أدى انتشار فيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2” -الذي أثار ذعرا شديدا بين بني البشر والمسبب لجائحة مرض “كوفيد-19”- إلى إعادة النظر في العلاقة بين الطفيل ومضيفه بشكل صارخ، وما يمكن أن تسببه الطفيليات من اضطراب لكل من المجتمع البشري والنظم البيئية.

فعلى الرغم من أن الطفيليات شائعة في النظم البيئية الحديثة فإننا في الواقع لا نعرف سوى القليل عن التطفل في الماضي البعيد، ولا نعرف متى تطورت الطفيليات لأول مرة، وقد سعى الباحثون منذ فترة طويلة إلى فهم أفضل للأهمية التطورية للطفيليات للمساعدة في تقليل تأثيرها.

لكن بحثا نشر في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” بتاريخ 2 يونيو/حزيران الجاري قربنا خطوة كبيرة من الفهم، حيث تم توثيق أقدم مثال معروف تاريخيا لعلاقة الطفيل بالمضيف.

وأكد الفريق البحثي الصيني -الذي تعاون مع باحثين من السويد وأستراليا- على أن النتائج التي توصل إليها تمثل أول مثال مدعوم إحصائيا للطفيليات من العصر الكمبري المبكر (الفترة 541 مليون سنة إلى 485 مليون سنة).

الطفيليات الأولى

والطفيليات المتحجرة المكتشفة هي ديدان عاشت قبل 515 مليون سنة تقريبا متطفلة على محار بدائي، وتعتبر من “الطفيليات الأولى المعروفة” حتى الآن.

والمحار الأحفوري من عضديات الأرجل، وهي شعبة من الحيوانات البحرية لها صدفات صلبة على الوجهين العلوي والسفلي، وعرفت منذ العصر الكمبري حتى الآن.

وتأكل عضديات الأرجل العوالق عن طريق دفع التيارات المائية نحو فتحات أصدافها، ويسمح لها ذلك بتصفية جزيئات الطعام وترشيحها، لكن الديدان الطفيلية اعترضت بعضا من هذا الطعام لأنفسها.

وأوضح مؤلف الدراسة وعالم الحفريات تشيفي تشانغ من جامعة نورث ويست الصينية أن “عضديات الأرجل المغطاة بالأنابيب خارج أصدافها كانت أصغر بكثير من غيرها، وأن الأنابيب كانت محاذية لتيارات التغذية الخاصة بهذا النوع من المحار”.

وتابع تشانغ “كان الكائن طفيليا يقلل لياقة مضيفه من خلال سرقة طعامه”.

وظهرت الديدان ومضيفها بعد وقت قصير من “الانفجار الكمبري” الذي بدأ قبل حوالي 540 مليون سنة خلال العصر الكمبري، وذلك عندما ظهرت جميع مجموعات الحيوانات الرئيسية في السجل الأحفوري.

وفي هذا العصر كانت عضديات الأرجل -التي تشبه المحار الصغير- وفيرة للغاية، حيث بلغ عددها أكثر من 12 ألف نوع في ذلك الزمن، ولكن لا يمثلها اليوم سوى 450 نوعا فقط.

اكتشاف نادر

اكتشف الباحثون أن الأنابيب المتصلبة التي تغلف سطح الأصداف الحفرية كانت لديدان طفيلية، بعد أن تمكنوا من تحديد تأثير سلبي واضح على المضيف، حيث ظهرت الأجزاء التي نمت بدون طفيليات أكبر من تلك الموجودة فيها طفيليات.

وقال الفريق “تظهر تحليلاتنا أن الكائنات التي تعيش في الأنابيب تؤثر بشكل مباشر على اللياقة البيولوجية للمضيف، مما يدعم التأكيد على أنها طفيلية بدلا من كونها متبادلة أو متناظرة مع عضديات الأرجل”.

وبناء على اتجاه الأنابيب وجد الباحثون أن الديدان كانت طفيليات من نوع “كليبتوب” التي تقوم بـ”التطفل بالسرقة”، وهو شكل من أشكال التغذية، حيث يأخذ حيوان طعاما آخر تم صيده أو جمعه أو تحضيره بطريقة أخرى من قبل حيوان آخر.

ويعد هذا الاكتشاف نادرا، حيث يصعب توثيق التفاعلات الطفيلية في السجل الأحفوري، لأنه يجب إجراء معظم الاستدلالات بناء على المظهر.

أهمية الدراسة

يعرف التطفل عادة على أنه علاقة مستمرة، حيث يزيد أحد الكائنات الحية -وهو الطفيل- من نجاحه، وذلك من خلال استغلال كائن آخر يعرف بالمضيف.

وهناك أمثلة واضحة على الطفيليات الأحفورية، وتشمل الاكتشافات الرائعة للطفيليات في السجل الأحفوري بكتيريا ذات شكل حلزوني مطابقة تقريبا للبكتيريا المسببة لمرض لايم، وتم اكتشافها داخل قراد أحفوري عمره 15 مليون عام.

وتقدم الأحافير دليلا واضحا على التغير التطوري والبيئي، إلا أنه من غير المرجح الحفاظ على أدلة على التفاعل المباشر بين الكائنات الأحفورية، فغالبا ما يكون من الصعب إثبات أن طفيلا أحفوريا مشتبها فيه كان يستغل بالفعل مضيفا، لأن الطفيليات تتحلل في كثير من الأحيان بسرعة كبيرة، ومن هنا تظهر أهمية هذه الدراسة التي توثق أقدم مثال معروف لعلاقة الطفيل بالمضيف.

المصدر : الوطنية