في غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها الـ 3 أمتار وعلى حاسوبه الشخصي يجلس المعلم زياد أبو شرخ، أمام شاشة "اللاب توب"، يقلب صفحات الكتاب المدرسي، ساعياً لتحضير دروسه ليقدمها لطلابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تماشياً مع حالة تعطيل الدوام المدرسي ضمن حالة الطوارئ التي تمر بها فلسطين.

ويعرض المعلم الشروحات المفصلة والتوضيحية الخاصة بالمرحلة الابتدائية بواسطة مجموعات ابتكرها حرصاً على التلاميذ من تفويت الدروس، بعد منع قدومهم لمدارسهم خوفاً من فيروس "كورونا" الذي وصل البلاد.

هذه المبادرة التي أنعشها أبو شرخ جاءت لاستغلال الإجازة الإجبارية التي فرضها عليهم الوباء عقب الإعلان عن وصوله رسمياً للضفة الغربية وقطاع غزة، مستثمراً هذه الفترة للتعليم والقراءة والكتابة والعمليات الحسابية.

وأوضح أبو شرخ لـ "الوطنية" كيفية اعتماده على مواقع التواصل الاجتماعية المختلفة سواء "الواتس اب" أو "الفيسبوك" في تدريس الطلبة وتعليمهم خلال المرحلة الراهنة.

وأضاف: "وجدت وسيلة ربما تغني إلى حد كبير عن الغرفة الصفية من خلال استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بتقديم الشروحات والتوضيحات والفيديوهات المفيدة لأولياء أمور الطلبة ومساعدهم على تدريس أولادهم داخل البيت".

وللتأكد من أن الدرس الذي نشره عبر المنصات، نفذه طلابه فإنه يطالب أولياء الأمور إرسال بعض الفيديوهات التي توضح انجاز التلميذ للدرس المكلف به.

وتابع:" أطلب من طلاب صفي بشكلٍ خاص تنفيذ هذه الأنشطة وإرسال الفيديوهات عبر صفحتي على "الواتس اب" أو "الفيسبوك" وقد وجدت نتائج إيجابية وكأن الطلاب داخل الفصل الدراسي".

وأكد أنه وجد تفاعلاً كبيراً من قبل أولياء الأمور والطلبة على حد سواء خاصة عقب نشر المادة التعليمية والفيديوهات والأرواق الخاصة بشكلٍ إلكتروني.

يشار إلى أن انقطاع التيار الكهربائي وانخفاض سرعة الانترنت من أكثر الصعوبات التي تواجه المعلمين في قطاع غزة الذين يواكبون حالة الطوارئ في خدمة أبناء الشعب الفلسطيني وعدم توفر الحواسيب عند بعض العائلات.

استفادة جزئية

رب الأسرة كمال المطوق، لجأ للصفحات التعليمية لجعل أولاده يستفيدون من الإجازة، مبيناً أنه وبعد انقطاع التعليم عن أولاده بسبب الفيروس الفتاك، اتجه نحو مواقع التواصل حتى لا يتأثروا بفترة الانقطاع عن المدارس.

وأوضح المطوق لـ "الوطنية" أن أولياء الأمور يقوموا بمتابعة دورس أولادهم عبر الصفحات، لافتاً إلى أن الدرس الذي لا يُفهم يتم التواصل مع المدرس عبر هذه الصفحات والاستفسار منه.

وأشار إلى أن الاستفادة من هذه الدروس عبر المنصات الاجتماعية لا تتجاوز حاجز الـ 60%، وبالتالي تعد عائق من المعيقات التي تحد من فعالية التعليم.

وفي 5 مارس/ آذار الجاري، أعلنت حالة الطوارئ في فلسطين من قبل الرئيس محمود عباس، بعد اكتشاف عدة حالات مصابة بفيروس "كوفيد-19" في بيت لحم، كإجراء احترازي خوفاً من توسع بؤرته.

وسرعان من استجابت الوزارات التعليمية سواء المدراس أو الجامعات لهذه الحالة، فأغلقت أبوابها ومنعت قدوم التلاميذ لمقاعد الدراسة خوفاً على صحتهم وللتأكد من سلامتهم.

ليس بديلاً عن المدرسة

ولا يقتصر التعليم عن بعد على الصفحات والمواقع الاجتماعية فحسب بل اتخذت وزارة التربية والتعليم بغزة منهاجاً خاصاً عبر أثيرها الإذاعي بنقل الحصص التعليمية بالصوت والصورة وتفاعل الطلبة، مستعينةً بتقنيات البث المباشر عبر المنصات إلى جانب الإذاعة التعليمية بعدما طورت من خطتها لتشمل كافة الفصول الدراسية.

وقال مدير صوت إذاعة التربية والتعليم بغزة تامر الشريف، إن الوزارة أولت هذا المشروع اهتماماً كبيرا ليس من الآن ولكن منذ سنوات عديدة.

وبحديثه لـ "الوطنية" أوضح الشريف، أنه ومنذ حلول الأزمة كانت الإذاعة في أتم الاستعداد لبث هذه الدروس، وقد انتقلنا من بث دروس خاصة بالمرحلة الثانوية إلى بث الدروس لعدة مراحل من الصف الخامس وحتى الصف العاشر.

وأكد أن هناك جهداً كبيراً لبث الدروس، مردفاً: "نحن لسنا بديلاً عن المدرسة وعن مقاعد الدراسة ولكن نقدم مادة لمساعدة الطلبة وولي الأمر على تجاوز عدم الذهاب إلى المدرسة في هذا الوقت بسبب الطوارئ".

ولفت إلى أن حجم التفاعل على هذه الدروس كبير على "الـفيسبوك" من خلال عدد المتابعين بحديثنا عن أكثر من 210 ألف متابع خلال أيام معدودة.

وترشح الوزارة أفضل المعلمين على مستوى القطاع وبعد ذلك يجرى لهم اختبار من قبل الطاقم الإذاعي ليتم انتقاء الأنسب منهم لهذه المهمة.

ويعمل 40 معلما حاليا في تقديم الدروس إضافة لطاقم فني وإذاعي متخصص، في حين تبلغ مدة كل درس نحو 25 دقيقة، وهي مساوية للوقت الصافي الذي يحصّله الطالب في الحصة المدرسية، وتبدأ الحصة التعليمية الأولى الساعة الـ 9صباحاً وينتهي الدرس الأخير الساعة الـ 9 مساءًا.

رفع التحصيل العلمي

أما وزارة التربية والتعليم في غزة، فأكدت أن التعليم الإلكتروني تقره الدول الكبيرة لأبنائها من أجل زيادة التحصيل العلمي وليست بديلاً عن المدرسة.

وقال مدير العلاقات العامة والإعلام بالوزارة، معتصم الميناوي: "التعليم الإلكتروني تقره الدول المتطورة لأبنائها لرفع تحصيلهم العملي والدراسي وليس بديلاً عن التعليم الرسمي بالمقاعد الصفية".

وأوضح الميناوي لـ"الوطنية" أن الهدف من هذه العملية توفير العلم بكل زمانٍ ومكان ولمزيد من المراجعات للطلبة وللمتابعين، وقد خطونا خطوات كبيرة في هذا المشوار وإنما لتطوير وتجويد العملية التعليمية في كافة المراحل التعليمية".

ويبقى القطاع المحاصر منفتحاً تجاه أي عملية تكنولوجية جديدة تجعله يستفيد منها بالأمور الحياتية وقت الأزمات، وفي نفس الوقت فهو يسعى بكل جهد لتجاوز تلك العقبات بالتحدي والإصرار على مواصلة المشوار.

 

 

 

 

 

 

المصدر : الوطنية - وجيه رشيد