زاد الخناق على قطاع غزة بوثاق جديد، كان سببه وباء شل حركة الجميع، فأغلقت المعابر وحبس الناس في مساحة ضيقة مقارنة بالعالم، وتسبب بخسائر اقتصادية ومادية كبيرة، فأضحت الحياة قاب قوسين أو أدنى.

في الخامس من مارس/ آذار الماضي، أعلن عن فرض حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية عامة، وقطاع غزة خاصة، من خلال إغلاق دور العبادة وعددٍ من المرافق العامة، وتعليق الدوام المدرسي والجامعي، وأصدرت تعليمات للمواطنين بمنع التجمعات والتزام المنازل.

هذا القرار بدون أدنى شك أثر على مختلف مناحي الحياة، فلم يجد فقراء القطاع وأصحاب الرزق البسيط ملاذاً آخر لينالوا بعضاً من كرامة حياة مسلوبة منذ عشرات السنين بحكم الحصار الإسرائيلي المتواصل.

وتعاني غزة بالأصل، وقبل قدوم الوباء التاجي من ارتفاع ملموس بنسبة الفقر التي وصلت إلى 85% والبطالة بين صفوف الشباب تخطت حاجز الـ 70%.

ويرى مختصون اقتصاديون، أن الأزمة الحالية التي يعيشها العالم بسبب "كورونا"، تهدد اقتصادات الدول الكبرى، متسائلين: "كيف سيكون الحال في قطاع غزة، المنهار اقتصاديا؟".

بدورها، قالت اللجنة الشعبية لكسر الحصار إن جائحة فيروس "كورونا"، فاقمت الفقر والبطالة في القطاع، مضيفةً أن "استمرار الانكماش الاقتصادي في قطاع غزة والضفة الغربية بسبب الاحتلال والحصار والإجراءات المرتبطة بمواجهة جائحة "كورونا"، يعني الوصول لمأساة كبيرة".

وأكدت أن الوضع الاقتصادي يتدهور بشكل متسارع وغير مسبوق، وذلك بسبب إجراءات مواجهة "كورونا"، وأن الأزمة تزيد في قطاع غزة المنهك اقتصادياً أصلاً بسبب الحصار الإسرائيلي.

حال يرثى عليه

كل ما سبق، يلخص حال المواطن إبراهيم قندوس الأب لثمانية أفراد، والذي أضحى لا يقدر على إطعامهم، بسبب تدهور حالته المادية سوءًا بحكم الأيام بعدما قطع راتبه عام 2017.

تجولت "الوطنية" بمنزل قندوس المتواضع المكون من بعض الألواح الحديدية "الزينقو" المغطاة بالأقمشة البلاستيكية التي لا تقي حم الصيف ولا برد الشتاء القارس.

ويعيش قندوس برفقة زوجته وأولاده في غرفة محدودة على سطح أحد المنازل في حي الشجاعية، ويقول صاحب الـ 52 عاماً: "أصبح حالي يرثى له بعدما أقدمت السلطة على قطع راتبي الشخصي لأسباب غير معلومة".

وأوضح أنه اضطر للعيش بأماكن متنقلة لا تصلح للعيش الآدمي، مضيفاً "الأوضاع الاقتصادية أجبرتنا على تقبل ذلك".

وأضاف: "كنت أتقاضى مبلغ 5 آلاف شيقل عندما كنت أعمل بالسلطة، وبعد قطع راتبي وإعلان حالة الطوارئ في القطاع نتيجة فيروس "كورونا" وصلت لمرحلة الشحدة".

وتابع بكل حزن: "وصلت بنا الظروف إنه تأتينا الناس وتتمنن علينا ببعض الشواقل فلما كل ذلك؟، مش حقي اعيش بكرامة وأعرف سبب قطع راتبي"؟.

وبين أنه لا يوجد مصدر رزق آخر له، ولا يستطيع العمل بسبب كبر سنه وبأنه لا يملك أي مهنة، مناشداً الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتية بالنظر بعين الرحمة للمواطنين بغزة.

Image

Image

Image

Image

Image

رزق بسيط

ولا يختلف حال محمد موسى البائع المتجول في أحد الأسواق الأسبوعية عن سابقه، بعدما ضاقت به الحياة ووجد نفسه غير قادر على تأمين احتياجات أسرته وأطفاله.

ويقول موسى لـ "الوطنية": إن الأسواق الأسبوعية تعد مصدر دخله الوحيد الذي يستطيع من خلاله توفير احتياجات بيته وأسرته، ولكن مع فيروس "كورونا" انقلبت الحياة 180 درجة فأصبح الوضع أكثر سوءًا.

ولفت إلى أن ما يقوم ببيعه للمواطنين لا يضمن سوى هامش من الربح البسيط ولكن تعطيل العمل بالأسواق سبب لهم حصاراً آخر، معبراً عن تمنياته بأن تنتهي هذه الحالة التي نمر بها وأن تكون الأيام القادمة أفضل.

زيادة التدهور

ولم ينكر سائق الأجرة عبد الحكيم الحجار، سوء الأوضاع الحالية بفعل قلة تنقل المواطنين، قائلاً: "الأوضاع الاقتصادية ازدادت بالتدهور إثر الفيروس والإجراءات المتخذة للحد من تفشيه".

وأوضح الحجار، خلال حديثه لـ "الوطنية"، أن ما يجنيه طول فترة عمله الممتد من الساعة 7 صباحاً وحتى 10 مساءًا لا يتعدى الـ 50 شيقل، مضيفاً "لا يكفي لتغطية تكاليف الوقود، ولا يكفي الاحتياجات المنزلية المطلوبة أصلا".

وأكد أن الحركة المرورية صابها الشلل، جراء استمرار تعليق عمل الدوائر الحكومية والجامعات والمعاهد والمدارس لعملها، إضافة إلى قلة تنقل المواطنين بسبب التزام الكثير منهم لبيوتهم.

وكانت الأمم المتحدة، حذرت مؤخراً من تداعيات فيروس "كوفيد-19" على بقاء واستمرارية السلطة الفلسطينية، ودعت الدول المانحة والمجتمع الدولي إلى تقديم دعم سخي ومساعدات، لمواجهة الأضرار الهائلة التي حلت بالاقتصاد الفلسطيني نتيجة تفشي الفيروس.

وأوضحت أن الصدمات السلبية للاقتصاد الفلسطيني نتيجة الوباء، سيكون لها آثار عميقة على الرفاهية العامة، والعمالة، والتماسك الاجتماعي، والاستقرار المالي والمؤسسي.

المصدر : الوطنية - وجيه رشيد