ما أن تشرق شمس أول نهار من شهر رمضان المبارك، لتبدأ معها فرحة عارمة تعتلي وجوه المواطنين لقدوم أفضل الأيام المحببة لقلوبهم.

ففي هذا الشهر يتجمع جميع أفراد العائلة حول مائدة واحدة، وسط بهجة مرسومة على وجوه الصغار قبل الكبار، لتبدأ بعدها أصوات الألعاب النارية في كل مكان ابتهاجاً وفرحا.

خارج أي مسجد من مساجد غزة، أينما تلقي ناظرك، تجد أطفالاً يلهون ويلعبون، وداخل المسجد تجد أناس يؤدون صلاة التراويح، فما أن تنتهي صلاتهم ليعانق بعضهم بعضا بمشهد وحدة ومحبة مجتمعية.

هذه الصورة كانت ترتسم على مدى السنوات الماضية، قبل جائحة "كورونا"، التي جاءت هذا العام لتغير الحياة وتفكك أوصالها، فأغلقت المساجد وتوقفت معها صلاة التراويح، فقطعت السعادة وأسرت البهجة.

ولعل أصعب الإجراءات التي اتخذت من قبل الجهات الحكومية لمواجهة تفشي فيروس "كورونا" في فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة، هو قرار إغلاق دور العبادة وعددٍ من المرافق العامة، وتعليق الدوام المدرسي والجامعي.

ومع ختام كل أذانٍ يرفع عبر مكبرات الصوت في المساجد بتنا نسمع جملة ختامية وهي "صلوا في رحالكم" لتكون دعوة صريحة لجميع المواطنين بالصلاة في منازلهم وعدم التوجه لدور العبادة.

 

"كسرت الفرحة"

الحاج أبو خالد ريان، اعتاد على حضور صلاة التراويح بأحد المساجد في حي الزيتون بمدينة غزة، منذ ما يقارب 50 عاماً، وجد نفسه مضطراً للصلاة ببيته.

بدأت نظرات الحاج ريان (76 عاماً) حزينة جداً، أثناء حديثه لـ "الوطنية"، إذ قال إن هذا الشهر الفضيل فقد حلاوته وطقوسه الدينية بشكل كبير، وكسرت الفرحة بل وتحطمت.

وأضاف: "رمضان له شخصية خاصة به يختلف عن بقية الأشهر، حيث يجتمع الناس ببيوت الله وتزداد بينهم المودة، فتجد بعضهم يذهب لزيارة أقاربه والآخر لتقوية صلته بجيرانه، لكن هذا الوباء الفتاك نسف كل ذلك".

وتابع بعدما ذرفت دمعة وتبعتها أخرى:" كيف يكون شهر رمضان وأبواب المساجد مغلقة في وجوهنا؟، "هذا أشرس حدث نعيشه بالوقت الحالي".

وأوضح أننا نعايش حالة تفرض علينا لأول مرة، حيث تغلق فيها الكعبة بوجه المصلين ومعها بقية المساجد في جميع بقاع الأرض، فلا شيء يمكن وصف ذلك.

ويشير إلى أن إغلاق المساجد وعدم قدرة الجميع على الصلاة مجتمعين ببيت واحد، أمر يدني القلب ويحزن كثيراً ويذرف دموع القلب قبل العين.

وأردف: "رمضان هو رمضان المسجد، وواجهته صلاة التراويح والمحبة التي ترافق وجوه الجميع بعد انتهاء الصلاة، وبهجة الأطفال قبل الكبار، فكل ذلك اختفى ولم نتذوق حلاوته هذا العام".

وأثناء تجوال "الوطنية" في أحد الطرقات الفرعية التي كانت تكتظ بالحيوية خاصةً أثناء شهر رمضان، وجدنا طفلاً لا يتجاوز عمره الـ 10 أعوام، وقد طفت ملامح الحزن ورسمت على وجهه.

اقتربنا منه لنعرف سبب حزنه، ليجيب بكل أسى وضعف: "مش حاسيين إنو احنا حالياً بشهر رمضان، فش فرحة"، مضيفاً: "رمضان من غير صلاة تراويح بالمساجد لا يساوي شيء".

Image

الشوارع فقدت نورها

المواطن عبد الله كرسوع لم تختلف إجابته عن سابقيه، فتحدث عن قلة البهجة والسرور أثناء الشهر الفضيل هذا العام.

واستطرد كرسوع لـ "الوطنية":" كان الانسان ينتظر آذان المغرب، ثم ينظر من نافذة منزله فيجد أطفالاً يلهون ويمرحون، بعدما كنا نذهب للمسجد بمشهد رهيب جداً، فما قلته لك كان بالماضي القريب".

وأكمل: "اليوم خطفت الفرحة وحبست وأغلقت المساجد وتقطعت الأوصال الاجتماعية والزيارات خوفا من وباء "كوفيد-19"القاتل، حتى الشوارع أطفئ نورها ولم تجد بهجة ولا فرح، كانت صلاتنا بالمسجد فرح بحد ذاتها لكن ذلك لم يتحقق بشهر رمضان".

ونوه إلى أن النظر للمساجد من بعيد وهي مغلقة، ولا يمكننا الصلاة بداخلها، جعلت أعيننا تفيض بالدمع وقلوبنا تنكسر.

هذه الصورة الحزينة، ارتسمت على أغلب وجوه المواطنين الذين حرموا من التمتع بطقوس شهر ينتظرونه على مدار العام، حيث كان لانتشار فيروس "كورونا" المستجدّ أثراً على كل التفاصيل المرتبطة بهذا الشهر بدايةً بالمساجد، إلى المسحّرين والأسواق وليس ختاماً ببهجة الأطفال.

Image

 

المصدر : الوطنية - وجيه رشيد