تسابق العشرات من الشركات من مجال التكنولوجيا الحيوية إلى الشركات الكبرى للأدوية، لتطوير لقاح آمن وفعال لفيروس "كورونا"، لتلبية الاحتياجات الطبية العاجلة.

ويكون لقاح وباء "كوفيد-19" أداة حاسمة في السيطرة على الجائحة عندما يقترن بالفحص الفعال وتدابير الوقاية القائمة.

ويعمل الخبراء في جميع أنحاء العالم جاهدين للتعجيل بتطوير وإنتاج لقاح آمن وفعال.

ويعد الخطر الذي يشكله المرض القاتل 19 بالنسبة للأطفال هائل ويتجاوز الآثار البدنية المباشرة للمرض.

ومع استمرار فرض قيود الحجر الصحي أو إعادة فرضها، قد تتأثر فرص وصول الأطفال إلى الخدمات الصحية الأساسية تأثراً خطيراً.

فانخفاض مستويات تغطية الرعاية الصحية الروتينية والركود الذي يلوح في الأفق وكلاهما ناتجان عن الجائحة يهددان صحة ومستقبل جيل من الأطفال.

يستغرق تطوير لقاح آمن وفعال وقتاً، ويوجد حالياً ما يزيد على 200 لقاح مرشح قيد التطوير، والعديد منها قيد التجارب السريرية.

ووصل عدد من هذه اللقاحات المرشحة المرحلة الثالثة من التجارب السريرية وهي الخطوة الأخيرة قبل الترخيص باللقاح.

وبالنظر إلى الجداول الزمنية المتسارعة التي يعمل أصحاب المصلحة العالميون استنادا إليها، نتوقع أن تكون بعض اللقاحات قد أكملت تجاربها السريرية وتمت الموافقة على استخدامها في عام 2021.

مودرنا، فايزر، أسترازينيكا… أسماء مختبرات طبية شهيرة انخرطت في سباق محموم في الأشهر الأخيرة لتطوير أول لقاح ضد كوفيد-19.

وفي حين أن النتائج التي تم الإعلان عنها في نوفمبر/تشرين الثاني مشجعة للغاية، فإن لكل لقاح محتمل خصائصه: منهج اكتشافه والجرعة التي يتم تناولها وطريقة التخزين…

أيام قليلة فقط فصلت بين الإعلان الكبير لعدد من المختبرات الطبية عن فعالية لقاحها ضد كوفيد-19. 

لتحالف الألماني الأمريكي للتكنولوجيا الحيوية بيونتيك وفايزر افتتح السباق في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني بالإعلان عن نجاحه في إنتاج مصل فعال بنسبة 90%.

وبعدها بيومين، دخل الروس على الخط، من معهد جمالايا، بل مزايدين على بيونتيك وفايزر بالإعلان عن فعالية لقاحهم بنسبة تصل إلى 92%.

ثم جاءت الشركة الأمريكية مودرنا من بعدهما لتعلن عن نسبتها التي وصلت إلى 94,5 بالمئة. ثم عاد مؤخرا تحالف بيونيك وفايزر ليعلن عن نتيجتها النهائية التي وصلت إلى 95%.

في هذه المنافسة العالمية المحمومة، التي تنخرط فيها رهانات مالية هائلة، يحاول كل مختبر شغل الساحة الإعلامية بلقاحه المنتظر بغرض جمع أكبر عدد من الطلبات المسبقة عليه.

ومع ذلك فمن الجدير بالذكر أن هذه النتائج ليست سوى نتائج جزئية للمرحلة الثالثة من التجارب التي لا تزال مستمرة وتتطور سريعا، والتي تضم عددا قليلا من المتطوعين.

وأن هذه البيانات، التي تحدثت عنها الصحافة الإخبارية، لم يتم نشرها بالتفصيل في مجلة علمية.

كما أن هناك عدة أسئلة لا تزال بلا إجابة، على سبيل المثال: ما هي مدة المناعة التي توفرها هذه اللقاحات؟ هل تم إثبات الفعالية أيضا فيما يخص الأشخاص الأكثر ضعفا؟ هل هناك أية آثار جانبية خطيرة؟

من بين 48 لقاحا مرشحًا تم تحديدها في نوفمبر/تشرين الثاني من قبل منظمة الصحة العالمية، سنلقي الضوء فقط على اللقاحات التي وصلت للمرحلة الأكثر تقدما، والذي قيست خلالها فعالية اللقاح على عشرات الآلاف من المتطوعين المنتشرين في عدة قارات.

أي لقاحات مودرنا، والتحالف الألماني الأمريكي بيونتيك فايزر، ومعهد الأبحاث الروسي جمالايا (المسمى سبوتنيك v).

أما المشروع الأوروبي الذي تقوده جامعة أكسفورد مع شركة أسترازينيكا البريطانية وكذلك مشروع المختبر الصيني “صينوفارم” فهما أيضا في المرحلة الثالثة، لكنهما لم يقدما نتائجهما بعد.

أما اللقاحات الأخرى فهي لا تزال في المرحلة الأولى (التي تهدف قبل كل شيء إلى تقييم سلامة المنتج) أو في المرحلة الثانية (حيث يتم بالفعل استكشاف مسألة الفعالية).

فايزر

في وقت سابق من هذا الشهر، حقق تعاون أمريكي ألماني بين شركة Pfizer وBioNTech تقدمًا كبيرًا بإعلان نتائج المرحلة الثالثة من تجربة لقاح mRNA.

وأضافت أن اللقاح أثبت فعاليته بنسبة 90 بالمئة في الوقاية من أعراض كوفيد -19 ولم ينتج عنه آثار جانبية ضارة بين آلاف المتطوعين.

تسعى شركة Pfizer حاليًا للحصول على إذن للاستخدام في حالات الطوارئ من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) وتتوقع طرح جرعات أولية قريبًا، بإجمالي 1.3 مليار جرعة ستتم إدارتها بحلول نهاية العام المقبل.

موديرنا

وقالت شركة Moderna الأمريكية للتكنولوجيا الحيوية، أمس الاثنين، إن لقاحها فعال بنسبة 95 بالمئة تقريبا.

تخطط شركة موديرنا لتقديم طلبات للحصول على موافقة الطوارئ في الولايات المتحدة وحول العالم في غضون أسابيع، وتقول إنها تتوقع أن يكون لديها ما يقرب من 20 مليون جرعة جاهزة للشحن في الولايات المتحدة بحلول نهاية العام.

وتقول إنها في طريقها لتصنيع ما بين 500 مليون إلى مليار جرعة على مستوى العالم في عام 2021.

لقاحات الصين ولقاح أكسفورد

بالإضافة إلى ذلك، يُعتقد أن العديد من المختبرات الصينية التي تديرها الدولة ومشروع أوروبي بقيادة جامعة أكسفورد وأسترا زينيكا من بين اللقاحات المرشحة الواعدة.

لقاحان روسيان

سجلت روسيا بالفعل لقاحين لـ كوفيد-19، حتى قبل اكتمال التجارب السريرية.

ما هي أنواع اللقاحات؟

بعض طرق صنع اللقاح مجربة وصحيحة، بينما البعض الآخر لا يزال تجريبيًا.

تستخدم اللقاحات “الكلاسيكية” المعطلة جرثومة فيروسية تم قتلها، بينما يستخدم البعض الآخر سلالة ضعيفة أو “موهنة” تكون خبيثة بدرجة كافية لإثارة الأجسام المضادة ولكن لا تسبب المرض.

تحتوي ما يسمى بلقاحات “الوحدة الفرعية” على جزء من العامل الممرض الذي يتم اشتقاقه منه لإنتاج استجابة مناعية مناسبة.

تستخدم أصناف “ناقلات الفيروس” أشكالًا أخرى من الفيروسات الحية لتوصيل الحمض النووي إلى الخلايا البشرية، مما يؤدي إلى استجابة مناعية.

فيروس الحصبة المعدل ببروتين فيروس كورونا، على سبيل المثال، يمكن أن ينتشر ضد كوفيد-19.

تعتمد لقاحات Pfizer وModerna على تقنية جديدة تستخدم نسخًا تركيبية من الجزيئات تسمى messenger RNAs لاختراق الخلايا البشرية، وتحويلها بشكل فعال إلى مصانع لقاحات.

تجارب لقاحين مرشحين – من إنتاج شركة Johnson & Johnson و Eli Lilly – تم “إيقافها مؤقتًا” مؤخرًا بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.

قال ستيفن إيفانز، أستاذ علم الوبائيات الدوائية في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة، إن هذه ليست بالضرورة أخبارًا سيئة.

وأضاف: “حقيقة أن المحاكمات متوقفة يجب أن تشير إلى أنه يجب أن تكون هناك ثقة في أن العملية برمتها لمراقبة سلامة المشاركين في التجربة تعمل بشكل جيد”.

كما تثير الحالات الأخيرة التي أصيب فيها مرضى كورونا المتعافون مرة أخرى بسلالة جديدة، التساؤل حول المدة التي قد تستمر فيها اللقاحات.

في أكتوبر، قالت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إنها ستحتاج إلى رؤية بيانات متابعة لمدة شهرين بعد التطعيم قبل إعطاء إذن طارئ لأي استخدام للقاح.

لاحظت وكالة الأدوية الأوروبية (EMA) أن “ما يختلف في لقاحات كورونا هو أن سرعة التطوير والموافقة المحتملة تكون أسرع بكثير بسبب حالة الطوارئ الصحية العامة، لكن حتى تلك الحاجة الملحة لا يمكنها التغلب على قواعد السلامة”.

وقالت في بيان: “قبل الموافقة، يتم تقييم جميع اللقاحات في الاتحاد الأوروبي مقابل نفس المعايير العالية مثل أي دواء آخر”.

النتائج التي أعلنت عنها شركتا فايزر ومودرنا تبدو “مبشرة للغاية”. هذا هو تقييم عالِم الوراثة أكسل خان الذي أدلى به لفرانس24 الاثنين 16 نوفمبر/تشرين الثاني.

واعتمدت المعامل على طرق مختلفة بعضها مثبت بالفعل والبعض الآخر جديد من نوعه لإنتاج لقاحها.

فالشركتان مودرنا وفايزر راهنتا على تقنية جديدة تعتمد على لقاحات “الدي إن إيه” أو “الآر إن إيه” (الحمض النووي الريبوزي) وهي منتجات تجريبية تستخدم أجزاء من مواد جينية معدلة.

بصورة عملية، نقوم بحقن جزيء ”الآر إن إيه” المرسال، الذي يخبر الخلايا بما يجب أن تصنعه. بهذه الطريقة، ليس من الضروري زراعة العامل الممرض في المختبر، فجسم الكائن الحي هو من يقوم بالعمل.

في حين أن النتيجة، هي تطوير سريع لهذا النوع من اللقاحات. لكن المصل، الملفوف في كبسولة دهنية واقية، يجب تخزينه في درجة حرارة منخفضة للغاية، مالا يقل عن 70 درجة مئوية تحت الصفر للقاح فايزر مقابل 20 درجة مئوية تحت الصفر للقاح مودرنا، وذلك لأن “الآر إن إيه” هش للغاية.

هناك خصوصية أخرى: من الضروري وجود جرعتين ليكون اللقاح فعالا (تفصل بينهما ثلاثة أسابيع في لقاح مودرنا وأربعة أسابيع في لقاح فايزر)، وهو ما سيعقد خدمات الشحن والنقل والتخزين وكذلك الإنتاج.

فيما فضل المصنعون الآخرون (مثل صينوفارما) الاعتماد على طرق أكثر تقليدية تستخدم فيروسا “ميتا”. وهي ما تسمى باللقاحات “المُعطَّلة”، مثل لقاحات شلل الأطفال أو الأنفلونزا، أو “المُضْعَفة” (كلقاحات الحصبة أو الحمى الصفراء).

 ثم يتم حقن المنتج في الجسم لتحفيز جهاز المناعة، والذي سينتج أجساما مضادة معينة.

وهناك لقاحات أخرى، معروفة باسم لقاحات “ناقلات الفيروس”، أكثر ابتكارا: فنحن نتخذ كداعم فيروسا آخر نقوم بتحويله وتكييفه للتصدي لكوفيد-19.

وهذه هي التقنية التي اختارتها جامعة أكسفورد وأيضا من قبل الروس الذين يستخدمون فيروسات غُدِّيَّة (عائلة من الفيروسات الشائعة جدا).

بمجرد أن يتم إنتاج الجرعات، يجب أن تكون جاهزة للحقن. يعد هذا تحديا لوجستيا كبيرا للمختبرات التي سيتعين عليها شحن لقاحاتها. خاصة لتلك المختبرات التي تعتمد لقاحاتها على “الآر إن إيه” المطور.

في الواقع، يجب تخزين هذا النوع من اللقاح في درجة حرارة منخفضة للغاية.

وأدى الإعلان عن أن درجة حرارة تخزين لقاح بيونتيك وفايزر هي 70 درجة مئوية تحت الصفر على الأقل إلى فتور العديد من البلدان تجاه هذا اللقاح.

حتى وإن كانت الحكومة الفرنسية من جانبها قد حجزت بالفعل 90 مليون جرعة. وأعلن وزير الصحة الفرنسي، أوليفييه فيران، عن التقدم بطلب شراء 50 مجمدا فائقا لتخزين اللقاحات فيها.

من جانبها، يبدو أن مودرنا لديها ميزة تمنحها الأفضلية، فلقاحها يمكن تخزينه في درجة حرارة 20 درجة مئوية تحت الصفر في المجمدات لمدة ستة أشهر، وفي الثلاجة بين درجتين و8 درجات مئوية لمدة 30 يوما، وفي درجة حرارة الغرفة لمدة 12 ساعة. لكن الأوروبيين لم يشتروا حتى الآن أية جرعة من لقاحها.

وإلى الآن قتلت جائحة كوفيد-19 ما لا يقل عن 1,34 مليون شخص في جميع أنحاء العالم. وهناك أكثر من 55 مليون حالة إصابة رسميا.

المصدر : وكالات