يتفنن الجيش الإسرائيلي المتسلح بآلة الحرب الأكثر فتكاً وقوةً وتطوراً بالعالم، بالقتل والتنكيل والإجرام بحق الشعب الفلسطيني المحتل منذ عام 1948، والذي يعيش تحت نار رشاشاته المبيدة وآلياته العسكرية الثقيلة وصواريخه المدمرة.

مشاهد الإجرام والتنكيل لا زالت مستمرة وتتكرر بشكل شبه يومي، كان آخرها جريمةٌ وقعت قبل أيام قليلة بحق مواطنين كانا يتواجدان شرق خانيونس جنوبي قطاع غزة.

قذيفة صاروخية انطلقت تجاه الشابين حيث كانا يتواجدان بأرض زراعية شرق بلدة عبسان، فقتلت الأول وأصابت الأخر، بعدها تقدمت جرافة عسكرية نحوهما قبل أن يتمكن عدد من المواطنين الذين توجهوا للمكان عقب سماعهم صوت القذيفة من سحب المصاب من تحت أنيابها.

فيما لم يتمكنوا من انتشال جثمان الشهيد محمد علي الناعم (27 عاماً) فانقضت الجرافة الإسرائيلية بأسنانها ومقدمتها الحادة على جسده وأخذت تنكل به بصورة تقشعر لها الأبدان.

الجريمة التي احتلت كافة منصات التواصل الاجتماعي، وشاشات الفضائيات العربية والدولية، بفضل كاميرات الصحافة التي وثقت الجريمة بكل تفاصيلها، أكدت على وحشية احتلال لا يفرق بين حجر ولا شجر ولا بشر.

وما أثار موجة الغضب الواسعة هو غرز الجرافة مقدمتها الحادة بجسد "الناعم"  عدة مرات كالأسد الجائع والمتعطش لرائحة الدم الفلسطينية المفضلة لديه باعتبارها المستضعفة والوحيدة في هذا العالم الصامت والمتخاذل مع الاحتلال.

مخالب الآلية العسكرية الإسرائيلية نهشت جثته حتى تمكنت من حمله من رأسه ليتدلى بقية جسده في الهواء، في مشهد تجرد من كل الإنسانية وأمام مرمى أنظار مجتمع عربي صامت ودولي لا يحرك ساكن.

ما حدث يفسر للجميع العقلية الإجرامية في التعامل مع الشهداء، وهذا ما أسس له وزير جيش الاحتلال نفتالي بينيت بُعيد تعيينه في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بأن يتم احتجاز الجثامين وعدم إعادتهم إلى عائلاتهم كجزء من خطة وصفها بـ"الردع".

الفصائل الفلسطينية ردت بالتنديد والاستنكار والاستهجان، في تصريحات صحفية متفرقة، على هذه الجريمة التي وصفوها بـ "البشعة".

وحملت الفصائل في تصريحات مختلفة لـ "الوطنية" الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة وتبعاتها، مؤكدين أن شعبنا له الحق بالدفاع عنه نفسه، وأن هذه الجريمة لن تكسر إرادة ولا شوكة ولا مقاومة شعبنا الفلسطيني.

أما المؤسسات الحقوقية فكان دورها واضح كضوء الشمس، حين قالت إن هذه الجريمة تصنف الاحتلال وتضعه على قائمة الإرهاب العالمي كأكبر مجرم في العالم وأكثره قسوة وعنجهية.

وأوضحت المؤسسات أن هذه الجريمة تضع الاحتلال الإسرائيلي أمام محاكمة عالمية دولية في محكمة الجنايات الدولية، التي أكدت أن هناك مجازر ترتكب وما زالت ترتكب بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.

وكانت المدعية العامة بحكمة الجنايات الدولية فاتوا بنسودا، طالبت في وقت سابق بضرورة فتح تحقيق دولي يضع الاحتلال عند مسؤولياته وجرائمه، لافتةً إلى أن هناك جرائم لا زالت ترتكب بحق المستضعفين في البلد المحتل، وهذا ما لاح بالأفق بجريمة خانيونس.

مشهد جريمة خانيونس، كاد يتكرر الجمعة الماضية في قرية كفر قدوم شرق مدينة قلقيلة، حيث باغتت جرافة عسكرية عدداً من الشبان وهاجمتهم محاولة قتلهم، ولحسن الحظ لم يصب أحد بجروح خطيرة، باستثناء طفل يبلغ من العمر 9 سنوات ومصور صحفي أصيبا بجروح طفيفة.

جريمة أخرى، ارتكبها الاحتلال قبل أيام في محيط رأس كركر غرب محافظة رام الله، بحق الشهيد فخر محمود أبو زايد قرط (53 عاما)، عندما انتشلت جثمانه بواسطة جرافة.

ولا يقتصر القتل فقط على أبناء الشعب الفلسطيني بل طال في العام 2003 إحدى المتضامين معه، وهنا نستذكر المتضامنة الأمريكية راشيل كوري التي قتلتها آلية عسكرية في قطاع غزة في السادس عشر من آذار/مارس العام المذكور.

فاشية الاحتلال الإسرائيلي وانحطاطه الأخلاقي ظهرت مجدداً عام 2016 بالتحديد في السابع والعشرين من تموز/ يوليو في مشهد مؤلم حين هدمت المنزل فوق رأس محمد الفقيه الذي كان يتخذ فيه ملاذاً آمنناً يتحصن فيه في بلدة صوريف شمال غرب الخليل.

وفي الثاني والعشرين من أيلول/ سبتمبر العام الماضي سحبت أنياب جرافة عسكرية إسرائيلية جثماني شهيدين ارتقيا على الحدود الشرقية وسط قطاع غزة، وفي الثامن والعشرين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام اصطدمت جرافة إسرائيلية بمركبة على طريق حاجز ترقوميا غرب الخليل، ما أدى إلى استشهاد المواطن محمد النواجعة من مدينة يطا وأصابة نجله بجروح.

ولعل أكثر المشاهد المؤثرة التي أستيقظ عليها القاصي والداني، كتبت بماء العار على جبين مرتكبيها كانت عام 2008-2009، حين انطلق صاروخان من طائرة حربية اسرائيلية دمرا منزل عائلة الداية وأبيد حينها 25 شخصاً منها معظمهم من الأطفال.

وبنفس العام، مجزرة بحق عائلة السموني بعدما أمرت القوات الإسرائيلية العائلة بالتجمع في بيت واحد ومن ثم قامت المدفعية بقصف المنزل عدة مرات فارتقى في هذه المجزرة البشعة ما يزيد عن 30 شهيداً.

مذبحة أخرى، وقعت عام 2014 بحق عائلة البطش في حي الشجاعية شرق مدينة غزة بحصيلة شهداء وصلت إلى 18 شهيداً معظمهم من النساء والأطفال بعدما قصفت الطائرات الإسرائيلية المنزل على رؤوس ساكنيه فقتلهم جميعاً.

وبعد خمس سنوات، كرر الاحتلال المتعطش للدماء فعلته بحق عائلة السواركة في دير البلح وسط القطاع، بعدما أقدمت المقاتلات الحربية على تحويل البيت لقبر جماعي وحولته لحفرة كبيرة دفنت جميع سكانه وراح ضحيتها 8 شهداء 5 من الأطفال إضافة إلى سيدتين استشهدوا أثناء نومهم.

وتعد هذه المجازر جزء لا يتجزأ من مسلسل الإجرام الإسرائيلي، الذي يبقى مفتوحاً تحت وطأة صمت عربي دولي يفتح له المجال لارتكاب مزيد من الجرائم المتنوعة من قتل وتشريد وحصار واعتقال وإبادة لعائلات بأكملها.

المصدر : الوطنية - وجيه رشيد