اكتسح اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو نتائج الانتخابات الإسرائيلية لـ "الكنيست" في دورتها الثالثة، التي انعقدت خلال أقل من عام بعدما فتحت أبواب صناديق الاقتراع يوم الاثنين الماضي أمام الناخبين لاختيار مرشحيهم.

هذا الانزياح الهائل لليمين يعكس حالة التحول الإيدلوجي في المجتمع الإسرائيلي في ظل عدم مقدرة منافسي نتنياهو وعلى رأسهم رئيس حزب "أزرق أبيض" بني غانتس باعتباره ممثلاً لحزب اليسار من الإطاحة به.

ومنذ عام 1977 كان اليسار متربعاً على عرش الانتخابات الإسرائيلية، قبل أن يتفوق اليمين عليه عقب تأسيسه عام 1973، ليبقى مسرح الحكم متأرجحًا بين طرفي المجتمع يمينا ويسارا، حتى بداية الانتفاضة الثانية ومع فشل "كامب ديفيد 2"، بدأت الحلبة السياسية محسومة لمصلحة اليمين المتطرف والوسط اليميني.

وعلى الرغم من قضايا الفساد التي لحقت بنتنياهو في الأونة الأخيرة، إلا أنه استطاع الظفر بهذه الانتخابات وسط مراهنات داخلية وخارجية بالمجتمع الإسرائيلي وكذلك المجتمع الفلسطيني على خسارته المؤكدة.

هذا المجتمع الذي يدعي الديمقراطية برفضه القادة الفاسدين، استطاع نتنياهو مخالفة هذه القاعدة، لكن السؤال الأهم الذي يجول في عقولنا جميعاً: هل باتت قضايا الفساد مجرد أفعال لا ينظر إليها القانون الإسرائيلي، أم أن المجتمع الإسرائيلي بات لا يبالي بالفساد مقابل ما يجلبه من مصالح للبلاد، وكيف فاز نتنياهو على الرغم من جميع قضايا الفساد الملتصقة به؟.

بالرجوع إلى الزمن تحديداً نوفمبر/تشرين الثاني، فنتنياهو البالغ 70 عاما، بينها 14 عاما في السلطة، أصبح أول رئيس وزراء في تاريخ "إسرائيل" توجه إليه اتهامات قضائية خلال توليه منصبه، وتشمل قضايا الرشوة والتزوير وخيانة الثقة.

ويتوقع بدء المحاكمة بهذه التهم في 17 مارس/آذار الجاري، أي بعد الانتخابات بأسبوعين فقط، فإذا تمكن برفقة حلفائه من الحصول على غالبية برلمانية، فإنه سيمثل أمام القضاء من موقع قوة وسيحافظ على منصبه.

تلك القضايا كانت محل دراسة "الوطنية" التي قامت بمعاينة بالصحافة العالمية والدولية وكيف تنظر لرجل أدين بقضية فساد وعلى الرغم من ذلك حقق فوز وصفه حينها بـ"التاريخي"، إلى جانب متابعة بعض المحللين السياسيين.

دولياً، صحيفة "جارديان" البريطانية، لم تغفل أن نتنياهو مرتكب جرائم تجعل مثوله أمام المحكمة أمر محتم، متسائلةً: كيف فاز بالانتخابات على الرغم من ملفاته الملوثة؟.

وأوضحت الصحيفة، في تقرير لها أن الذي فشل في تشكيل حكومته وخسر حلفاءه في "إسرائيل" وعلى رأسهم وزير الجيش السابق أفيغدور ليبرمان، أجبر منافسه على إجراء انتخابات ثالثة، مشددة على أن الوضع بالنسبة له تدهور أكثر بعد توجيه التهم له.

وأكدت أن نتائج الانتخابات تعيد نتنياهو الذي ينكر جميع التهم الموجهة إليه، للمشهد السياسي الإسرائيلي بطريقة أو بأخرى، مشيرةً إلى أن ليبرمان، يتفق مع نتنياهو في قضايا رئيسية من بينها استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية، والتحالف مع الحكام القوميين أمثال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.

ونوهت إلى أن بني غانتس أدار حملته على مفاهيم الصدق والشفافية والنزاهة، فكان يسعى أن يرى فيه الإسرائيليين بديلاً نظيفًا لنتنياهو.

ولفتت إلى أن النتائج لها تفسير واضح وهو أن الناخبين لا يصدقون مزاعم الفساد أو أنهم لا يهتمون بها، منبهةً إلى أن من انتخب نتنياهو وحزبه يشبهون مؤيدي دونالد ترمب، الذين يرون فيه مدافعًا عن الولايات المتحدة وحقوقها في العالم.

المحلل السياسي الإسرائيلي ماتي توتشفلد، قال: "علينا أن نتذكر أن نتنياهو ليس مرشحًا جديدًا، يسعى لجذب قاعدة شعبية له، لكنه رئيس الوزراء الأطول خدمة لإسرائيل، الذي أعاد اكتشاف نفسه".

وأردف توتشفلد، الكاتب في صحفية "يسرائيل اليوم"، إنه إذا خسر نتنياهو نتائج الانتخابات ستشكل واحدة من الأمور التي تفرض على الدولة محاكمته رغم كل الانجازات التي حققها، وعلى إثرها عليه أن يتصدى لتحدي القيادة الداخلية.

وأضاف الكاتب المؤيد لنتنياهو أن حبل النجاة الوحيد له، خططه مع واشنطن بصفقة تاريخية وبعدها عاصمة القدس لكيانه ونقل السفارة الأمريكية لها، ومن ثم قرار ضم مستوطنات الضفة الغربية وغور الأردن ومنطقة المثلث، كلها أسباب إيجابية من وجهة نظر المجتمع الإسرائيلي ستنقذه بكل تأكيد من العدالة.

فلسطينياً، الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة، رأى أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية لا تقف على عدد المقاعد التي حصل عليها كل حزب، واللافت هو التحولات الفكرية والسياسية العميقة التي أثرت على نفسية المجتمع الإسرائيلي.

وأكد أبو شمالة، أن المجتمع الإسرائيلي لا ينظر للفساد بقدر إحساسه بالأمن والأمان والثقة بالمستقل، وقد انعكس ذلك على عدد الأصوات المؤيدة لنتانياهو شخصياً، دون الالتفات لكل تلك القضايا.

وتابع: "ثقة المجتمع الإسرائيلي في قدرته على تحقيق أطماعه السياسية في ضم أرض الضفة الغربية بالسرعة الممكنة، ودون تلكؤ، ولا يتحقق ذلك دون شخصية نتانياهو، ومعسكر اليمين".

واستطرد أنه ما زالت الفرصة قائمة لإجراء انتخابات رابعة، طالما لم تتدخل قوى عظمى، لها مصلحة في تشكيل الحكومة قادرة على سداد الدين، وتقديم الدعم الإسرائيلي للرئيس ترمب في الانتخابات الأمريكية.

واختتم حديثه قائلاً: "لا صحة لما يقال عن امكانية الطلب من الكنيست للتوافق على رئيس وزراء يحظى بدعم 61 عضواً، يكلف بتشكيل الحكومة، كما يروج البعض، فلا قدرة للكنيست على ذلك، طالما ظل نتنياهو يمسك بكل مفاصل تحالف الأحزاب اليمنية والدينية، ولديه طلاسم السحر الذي تبتلع فيها حية نتنياهو كل حيات الأحزاب الإسرائيلية".

ويبقي الدم الفلسطيني رهينة للمجتمعات الإسرائيلية وزعمائها في حسم الرجل الذي سيحكم بلاد خاضعة لأطول احتلال بالتاريخ، وسط صمت عربي دولي إقليمي متخاذل في ظل انحياز أمريكي أعمى وعلاقات جبارة مع عدد من الدول العربية وتوسع استيطاني رهيب بالضفة الغربية وعزل كامل لقطاع غزة.

 

 

المصدر : الوطنية - وجيه رشيد