كثرت الأقوال التي تتحدث عن فضل يوم عرفة والأعمال المستحبة فيه، منها ما هو صحيح ومنها ماهو موضوع، ومن بين هذه الأقوال المتداولة " يوم عرفة ترفع جميع الأعمال إلى الله ماعدا المتخاصمين" فما صحة هذا القول وهل هو منسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا ؟.

لم يرد في النصوص الشرعية تخصيص الدعوة للمسامحة في مثل هذه الأيام، كما لم يأت ذلك عن السلف الصالح ، ومن المعلوم أن الدعوة للمسامحة وتصفية القلوب من الضغائن أمر تعبدي يقصد به حصول الأجر، ورفع الوزر، فالمسألة عبادة، وقدمنا أن العبادات توقيفية لا تثبت إلا بدليل، في حين أنه لم يرد عن السلف الصالح من فعلهم اعتبار يقرر مثل هذه الدعوى.

 ترفع الأعمال إلى الله في أيام وأسابيع ومواسم مما ورد إلينا من النصوص الشرعية، فقد ورد أنها ترفع كل يوم ؛ كما قرره النووي وابن حجر والمناوي وغيرهم ، وأنه يُرفَع إليه عملُ النهار في أول الليل الذي بعده، وعملُ الليل في أول النهار الذي بعده؛ اعتمادا على الحديث الذي في صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري - - قال: "قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخمس كلمات، فقال: "إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يَخفِض القسط ويَرْفَعه، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل النهار، وعملُ النهار قبل الليل..." الحديث.

قال النووي : الْمَلائِكَة الْحَفَظَة يَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ اللَّيْل بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل النَّهَار، وَيَصْعَدُونَ بِأَعْمَالِ النَّهَار بَعْد اِنْقِضَائِهِ فِي أَوَّل اللَّيْل .

 ومنها أنها ترفع كل اثنين وخميس؛ لما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة ، قال: قال رسول الله - – "تُعرَض أعمال الناس في كلِّ جمعةٍ مرتين، يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفَر لكل عبد مؤمن، إلا عبدًا بينه وبين أخيه شَحْنَاء، فيقال: اتركوا - أو ارْكُوا - هذين حتى يَفِيئا".


- ومنها أن أعمال كل عامٍ تُرفَع إلى الله في شهر شعبانَ جملة واحدة؛ لما أخرج النسائي بسند حسن -وحسنه الألباني في صحيح الجامع- من حديث أسامة بن زيد قال: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ"، فقال: "ذلك شهرٌ يَغفُل الناس عنه بين رجبٍ ورمضانَ، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأُحِبُّ أن يُرفَع عملي وأنا صائم"

ولكنه لم يرد حديث صحيح ولا ضعيف ينصّ على أن الأعمال ترفع إلى الله في يوم عرفة إلا للمتخاصمين، ولعله من وضع المتأخرين جدًّا من المعاصرين، وأثر الصنعة واللكنة فيه واضحة التزوير للحديث الحسن الوارد في ليلة النصف من شعبان ، وهو قوله : « يطلع الله على خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" والحديث جاء عن معاذ وأبي ثعلبة الخشني وأخرين، وقد خرجه البيهقي والطبراني وغيرهما، كما هو مصنوع أيضا من حديث أبي هريرة في رفع الأعمال يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.


وعلى ذلك فإن دعوى القول بأن يوم عرفة تحديدًا يوم ترفع فيه الأعمال إلى الله، تخصيص غير صحيح، عارٍ عن الأدلة، نشره الوضاعون ومحبو البدع والمحدثات، وجهلة الساحات الذين أفسدوا في المجتمع أيما إفساد، فيجب على من علم ذلك، محاربة البدع، والدفاع عن السنة، والدعوة إلى تنقيتها من شوائب المخرفين، وخزعبلات المبطلين، آملا في إخوتي الكرام نشر ذلك بأوسع طاقة، بغية الحق، وخدمة للسنة النبوية الصحيحة، ودعوة إلى الله .

هذا لا يعني أننا ننكر فضل يوم عرفة، فهو يوم له فضائله الواردة؛ فهو يوم عظيم من أيام عشر ذي الحجة من الأيام التي العمل الصالح أحب إلى الله منها عن غيرها، وهو من الليالي العشر التي أقسم الله بها في سورة الفجر، على قول جماهير المفسرين، وهو أحد الأيام المعلومات التي أثنى الله عليها في كتابه، وهو يوم أكمل الله فيه الملة والدين، وهو عيدُ أهل الموقف، وقد حث الشارع على صيامه وأن صيامه يكفر السنة الماضية، والسنة القابلة، "وخير الدعاء دعاء يوم عرفة"، "وأن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء"، وخصص بالتكبير، كما أن "الحج عرفة" ، وغير ذلك من مزاياه وخصائصه، والمقصود هنا –فقط- التنبيه على عدم ورود الشرع بتخصيصه بالدعوة إلى التسامح، -وهذا قد تُتسامح فيه-، وكذلك عدم ورود دليل يدل على أن الأعمال ترفع إلى الله تخصيصًا لهذا اليوم الفضيل.

المصدر : وكالات