أثارت الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، الجدل عبر مواقع التواصل الإجتماعي خلال الساعات الماضية، بفتوى جواز زواج المسلمة من غير المسلم ، الأمر الذي دفع الكثيرين للتساؤول عن الحكم الشرعي في جواز المسلمة من غير المسلم.

أجمع الفقهاء قديما وحديثا على تحريم زواج المسلم من مشركة وعلى تحريم زواج المسلمة من مشرك قال تعالى: وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) البقرة

وقال شيخ المفسرين الإمام الطبري: "إن الله قد حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركاً كائناً من كان المشرك، ومن أيّ أصناف الشرك كان، فلا تُنكحوهنَّ أيها المؤمنون منهم، فإنّ ذلك حرام عليكم، ولأن تزوجوهن من عبدٍ مؤمن مصدق بالله وبرسوله وبما جاء به من عند الله، خير لكم من أن تزوجوهن من حر مشرك ولو شرُف نسبه وكرم أصله، وإن أعجبكم حسبه ونسبه"، وقال الإمام القرطبي: "أي لا تزوجوا المسلمة من المشرك، وأجمعت الأمة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه؛ لما في ذلك من الغضاضة على الإسلام".

والاختلاف قائم حول زواج المسلم بكتابية، فهناك من العلماء مَن منع لاعتبارات عديدة، والراجح الجواز لعموم الآية المُبيحة، مع الضوابط المعلومة، والمسألة تتعلق بالفتوى أكثر من الحكم، وليس محل بحثها حاليا.

سيقول قائل: لن تتزوج المسلمة بمشرك إنما بكتابي، فأين دليل الحرمة؟ نقول: أباح الله زواج المسلم من أهل الكتاب بعد تحريم زواج المشركة بقوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ …" المائدة: 5

ولو لم تنزل هذه الآية لبقى التحريم والحظر عام على المسلم. ما يعنى تحريم الزواج من المشركة والكتابية على السواء، لكن لمَّا ثبت تخصيص المحصنات من الذين أوتوا الكتاب، ولم يثبت تخصيص الرجال من أهل الكتاب، بقي النهى والتحريم على أصله وإطلاقه في حق المسلمة، وهذه نقطة مركزية في فهم دليل التحريم.

 دليل الإجماع يؤكد التحريم، ويقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: "اختلاف الأفهام في حكمٍ أمْرٍ ما محتمل، فإذا تقرر الحكم – مُرتكِزا على نقل ثابت – وارتفعت الاحتمالات التي قد تنصَب لاعتراضه، ووقع الاتفاق من أهل الذكر على قبوله، فمعنى ذلك أن الحكم حق، وأن الأمة أجمعت عليه، وأن على سائر المسلمين الأخذ به دون توقف، وقد عرَّف العلماء الإجماع بأنه " اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر ما على حكم شرعي"، ثم يقول: ومنزلة الأمة الإسلامية كبيرة عند الله، وإعزازه لها يبعد معه أن تضل في فهم أو تزل في حكم، ويقول الله تعالى: "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ .." البقرة: 143

أي أنَّ الله جعل المسلمين حجة على الناس في قبول أقوالهم، كما جعل الرسول حجة على المسلمين في قوله، وبديهي أن المقصود بالمسلمين ليس هَمَلُهم الذين لا يحسنون صنعا ولا قولا، بل هم أهل العلم والتُّقى، والخبراء في فقه الكتاب والسنة، وقد تظاهرت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووردت بألفاظ مختلفة على ألسنة الثقات مثل قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تجتمع أمتي على ضلالة "عليكم بالسواد الأعظم". انتهى باختصار وتصرف يسير.

فما بالنا إن كان الإجماع هو إجماع الصحابة بلا خلاف، ومن جاء بعدهم من التابعين وقوافل الفقهاء والمفسرين والمحدثين عبر القرون الغابرة إلى يومنا، وما يجدر ذكره ويؤكد التحريم أن هناك نزاعا كبيرا بين العلماء فيمن أسلمت قبل زوجها، هل يُفَرق بينهما أم تبقى تحته دون أن يقربها أم يبقى الزواج على حاله؟ وقد ناقش المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث تلك القضية في عدد من الدورات المتتابعة ونشرت مجلته العلمية بحوثا رصينة في هذا الموضوع.

والمستفاد هنا: كون النزاع دائر فيمن أسلمت قبل زوجها فمتقضى ذلك: أن الأصل عدم صحة زواجها منه ابتداءً، يقول الشيخ فيصل مولوي رحمه الله في بحثه القيم إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه: "الإجماع منعقد فعلا بين جميع المذاهب السنية الأربعة والظاهرية مع الشيعة الجعفرية والزيدية، ولم نسمع ما يخالف ذلك عن أحد من العلماء المجتهدين، أن المسلمة لا تحل لغير المسلم….." باختصار

 

المصدر : الجزيرة نت