا هو الواجب المقدم على غيره، ثم قام بالمنع من غيره في الولاية العامة ما تقدم من الأدلة، ويعضد هذا: صيغة الحديث من مبدئها حيث بينت مسئولية الواجبات على أفراد المؤمنين رجالاً ونساءً في الجملة ـ أعني الواجبات الاجتماعية بين الناس مع بعضهم ـ إذ قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ (ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته ، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعيته ، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، والمرأة..) . 
قال البغوي في شرح السنة :( معنى الراعي هنا الحافظ المؤتمن على من يليه؛ أمرهم النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بالنصيحة فيما يلونه وحذرهم الخيانة فيه بإخباره أنهم مسئولون عنه ، فالرعاية : حفظ الشيء وحسن التعهد ، فقد استوى هؤلاء في الاسم (الراعي) وإن كانت معانيهم فيه مختلفة فرعاية الإمام: ولاية أمور الرعية، والحياطة من ورائهم وإقامة الحدود والأحكام فيهم، ورعاية الرجل أهله : بالقيام عليهم في النفقة وحسن العشرة، ورعاية المرأة في بيت زوجها بحسن التدبير في أمر بيته والتعهد لخدمته وأضيافه"(1)
والحديث ظاهر في أن الأصل في المرأة العمل داخل البيت لا خارجه، وما عداه فيحتاج فيه إلى المبرر على الخروج، والولاية العامة قد علم الناس جميعاً أن الأصل فيها الخروج والبروز لا البقاء في البيت، ولأحمد من حديث أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال : (ما من راع يسأل يوم القيامة أقام أمر الله أم أضاعه)(2 ولابن حبان بسند صحيح عن أنس : (إن الله سائل كل راع استرعاه حفظ ذلك أو ضيعه). (3)     
ويؤيد هذا الأصل المفهوم من الحديث ما قرره ابن حجر ـ رحمه الله ـ في شرح هذا الحديث : "قوله (المرأة راعية في بيت زوجها) إنما قيد بالبيت لأنها لا تصل إلى ما سواه غالباً إلا بإذن خاص". فإن تولته تكون مضيعة ـ في الغالب ـ لواجبها الأهم.)(4)
ولقد جعل الإمام السيوطي هذا الحديث بمثابة تحديد الوالي والمولى عليه آخذاً ذلك من لفظ (راع) المستدعي رعيته ، فقال : "كلكم راع أي حافظ مؤتمن صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره"(1)
 8-قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (القضاة ثلاثة : اثنان في النار وواحد في الجنة : رجل عمل الحق فقضى به فهو في الجنة ، ورجل قضى في الناس على جهل، فهو في النار، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار)(2)
إذ قال مجد الدين بن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ : "وهو دليل على اشتراط كون القاضي رجلاً" ، وأقر الشوكاني ، إذ قال في النيل : " دل بمفهومه على خروج المرأة اهـ (3)
أي من جواز أن تكون قاضية لقول الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : (رجل علم الحق، ورجل قضى في الناس على جهل ، ورجل عرف الحق..)"

9- إجماع الصحابة رضي الله عنهم فلم يرد مخالفة لهم في المسألة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) .(3)
وماهذا الإجماع إلا تطبيقا لما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من النبي صلى الله عليه وسلم.
10- أن المرأة تعرض لها عوارض مستمرة كالحيض والحمل والرضاع ونحوها مما قد يؤثر في الحكم بين الناس .
11- أنه ثبت واقعياً عدم تحمل المرأة النظر في بعض القضايا التي فيها قتل ودماء ونحوها وذكر المستشار المصري محمد رأفت عثمان: أن إحدى القاضيات أغمي عليها في مجلس القضاء عندما كانت تحكم في قضية قتل .


 
ب) القول الثـــــــاني :
جواز توليها القضاء فيما تصح شهادتها فيه ( سوى الحدود والقصاص) وهو قول الأحناف  وابن قاسم من المالكية .(1)
قال الامام الكاشاني:( وأما الذكورة فليست من شرط جواز التقليد في الجملة لان المرأة من أهل الشهادات في الجملة الا أنها لا تقضى بالحدود والقصاص لانه لا شهادة لها في ذلك وأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة )(2) 
أدلتــهــم: 
1)    قياس القضاء على الشهادة فأهلية القضاء تدور مع أهلية الشهادة ... وهذا أقوى دليل لديهم..
2)     قوله تعالى :(إن الله يأمركم أن تأدوا الأمانات إلى أهلها ..) النساء58
وجه الاستدلال : ان الآية عامة فتشمل الرجال والنساء ومن أعظم الأمانات أمانة القضاء.
3)    وقوله صلى الله عليه وسلم :(النساء شقائق الرجال ).(3)
وجه الاستلال : ان الآية عامة فلم تفرق بين القضاء وغيره
4)    وقوله :(والمرأة راعية في بيت زوجها ...).
وجه الاستدلال:  فقالوا بما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل لها الولاية في بيت زوجها فهذا دليل على أنها أهل للولاية .
 

ج) القول الثـالـــث: 
الجواز المطلق وهو قول ابن حزم الظاهري وابن جرير الطبري وهو قول عند الأحناف .(1)
قال ابن حزم لرحمه الله:( - مَسْأَلَةٌ : وَجَائِزٌ أَنْ تَلِيَ الْمَرْأَةُ الْحُكْمَ 
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ رُوِيَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ وَلَّى الشِّفَاءَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ السُّوقَ. 
فإن قيل : قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ أَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إلَى امْرَأَةٍ. 
قلنا : إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي الأَمْرِ الْعَامِّ الَّذِي هُوَ الْخِلاَفَةُ. 
برهان ذَلِكَ : قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى مَالِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْئُولَةٌ ، عَنْ رَعِيَّتِهَا. وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيُّونَ أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً وَوَكِيلَةً وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ مَنْعِهَا أَنْ تَلِيَ بَعْضَ الأُُمُورِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.) .(2)
 أدلتــهــم:
ومن خلال التأمل في أدلة القائلين بهذا القول قديما وحديثا  فإنها ترجع بالجملة إلى ما يلي::
1- أن الأصل الإباحة ولم يرد دليل صريح بالمنع .
2- قصة ملكة سبأ وأنها أثبتت حكمتها في الولاية وذلك بقولها (ماكنت قاطعة أمرا حتى تشهدون) .
وقولها ( إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون)النمل28
3-قولة تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58.
وجه الاستدلال : أن الله أمر بأداء الأمانات ومن أعظم الأمانات أمانة القضاء ثم إن اللفظ عام فيشمل المرأة والرجل على حد سواء. 
4- استشارة النبي صلى الله عليه  وسلم لأم سلمه في عمرة الحديبية عندما رفض أصحابة التحلل فأشارت عليه أن يفعل التحلل أمامهم ويذبح الهدي ففعل عليه الصلاة والسلام واستجاب الصحابة له .(3)
ووجه الاستلال : أن أم سلمه أظهرت حكمتها واستجاب لها النبي صلى الله عليه وسلم فدل على وجود الحكمة عند النساء فلا يمنع من توليها للقضاء .
5- خروج عائشة رضي الله عنها قائدة للجيش في معركة الجمل .
وجه الاستشهاد: أن عائشة رضي الله عنها تولت قيادة الجيش ولو كان تولي المرأة للمناصب القيادية غير جائز لما تولت عائشة رضي الله عنها قيادة الجيش ومن تلك  المناصب منصب القضاء.(1)
6- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولى امرأة اسمها الشفاء محتسبة في السوق فلو كان تولي المرأة للمناصب الكبرى محرماً لما فعل عمر ذلك .(2)
7- مشاركة الصحابيات في الجهاد  أيام النبي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على تحمل المرأة للمشاق وقدرتها على ذلك .
8- قياس القضاء على الإفتاء: فبما أن المرأة يجوز لها الإفتاءكذلك يجوز  لها القضاء إذ أنه لافرق بينها فكل من الأمرين فيه بيان لحكم الله.
8- الاستدلال بما حصل لشجرة الدر التركية وأنها تولت الولاية العامة ثلاثة أشهر ولم يرد استنكار العلماء لها في ذلك الزمان  .
 

المصدر : وكالات