يصادف الأحد القادم يوم عاشوراء، والذي حث الرسول صحابته على صيام هذا اليوم ، لنيل الأجر والثواب الكبير من الله سبحانه وتعالى.

كذلك يقوم خطباء المساجد في كافة الدول العربية، بتخصيص يوم الجمعة القادم للحديث عن عاشوراء، وفضل صيامه.

"الوطنية" تستعرض لكم خلال السطور التالية، خطبة جمعة عن عاشوراء مكتملة العناصر، لجميع الباحثين عن خطبة عاشوراء وهي كالتالي :-

خطبة الجمعة عن عاشوراء :-

الخطبة الأولى:

 

(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان: 61].

أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 102-103].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2-3].

 

اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا، وأن تلمَّ شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

أما بعد:

 

(وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس: 83].

 

ملك من الملوك، طاغية عصى الله، وادعى الألوهية، كان حاكماً لمصر، فادعى: أنه إله لهم؛ لذلك سطر الله ذلك في القرآن، فقال: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ).

 

علو وكبر وغطرسة وجحود.

 

قال لأهل مصر بعدما استخفهم وظلمهم، وجار عليهم، وذبح ذكورهم، واستحيا نساءهم: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38].

 

أي لا أعرف إلها ولا ربا ولا خالقا، ولا موجدا لكم -يا أهل مصر- إلا أنا!.

 

عالٍ في الأرض، قال الله: (وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) أسرف وطغى وبغى وتجبر، وتعدى الحدود، فبعث الله إليه موسى -عليه الصلاة والسلام-، وبعثه إلى أهل مصر، فدعاهم إلى عبادة الله وتوحيده، وأن الذي يستحق العبادة هو الذي يكور الليل على النهار، ويجعل الشمس تخرج من المشرق، وتغيب من المغرب، الذي يقول للشيء كن فيكون، والذي يهب لمن يشاء ذكورا ويهب لمن يشاء إناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً.

 

والذي يجري السحاب، فيأمرها بإنزال المطر، ويأمر الأرض بإخراج الثمر.

 

إنه الله الخالق الرازق الحكيم السميع، لا إله إلا هو.

 

فآمن لموسى طائفة من أهل مصر، فاشتد عليهم الظلم والجور من قبل فرعون وأزلامه، قتل فيهم فرعون وسجن وطرد، وعذب وارهب، ثم شكل وزارات ومراكز وفرقاً لمكافحة ما يسمى بالإرهاب، وصف موسى بأنه: إرهابي متطرف، فاجتمع موسى مع قومه، فقال: (يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) [يونس: 84].

 

يا قوم العاقبة للمتقين، وهذا خلق من خلق الله، وعبد من عبيده، أتعبدون المخلوق أم الخالق؟ أتعبدون المعبود أم تعبدون العبد؟!

 

من آمن بالله فلا يخشى ظالماً، ومن توكل على الله فلا يخشى حاكماً، ومن اعتصم بالله فلا يخشى طاغية ولا جنوداً.

 

لقد وقف غلام على ضعفه وقلة حيلته، أمام ملك من الملوك على قوته وجبروته وحاشيته، بأي قوة وقف الغلام؟

 

بقوة: (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ) [التوبة: 40].

 

ووقف النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام الدنيا بأسرها؛ لأن الله معه.

 

فإن كان الله معك وكنت مع الله أيضرك شيء؟! أتعرفون ماذا قال قوم موسى له؟!

 

قالوا عندما سمعوا خطاب موسى: (فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [يونس: 85 – 86].

 

ونزل الإذن لموسى أن يخرج هو وقومه من مصر إلى الشام آخذين بالأسباب، بعد التوكل على القوي المتعال، قال له: اخرج (مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) [النساء: 75].

 

ومن هذا الحاكم الجائر إلى بلاد الشام!.

 

وانظر كيف صور الله في كتابه العظيم هذا الحدث: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [الشعراء: 54].

 

بعدما خرج موسى وقومه أرسل فرعون عبر وزاراته وقواته وجنوده في مصر، تعميماً: إن موسى وأصحابه: (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [الشعراء: 54].

 

"شرذمة" تحقيراً لهم، واسخفافاً بهم، بأجساد ضعيفة، وأعداد قليلة، وأموال زهيدة، وإمكانيات محدودة، بنظرة مادية: (وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ) [الشعراء: 55-60].

 

خرج موسى، وخرج خلفه فرعون، ذكر أهل السير: أن فرعون خرج في أكثر من مليون وستمائة ألف جندي! كان معهم الخيول أكثر من مائة ألف.

 

سار موسى ومن معه من المؤمنين الفارين بدينهم، حتى بلغوا البحر، فكان البحر من أمامهم، وفرعون من خلفهم، فلم يجدوا فرارا ولا ملجئا أما بحر يغرق، أو عدو مهلك، واشتد الرعب والخوف في أوساط اتباع موسى، فالموت يحاصرهم من كل جانب، ورائحة الموت أزكمت الأنوف، ومنظر الموت يلوح في الأفق من كل جانب، إذ أنهم يعرفون فرعون سنين من الظلم والجور، فهو جبار طاغية ظالم، لا يعرف رحمة، ولا الرحمة تعرف طريقا إلى قلبه، فرأوا أنهم محاصرون؛ بحر قوي، وأمواج تتلاطم، وعدو من خلفهم، جاء قوم موسى إليه، فقالوا له: اين المفر أنت من أتيت بنا إلى هنا؟ (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61].

 

قال موسى المؤمن بقوة ربه القوي، وبضعف هذا الكافر الغبي: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].

 

لا تنظروا إلى مقياس البشر، أخفتم من فرعون وجنوده؟! لا يتسلل الخوف إلى قلوبكم، لا يجتمع خوفان في قلب المؤمن: خوف من الخالق، وخوف من المخلوق: (كَلَّا).

 

من خلقهم وأوجدهم؟

 

إنه الله.

 

ومن خلق الجبال؟

 

إنه الله.

 

ومن خلق السماء وأوجد الأرض والبحر؟

 

إنه الله.

 

نحن نعيش في ملك الله.

 

حتى إذا اشتد الهلع، وزاد الخوف، وموسى يصبر قومه موقنا بما عند الله، قال: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].

 

حتى إذا ما اشتد الأمر، واقترب منهم فرعون، وزاد الخوف، في تلك الأثناء أنزل الله على موسى: (أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء: 63].

 

موسى كان ينتظر المفاجأة، ما كان يعلم أن المفاجأة بالعصى بين يديه، لكنه كان يعلم أن نصر الله قادم، لكن لا يدري من أين؟ هل سيرفعه الله إلى سمائه أم ينزله إلى أرضه؟ أم تأتي طيور فتحمله؟ أم يهلك الله فرعون أمامه؟

 

كل ذلك في ملكوت الله، فكان موقنا، مطمئن البال، منشرح الصدر، مؤمنا بقضاء الله، حتى بين الله: أن السر يا موسى في أضعف شيء معك؛ إنها العصا، ادمر بها ملك الظالم، وأدس بها أنف كبريائه في البحر، ليس بسماء تموج، ولا ريح تهيج، فهو أضعف من ذلك، بل بهذه العصا، هزها، واضرب بها البحر.

 

البحر الذي لو اجتمع الناس كلهم بمعداتهم أن يخففوه أو يجففوه ما استطاعوا، لذلك قال الله: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [الكهف: 109].

 

دليل على عظم البحر وقوته.

 

يقول أهل الأرض والجيولوجيا: إن البحر ثلاثة أرباع الأرض، فبمجرد ضربة عصا من موسى انفلق البحر، فكان أرضاً يابسة، كأن لم تصبها قطرة من ماء!.

 

البحر جعله الله رحمة، فيه لحم طري، ويكون نجاة كما كان لنبي الله يونس -عليه السلام- عندما التقمه الحوت، ويكون عذاباً كما كان قبل أشهر قريبة، وذلك كما حدث في زلزال تسونامي، من دمار، طال بلاد جنوب شرق آسيا، ومنها ماليزيا وإندونيسيا، وما جاورها من البلاد.

 

وقد تحدث العلماء عن ذلك، وتكلم الخطباء وكتب الكاتبون.

 

ومات فيه أكثر من مائتي ألف نسمة، وكان ذلك في عام 1427.

 

أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فهو خلق من خلقي، وعبد من عبيدي، فضرب البحر، قال أهل السير والتفسير: فتح الله في البحر اثنا عشر طريقاً، وليس طريقا واحدا، فكان البحر فجاجاً، يسير أصحاب موسى بينه ينظرون يمنة ويسرة، وإذا البحر جامد كالجبال الشامخة، طولا وعرضا، لا يصيبهم منه قطرة.

 

لكن السؤال: لماذا تأخر النصر؟ لماذا انتظر موسى وأخر الله عنه النصر إلى آخر لحظات، حتى إذا اقترب منهم فرعون أمر الله موسى بأمره؟ لماذا لم يصل موسى إلى البحر فيجده مفتوحاً؟ لماذا لم ييسر الله لموسى طريقا غير البحر حتى يصل بأمان؟

 

إن الله -جل وعلا- يريد أن يرى من عباده إذا ما أنزلت عليهم الفتنة، أو المصيبة، أو الغلاء، أو المرض، أو الفقر، أيتذللون ويدعون ويستغفرون؟!

 

إن الله يحب العبد الملح بالدعاء، وإلا فالله قادر على أن يهلك فرعون وهو في قصره، أو يأمر الأرض أن تنشق فتبتلعه كما فعلت بقارون.

 

إن الله قادر على أن يجعل فرعون يؤمن، ويدخل الدين.

 

فلماذا حوصر المؤمنون؟

 

إن الله يريد التذلل والدعا، وأن يعلم عباده أن الله مع من كان مع الله.

 

يا عباد الله: إننا قريبون من نفس الوضع الذي كان عليه قوم موسى، إذا حوصر قوم موسى بالجبال والبحار وفرعون، فإننا في هذا الزمان محاصرون بالمعاصي والظلم، يشكل فرعون الآن كل طاغية وظالم، أمريكا ومن عاونها، ويقف معها ويساعدها، يحارَب الصالحون، ويُقتَل المؤمنون، ومن أمامنا إعلام فاتن ماجن، خرب بيوتنا، ودمر بناتنا، ومن خلفنا حكومات جائرة عميلة ظالمة، وعن يسارنا فقر ومرض وجهل وظلم، وعن يميننا ذلة ومهانة وعار محاصرون، قوم موسى حوصروا فدعوا الله، ففتح لهم البحر، ونحن حوصرنا، فهل دعونا الله؟! ولجأنا إليه حتى يفتح لنا بحار الدنيا وجبالها وملكوت السماوات والأرض؟

 

(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

 

إن تجيبوا داعي الله يجب الله دعاءكم.

 

أيها المؤمنون: قال الله -تعالى- عن نجاة موسى: (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ) [الشعراء: 65].

 

لم يمت أحد من قوم موسى، بل وصلوا إلى نهاية البحر وهم يلتفتون، أهذه حقيقة أم خيال؟ حتى إذا نجوا جميعاً وقف فرعون عند البحر مندهشاً، فعرف ضعفه، وأن الذي فعل ذلك هو الله، لكنه تجبر، والجنود ينظرون إليه، حتى قال لجنوده عندما رأى البحر قد انفتح: انظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي الذين بغوا؟!

 

انظر إلى هذا الدجال الكذاب! وما أكثر الدجالين والكذابين! حتى أقدم ودخل البحر ودخل معه جنوده، فلما لم يبق منهم أحد.

 

وكان قد أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه ليعود كما كان، فقال الله له: (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ) [الدخان: 24].

 

قال الله له لا تحركه، حتى إذا ما دخل فرعون وجنوده أجمعون أوحى الله إلى موسى الآن اضرب البحر، فضربه فعاد كما كان، وأطبق على فرعون وجنوده، مليون وستمائة ألف شخص غرقوا أجمعين، ولم يبق منهم أحد: (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 66 – 68].

 

لذلك يؤثر عن الفراعنة الآن أنها توجد لهم موميات، أي أجسادهم تبقى، فهم الوحيدون في العالم، قال الله -جل وعلا- عن جسد فرعون بعدما قبض روحه: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس: 92].

 

اللهم انصرنا، وثبتنا وافتح بيننا وبين عبادك يا رب العالمين.

 

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى.

 

أما بعد:

 

(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) [البقرة: 50].

 

حصل ذلك في شهر محرم، من اليوم العاشر منه، أنجى الله موسى ومن معه، فما كان من موسى إلا أن صام ذلك اليوم شكرا لله على فضله عليه، وهذا هو دوما سلوك المؤمن؛ الشكر في السراء والصبر، عند البلاء، وفي كل عام كان موسى يصوم العاشر من شهر محرم، شكرا لله على نصره، واعترافا بفضله.

 

لذلك ذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيماً له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نحن أولى بموسى منكم" فأمر بصومه [رواه البخاري ومسلم].

 

وعند أبي داود وغيره: قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع" فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [رواه أبو داود بهذا اللفظ، وأصله عند مسلم].

 

يعني اليوم التاسع والعاشر حتى يخالف بني إسرائيل.

 

فكانت سنة يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

بل قيل: أن أهل مكة كانوا يعظمون اليوم العاشر من هذا الشهر، وقبل وجوب صوم رمضان كان صوم يوم عاشوراء واجباً على المسلمين.

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" [رواه مسلم].

 

وهو في شهر عظيم، شهر الله المحرم، أحد الشهور الحرم التي قال الله فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: 36].

 

الأشهر الحرم؛ رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم.

 

وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السنة اثنا عشرا شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" [رواه البخاري ومسلم].

 

بل قال عليه الصلاة والسلام: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" [رواه مسلم].

 

وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى -أي يعتني ويهتم- صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء" [رواه البخاري].

 

والبعض -للأسف- في هذا الشهر المبارك شهر الله المحرم، يجاهر بالمعاصي، ويتباهى بها، يترك الصلوات، ويقع في المحرمات، فيسمع الحرام، ويأكل الحرام، ويقع في الحرام، ويعين على الحرام، ومن المحرمات التي تقع: ما حصل قريباً من مسجدنا هذا من رحلة في مدرسة من المدارس "رحلة مختلطة" كانت يوم أمس، كما نقل لي أحد الثقات، رحلة مختلطة بين الرجال والنساء! مجاهرة بالمعصية، كيف سينصرنا الله؟ وكيف سينزل النصر والبركات، ويرفع الله عنا الظلم إذا كنا نجاهر بهذه المعاصي؟!

 

شهر الله المحرم يأتي بعد مواقف عظيمة.

 

فويل للمفرط والمتهاون الذي ضيع عمره:

 

قَطَعْتَ شُهورَ العامِ لهواً وغفلةً *** ولم تحترم فيما أتَيْتَ المُحَرَّما

فلا رجَباً وافَيْتَ فيه بِحَقِّهِ *** ولاصُمتَ شهر الصوم صوماً مُتَمَّما

ولا في ليالي عشرِ ذي الحجةِ الذي *** مضى كُنْتَ قَوَّاماً ولا كُنْتَ مُحْرِما

فَهَل لك أن تمحو الذُّنوب بِعَبرةٍ *** وتبكي عليها حسرةً وتنَدُّما

وتستقبلَ العامَ الجديدَ بِتَوبةٍ *** لعلَّك أن تمحو بها ما تَقَدَّما

 

أيها المؤمنون: إن هذا الشهر شهر مبارك كريم عظيم، يجب أن نتقرب فيه إلى الله بالطاعات، والصيام، وقراءة القرآن.

 

ومن أصبح اليوم منكم ممسكاً عن الأكل، فليكمل اليوم، فيكون له صيام التاسع، وغداً يوم العاشر، فيكفر الله له السنة التي قبلها.

 

وقد أجاز أهل العلم لمن كان مضطراً أن يصوم يوم العاشر فقط، وإلا فالسنة أن يصوم العاشر، ويوماً قبله أو يوماً، بعده الحادي عشر، إدراكاً للأجر، واتباعاً لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

 

اللهم اجعلنا متبعين لا مبتدعين، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين.

 

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتجاوز عن زلاتنا.

 

اللهم إنا قد حوصرنا بالمعاصي، وأصبنا بالذلة، اللهم إنه قد تجبر وتكبر علينا ظلمة يا رب العالمين، اللهم فافرج عنا ما نحن فيه.

 

اللهم فرج كرباتنا، وارفع عنا الذلة والمهانة.

 

اللهم إنا نسألك نصراً للإسلام والمسلمين، اللهم من أراد بنا سوءا، فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره.

 

اللهم من أراد بنا سوءا، وبمقدساتنا وبديننا وبأعراضنا وبأموالنا وبأوطاننا، فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره.

 

اللهم إنا وفدنا إليك في يوم الجمعة المبارك، وفي يوم التاسع العظيم، وفي هذه الساعة المباركة، وفي بيت من بيوتك، فلا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك مبعدين.

 

اللهم انصر عبادك المجاهدين، في كل مكان، في العراق وفلسطين والشيشان والأفغان.

 

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، واحفظ لهم أعراضهم وأموالهم وأجسادهم، اللهم إننا كبلتنا الدنيا، وقد نذروا أنفسهم لك، فنسألك برحمتك، أن تنصرهم، وبعزك أن تعزهم، اللهم إنا نسألك أن تفك أسيرهم، وتحمل حافيهم، وتشفي مريضهم.

 

اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها، ونعوذ بك من النار وجحيمها.

 

اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا بركاتك من السماء، وأخرج لنا بركاتك من الأرض.

 

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

 

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

خطبة عن يوم عاشوراء :-

الخطبة الأولى:

الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا أما بعد

أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعتبروا بما قصه في القرآن من قصص الأنبياء والمرسلين عبرة للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، قال الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)، وقال سبحانه: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، وإن مما قصه الله في القرآن قصة كليم الله ورسوله موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، الذي أرسله إلى فرعون وقومه، فرعون الطاغية المتكبر في الأرض الذي ادعى أنه ادعى الربوبية (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى)، (يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)، وهكذا غره طغيانه ومُلكه وقُوته حتى تجرأ على الله سبحانه وتعالى فنازعه الربوبية، وهذا من جهله، ومن ضعف عقله، لأنه يعلم أنه مخلوق ضعيف، وأن الربوبية لله رب العالمين، ولكنه غرّه طغيانه وأراد أن يُغرر بقومه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)، فأدعى هذه الدعوة التي لم يدعها أحد غيره إلا النمرود الذي قال (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، وكان يخاف من بني إسرائيل، لأن أهل مصر يتكونون من طائفتين طائفة الأقباط :وهم قوم فرعون الذين فيهم الملك، الطائفة ثانية بني إسرائيل من أولاد يعقوب، إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، فهم ذرية الأنبياء، فكان فرعون وقومه يتخوفون من بني إسرائيل أن ينتقموا لأنفسهم في يوم من الأيام، لأنهم يعلمون طغيانهم وجبروتهم وأفعالهم، فخافوا أن ينتقم بنو إسرائيل لأنفسهم من هذا الطغيان، فصاروا يذبحون أبناء بني إسرائيل، يستحيون نسائهم، كل ما ولد مولود ذكر لبني إسرائيل قتلوه ليُضعفوهم، ولأنه بلغ فرعون عن طريق بعض الكهنة أنه سيخرج من بني إسرائيل غلامٌ يكون هلاكه على يده، فزاد شره وطغيانه فصاروا يقتلون أبناء بني إسرائيل خوفا من ذلك، ولكن أمر الله نافذ ولا ينجي حذر من قدر، فلما ولد موسى عليه السلام ألهم الله أمه أن تجعله في صندوق من الخشب تُحكمه عليه، وأن تضعه في النهر، ففعلت ذلك فذهب به الماء إلا أن ألقاه في قصر فرعون، (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) لقطوا هذا التابوت، ولما فتحوه وجدوا فيه هذا الغلام، فأراد فرعون أن يقتله: (امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)، فتركه من أجل هذه المرأة المباركة، ونشأ في بيت فرعون يأكل من طعامه، ويلبس من لباسه، ويركب على مراكبه، وصار مقدماً فيهم، فالذي كان يحذر منه صار يربيه بأمر الله سبحانه القدري الكوني، صار يربيه، ويغذيه في بيته، وفي يوم من الأيام حصلت مشادة بين قبطي وإسرائيلي وتضارب، مر بهم موسى عليه السلام: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ)، يعني: من بني إسرائيل  (عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)، طلب منه النصرة  فجاء موسى عليه السلام إلى القبطي (فَوَكَزَهُ)، يعني: ضربه بيده ضربة واحدة  (فَقَضَى عَلَيْهِ)، مات على إثر تلك الضربة، فقتل نفساً من القبط، فصاروا يبحثون عن القاتل فعلموا أنه موسى عليه السلام، فصاروا يدبرون لقتله، (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى)، يعني يشد في المشي، والسير، والركض (قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ* فَخَرَجَ مِنْهَا)، عليه الصلاة والسلام (خَائِفاً يَتَرَقَّبُ)، خرج منها من مصر وقصد إلى أرض مدين (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)، خشي أن يضيع في الطريق، فالله هداه الطريق إلى أن وصل إلى أرض مدين (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ)، وكان عطشان (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ) يعني: جماعة من الناس يسقون مواشيهم وعندهم امرأتان تذوتان غنماهما، يدفعان غنمهما عن الماء، فسألهما ما شأنكما: (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ)، لأن الإناث ضعيفات أمام الرجال لا يقويان على مزاحمة الرجال: (فَسَقَى لَهُمَا)، موسى أخذته الرحمة والشفقة (فَسَقَى لَهُمَا)، على ما فيه من التعب عليه الصلاة والسلام سقى لهما، ولما فرغ تولى إلى الظل، وجلس في الظل يستريح، دعاء ربه (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، ذهبت الامرأتان إلى أبيهما، وكان شيخ كبيرا فذكرتا له القصة، فأرسل إليه من بناته من تناديه (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)، فذهب عليه السلام إلى ذلك الشيخ الكبير، وقص عليه القصص، ذكر له أمره ومجيأه (قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، هذا أول بشرى له، ثم إن إحدى ابنتي الشيخ الكبير عرضت على أبيها أن يستأجره لرعي الغنم وسقايتها بدلا من المرأتين (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)، قوي على مزاحمة الرجال، أمين لا يخون لا في نظره ولا في تصرفاته (إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ* قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ)، عرض عليه أن يزوجه إحدى ابنتيه في مقابل أن يرعى الغنم ثمان سنين أو عشر سنين (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ)، يعني: سنين (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ)، تم بينهما العقد، وتزوج موسى عليه السلام من إحدى الابنتين، ورع الغنم عشر سنين، ثم ذهب بأهله بزوجته متوجهًا إلى مصر، عائدًا إلى مصر ومعه زوجته، وفي الطريق اختاره الله جل وعلا لرسالته، وحمله رسالته إلى فرعون، فتخوف موسى من بطش فرعون، وطلب من ربه أن يجعل له من يؤازره من أهله، ورشح أخاه هارون عليه السلام فاستجاب الله دعوته، وجعل معه أخاه نبياً ورسولاً ليؤازره في الدعوة، (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى* قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى* فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ)، يعني: معجزة دلالة على صدقنا (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى* قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا)، الله معهما معية عون وتوفيق وعلم منه سبحانه (أَسْمَعُ وَأَرَى)، اسمع ما يقول فرعون، وأرى ما يفعله، فلا  يتمكن من إيذائكما، فلما بلغاه الرسالة غضب غضباً شديداً، (قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ)، ثم إن موسى أظهر العلامة الدالة على صدقه وعلى رسالته، (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ)، انقلبت العصا إلى حية عظيمة، وأدخل يده في جيبه ثم أخرجها بيضاء مثل الشمس من غير سوء من غير برص آية أخرى، جاءه بآيتين العصا، واليد، ماذا قال فرعون عند ذلك قال هذا سحر ما جئتم به السحر قال هذا سحر، وإن عندنا من السحرة من يقاوم سحركما، ثم تواعدوا في يوم يحضر فيه فرعون جميع السحرة من البلدان، مهرة السحر جمعهم (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ)، فجمع السحرة في هذا اليوم وجاء موسى عليه السلام، لهذا المشهد العظيم فطلبوا أن يلقيا ما معه أو يلقون ما معهم، (قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ* فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ* فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)، التهمت كل ما ألقوه من الحبال والعصي التهمته وخاف منها الحاضرون أن تلتهمهم، فتقدم موسى عليه السلام فأخذها فصارت عصا، ولما رأى السحرة هذه المعجزة علموا أنها ليست من السحر لحكم فنهم وعلمهم بالسحر، علموا أن هذا ليس سحراً، وإنما هو من الله سبحانه وتعالى معجزة لرسوله، فآمن به موسى وهارون، فما كان من فرعون إلا أن قتلهما شر قتله شهداء لله، كانوا في أول النهار يقولون (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ)، وفي أخر النهار شهداء، قدموا على الله سبحانه وتعالى، هذه هي الجولة الأولى مع فرعون اندحر وبطل سحره وافتضح أمام الملأ، والسحرة الذين اختارهم آمنوا بموسى، وأقاموا عليه الحجة، ثم إن الله أوحى إلى موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل في الليل، وأن يخرجوا من مصر، فموسى عليه السلام خرج ببني إسرائيل هاربًا بهم من فرعون، فلما علم فرعون أرغى وأزبد، وجمع الجنود والحشود، فخرج في أثرهم ليستأصلهم بزعمه، ولما كان مع طلوع الشمس أو مع طلوع الفجر، إذا موسى وقومه على حافة البحر، وإذا فرعون وقومه قد أحاطوا بهم، وجاؤوهم من خلفهم (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، البحر أمامنا والعدو خلفنا، قال موسى عليه السلام: (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فأوحى الله إليه (أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ) فضرب بعصاه البحر فأنفلق، وصار أسواطاً جامدة يبساً شوارع على قدر قبائل بني إسرائيل اثنى عشر طريق، أمر الله موسى وقومه أن يسلكوا هذه الشوارع وهذه الطرق البحرية اليابسة فسلكوها بأمان الله، ولما تكامل خروجهم من الجانب الثاني دخل فرعون وجنوده ليدركوهم ويلحقوا بهم، فلما تكاملوا في البحر اطبقه الله عليهم، وعاد البحر بحراً يلطتم فأغرق الله فرعون وقومه، ونجا موسى وقومه في هذا اليوم، وكان ذلك في اليوم العاشر من شهر الله محرم فصامه موسى عليه السلام شكرا لله سبحانه وتعالى، فصار بنوا إسرائيل يصومونه عملاً بسنة موسى عليه السلام، ولما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم صام هذا اليوم، وأمر بصيامه شكراً لله عز وجل لأن انتصار موسى انتصار للحق، وانتصار للتوحيد، وانتصار للإسلام، فهذا نعمة من الله سبحانه وتعالى على الجميع، فصامه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه وقال: لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر ، مخالفة لليهود، فصار صوم يوم عاشوراء وصوم يومً قبله سنة في هذه الأمة، والحمد لله رب العالمين على نصرة الحق، ودحر الباطل في كل زمان ومكان (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرًا أما بعد

اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعملوا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واتبعوه، وإن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم صيام اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وصيام يوماً قبله مخالفةً لليهود، فهو سنة مؤكدة، وهكذا الأنبياء واتباعهم يقابلون النعم بالشكر، ولا يقابلونها بالأشر والبطر والإعجاب، وإنما يقابلون النعم، ومنها النصر على الأعداء يقابلونها للشكر لله، والتواضع لله عز وجل، ولا يقابلونها بالمرح والفرح المحرم ويفعلون فيها ما يفعلون من المعاصي كما يفعله الجهال في المناسبات التي يزعمون أنها مناسبات قومية، فهذا من جهلهم وغرورهم، فالنعم تقابل بالشكر، ولا تقابل بالكفر، فهذا ما شرعه الله لنا، وكذلك لا يتخذ يوم عاشوراء يوما للفرح، والتوسعة على العيال كما يقولون، أو يسمى عيدًا ليس هو عيد ليس للمسلمين إلا عيدان، عيد الفطر، وعيد الأضحى، فلا يتخذون هذا اليوم يوم فرح وسرور وإلى أخره هذا من البدع ومن الجهل، كما أن هذا اليوم لا يتخذ يوم حزن، وبكى، وعويل، وضرب للخدود، وخمش للوجه، وضرب للأبدان بالسلاسل، كما تفعله الشيعة، حزناً على مقتل الحسين رضي الله عنه، الحسين بن علي قتل في هذا اليوم مظلوماً رضي الله عنه، وقتله مصيبة على المسلمين تقابل بالصبر والاحتساب، ولا تقابل بالجزع، والسخط، والنياحة، وما يفعله الشيعة، وهذا من جملة ضلالاتهم، وخرافاتهم كفى الله المسلمين شرهم.

فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] .

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم احفظ علينا ديننا، واحفظ علينا أمننا، واستقرارنا في ديارنا، وأصلح ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ولِ على المسلمين خيارهم في كل مكان يا رب العالمين وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، واكفهم شر الأعداء والحاسدين من الكفار والمشركين والمنافقين، اللهم من أراد هذا الإسلام وهذا الدين وأراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه وأردد كيده في نحره وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون .

المصدر : مواقع دينية