لم تكن الفترة التي عاشها الفلسطينييون في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، مفروشة بالورود، بل تعرضت قضيتهم خلال 4 سنوات من حكمه، لشتى أنواع العذاب، بدءًا بـ "صفقة القرن" مرورًا بـ "خطة الضم" وانتهاءًا باتفاقيات التطبيع.

ودخل المرشح الديمقراطي جو بايدن حلبة الانتخابات الأمريكية، ليتمكن من الإطاحة برجل الثروات، بعد منافسة تعد الأشرس في تاريح الولايات المتحدة.

ولم يخف الفلسطينيون ارتياحهم بفوز بايدن وخسارة ترمب، في السباق الانتخابي نحو البيت الأبيض، حيث وصفوا مرحلة الأخير بـ "الأسوأ" آملين أن تكون الإدارة الجديدة أفضل نوعًا ما.

ويرى محللون سياسيون، أن عقلية الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة بايدن، والسابقة برئاسة ترمب، لا تختلف كثيرًا ولا تتناقض، في تعاملها مع الملف الفلسطيني و"الإسرائيلي".

وأشعلت توقيعات ترمب التي طبعت على أوراق قضايا الفلسطينيين السياسية، الغضب في هاجسهم؛ لكونها تهدف لقتل قضيتهم حتى لشطبها.

ففي 6 ديسمبر/ كانون الأول 2017، أعلنت إدارة الرئيس السابق لأمريكا اعترافها بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، وفي مايو/ أيار 2018، نقل سفارة واشنطن من "تل أبيب" إلى القدس، وفي 16 يناير/كانون أول 2018، بدأت واشنطن تقليص مساعداتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وفي 3 أغسطس/ آب 2018، قررت قطع كافة مساعداتها.

وفي 2 أغسطس/آب 2018، أعلنت السلطة الفلسطينية أن الإدارة الأمريكية أوقفت كل مساعداتها للفلسطينيين، بما يشمل المساعدات المباشرة للخزينة وغير المباشرة، وفي 10 سبتمبر/أيلول 2018، أغلقت الإدارة الأمريكية مكتب منظمة التحرير بواشنطن، وحساباتها المصرفية، وبعد أيام طردت السفير الفلسطيني لديها حسام زملط وعائلته.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، أعلن ترمب، خطة "صفقة القرن"، وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، سمحت واشنطن لمواليد القدس من الأمريكيين، بتسجيل "إسرائيل" مكانا للميلاد، وأخيرًا رعايته لاتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين والسودان مع "إسرائيل".

لا اختلاف

وقال المحلل السياسي أليف صباغ، إن بايدن لن يكون مختلفًا عن ترمب، مشيرًا إلى أن الاختلاف في الأسلوب أكثر منه في الجوهر.

وأوضح صباغ، خلال حديثه لـ "الوطنية"، أنه إذا قام الفلسطينيون (السلطة، منظمة التحرير، الفصائل) بجهد كبير لإلزام بايدن بالشرعية الدولية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، يمكن أن يتغير موقفه.

وأكد أن الجهد الفلسطيني ربما يغير موقف بايدن ويصبح مختلفًا في المضمون عن موقف ترمب، وبالتالي يمكن تعليق الآمال على هذا الجهد.

وأشار إلى أن "إسرائيل" لا تنتظر، فالجرذان الإسرائيلي، بدأت تنخر في البيت الأبيض الجديد، للحفاظ على الإنجازات التي حققتها في فترة ترمب.

ولفت إلى أن تهنئة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبايدن وهو يتحدث إليه كصديق، مخاطبًا إياه قائًلا: "جو" مباشرة باسمه الشخصي، يوضح أنه أدار ظهره لترمب، ويريد احتضان الأخير ليحافظ على ما حققه خلال الأشهر الماضية.

تهنئة الرئيس عباس لـ "بايدن"

وقال صباغ، إن التهنئة الفلسطينية لا تشترط أي شيء، فقول الرئيس محمود عباس إنه يطمح للعمل مع الإدارة الأمريكية الجديدة من أجل السلام والاستقرار والأمن للمنطقة والالم، فهذا كلام عام.

وأضاف: "لا أعلق الآمال لا على بايدن ولا على ترمب ولا أي رئيس أمريكي، وإنما على الفعل والمبادرة والفعل والنشاط الفلسطيني في أمريكما لتغير الوقف الأمريكي".

حصاد مُر

وعبر عن خشيته من عودة المفاوضات مع "إسرائيل" وفقًا لتصريحات كبار المسؤولين في السلطة بأن انتصار بايدن سيعيد التنسيق الأمني والمدني وأخذ أموال "المقاصة" كاملة من "إسرائيل"، لأنه بمثابة هدية مجانية لنتنياهو.

وشدد على أن أي مفاوضات مستقبلية يجب ألا تكون في ظل التنسيق الأمني على الأقل، بل يجب أن تكون مبنية على قرارات الشرعية الدولية وعلى القانون الدولي، وأن تصحح الولايات المتحدة من "صفقة القرن" وأن تتنصل منها، ومن كل نتائجها وتداعياتها.

وأضاف: "إذا عدنا إلى مفاوضات من حيث يريد نتنياهو سنجني حصادًا مرًا".

مسكنات

وفيما يتعلق بإمكانية إلغاء جميع القرارات التي اتخذتها إدارة ترمب تجاه فلسطين كتقليص الدعم لـ "أونروا"، وإعادة ومكتب منظمة التحرير في واشنطن، وخطط الضم، وغيرها، أكد المحلل السياسي أن جميع تلك الأمور ممكنة.

ونبه إلى أن هذه الأمور مجرد مسكنات، وهي مجرد طعم، للعودة إلى مفاوضات من حيث يريد نتنياهو، وهذا سيء لنا.

داعمون لـ "إسرائيل"

من جانبه، قال المحلل السياسي طلال عوكل، إنه لا يوجد اختلاف بين بايدن وترمب، في دعمهم للمشروع الإسرائيلي.

وأكد عوكل خلال حديثه لـ "الوطنية"، أن الفرق بينهما حول ما هو الأفضل لـ "إسرائيل" وما هو الحل الذي يطيل عمرها أكثر.

وأوضح أن ترمب سعى لفرض سياسته بدون مفاوضات وبدون الاعتراضات، ولكن الديمقراطيون ومنهم بايدن لم يفرضوا حل الدولتين، ولم يضغطوا على "إسرائيل" بما يكفي لإرغامهم على الجلوس على طاولة المفاوضات لتحقيق دولة الضفة أو غزة أو القدس على أساس قرارات الأمم المتحدة.

تكتيك

وأشار إلى أننا أمام فارق تكتيكي بين الحزبين، لافتًا إلى أن أمريكا ستبقى كما هيا، الداعم لـ "إسرائيل" والضامن لتفوقها.

وأوضح أن بايدن سيوقف "صفقة القرن"، بمعنى أنه لن يراجع القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية في القدس ولكنه يقول إنه سيفتح القنصلية الأمريكية في القدس، وهذا مؤشر سياسي عمليًا بالنسبة للفلسطينيين بأن الأمريكان ما زالوا ملتزمين برؤية الدولية، ولن يضغط على أي دولة حتى تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.

وتابع: "بايدن تحدث عن مفاوضات على أساس رؤية الدولتين وإعادة تقديم المساعدات الأمريكية للأونروا ولمستشفيات القدس، وموازنة السلطة ومنظمات المتجمع المدني، فهذه السياسة فقط قيمتها بالنسبة للفلسطينيين أنها توقف هذا الانهيار الذي تسبب به ترمب، لكنها لن تقدم حلًا على أساس رؤية الدولتين، أي أنها تعطي فرصة للفلسطينيين للتنفس وفرصة للبحث عن وسائل لتقوية واستعادة القضية الفلسطينية".

وبين أن هناك تصريحات من قبل بايدن، بأنه لن يعود عن قرار نقل السفارة في القدس، لكن باقي القرارات المتعلقة بـ "أونروا" ومكتب منظمة التحرير في واشنطن فهو يقول إنه سيعيد كل هذه المساعدات وهذا قرار ليس له أثر في إسرائيل على أرض الواقع، ولن يعود عن ضم القدس، ولن يعود عن ضم الجولان.

وأكد أنه إذا أراد الذهاب لمفاوضات على أساس رؤية الدولتين، فيجب أن يكون هناك مؤشرات إيجابية تشجع الفلسطينيين على ذلك.

مفاوضات على أسس جديدة

وقال المحلل السياسي، إن السلطة الفلسطينية لم توافق على العودة للمفاوضات على أساس مشروع ترمب "صفقة القرن"، لكنها مستعدة للعودة على أساس رؤية الدولتين وعلى أسس دولية بمعنى إما الرباعية الدولية وأمريكا هي الطرف الأكثر فاعلية، وإما توسيع هذه الدائرة لضم الدول الأخرى.

وأردف: "الواضح أنه كان هناك تواصل بين السلطة وحملة بايدن قبل أن ينجح الأخير بالانتخابات وبالتالي هناك معنى للحديث عن العودة للمفاوضات ولكن على أسس جديدة مختلفة عن مرحلة ترمب".

واستطرد: "السلطة مستعدة لإعادة بناء العلاقة مع الولايات المتحدة والإدارة الأمريكية الأمنية وغير الأمنية بداعي الاستعداد للمفاوضات على أساس رؤية الدولتين طالما بايدن يقول ذلك".

المصدر : الوطنية - وجيه رشيد