ليلة الشك هي الليلة التي يتم فيها تحري هلال رمضان، والتي تكون ليلة الثلاثين من شعبان، فإذا حلت ولم يمكن إثبات هلال شهر رمضان، فهل صحيح صيام هذه الليلة، وما الحكم الشرعي في صيامها.

حكم صيام ليلة الشك :-

صوم يوم الشك منهي عنه، وقال الخطابي: اختلف الناس في معنى النهي عن صيام يوم الشك، فقال قوم إنما نهى عن صيامه إذا نوى به أن يكون من رمضان، فأما من نوى به صوم يوم من شعبان فهو جائز.

هذا قول مالك بن أنس والأوزاعي وأبي حنيفة وأصحابه، ورخص فيه على هذا الوجه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه.

وقالت طائفة: لا يصام ذلك اليوم عن فرض ولا تطوع للنهي فيه وليقع الفصل بذلك بين شعبان ورمضان. 

هل يجوز الصيام بعد النصف من شعبان :-

فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصوم بعد منتصف شهر شعبان فقد أخرج الخمسة من حديث العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا ).
وقد اختلف الفقهاء في حكم الصوم بعد منتصف شهر شعبان بناء على اختلافهم في حكم هذا الحديث والعمل به على قولين مشهورين:
1- ذهب الشافعية إلى كراهة الصوم أخذا بالنهي الوارد ومنهم من حرم ذلك وهو قول شاذ اشتهر عن ابن حزم الظاهري.
2- ذهب جمهور أهل العلم إلى جواز ذلك وعدم كراهته لعدم صحة الخبر عندهم.

الترجيح:
الصحيح أن صوم الإنسان بعد منتصف شهر شعبان جائز مطلقا لا كراهة فيه. وذلك للوجوه الآتية:
أولا : أن في متنه نكارة ومخالفة لحديث أبي هريرة المخرج في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه ). فمنطوق الحديث يدل على النهي عن صوم ما قبل رمضان بيوم أو يومين إلا من كانت له عادة في الصوم. ويدل أيضا بمفهومه على جواز صوم ما قبل ذلك في جميع الشهر سواء أوله وآخره. وهذا ظاهر جدا وإن لم يكن هذا مراد فما فائدة النهي عن صوم يومين قبل رمضان. و الحديث السابق مخالف لهذا الحديث ومعارض له. ولا شك أن دلالة هذا الحديث مقدمة على حديث العلاء لصحة إسناده وعدم الإختلاف في متنه وهو حديث محفوظ. وهذا من قرائن ووسائل الترجيح المعتبرة حال التعارض عند أهل الأصول. ولهذا أعله الإمام أحمد بهذا.

ثانيا: قالت عائشة: ( فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياماً منه في شعبان ) متفق عليه. وفي رواية ( ما كان رسول الله يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله ). وظاهر هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم من جميع الشهر سواء في أوله أو آخره ولم يكن يفرق بين النصف الأول والنصف الثاني في الحكم. وهذا يضعف حديث العلاء ويوهي متنه.

ثالثا : مما قد يشهد لهذا أن ليلة النصف من شعبان ليس لها فضل خاص ولا مزية في الشرع ولم يرتب الشارع عليها أحكاما خاصة ولم يثبت في ذلك شيء . فهذا المعنى يوجب عدم توقيت النهي عن الصيام بدخولها جريا على قاعدة الشارع. ولا معنى للتفريق بين النصف الأول والثاني من الشهر. أما النهي عن الصوم قبل دخول رمضان فلحكم ظاهرة منها تمييز النفل عن الفرض و منها ترك المكلف التشدد والإحتياط في ابتداء العبادة ولهذا نهي عن صوم يوم الشك.

روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا ) .

فهذا الحديث يدل على النهي عن الصيام بعد نصف شعبان ، أي ابتداءً من اليوم السادس عشر.

غير أنه قد ورد ما يدل على جواز الصيام . فمن ذلك :

ما رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ) .

فهذا يدل على أن الصيام بعد نصف شعبان جائز لمن كانت له عادة بالصيام ، كرجل اعتاد صوم يوم الاثنين والخميس ، أو كان يصوم يوماً ويفطر يوماً . . ونحو ذلك .

وروى البخاري مسلم عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا ) . واللفظ لمسلم .

قال النووي :

قَوْلهَا : ( كَانَ يَصُوم شَعْبَان كُلّه , كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلا ) الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلأَوَّلِ , وَبَيَان أَنَّ قَوْلهَا "كُلّه" أَيْ غَالِبُهُ اهـ .

فهذا الحديث يدل على جواز الصيام بعد نصف شعبان ، ولكن لمن وصله بما قبل النصف .

وقد عمل الشافعية بهذه الأحاديث كلها ، فقالوا :

لا يجوز أن يصوم بعد النصف من شعبان إلا لمن كان له عادة ، أو وصله بما قبل النصف .

هذا هو الأصح عند أكثرهم أن النهي في الحديث للتحريم .

قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين (ص : 412) : ( باب النهي عن تقدم رمضان بصومٍ بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس ) اهـ .

المصدر : الوطنية