يتوقف الاقتصاد الفلسطيني مكانه دون أي تطور ملموس وملحوظ، نتيجة تواصل الحصار الإسرائيلي، والانقسام الفلسطيني للعام الثالث عشر على التوالي، وصولاً إلى العام 2020 دون الحد من الآثار المفاقمة للأزمات، وعلى رأسها البطالة والفقر والانعدام الغذائي، وحالة الشلل التي تعيشها الأسواق بفعل النقص الشديد في السيولة النقدية، والتوقف التام للقطاعات الإنتاجية والمصانع، بالتزامن مع النقص غير المسبوق في المواد الخام ومنع التصدير وعدم تعويض أصحابها عن خسائرهم المالية التي تكبدوها على مدار السنوات.

وتزامن ذلك مع تنامي أعداد وقيمة الشيكات المرجعة في أسواق غزة والضفة الغربية مما يؤثر على حركة رأس المال الجارية فيه، حيث ناقشت "الوطنية" ملف الشيكات المرجعة، مع سلطة النقد الفلسطينية باعتباره أزمة قديمة ومتجددة بحاجة لدراسة تطوراته ومعرفة آليات التقليل من تأثيره السلبي على الاقتصاد، وتقنين العمل بالشيكات المرجعة.

سلطة النقد أكدت اهتمامها منذ عدة سنوات بمحاربة ظاهرة الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد بسبب آثارها السلبية على النسيج الاجتماعي والاقتصادي، حيث أطلقت نظام الشيكات المعادة في عام 2010 والذي يهدف إلى تصنيف العملاء وفق أسس معينة وبشكل آلي وحسب عدد الشيكات المعادة ودون تدخل من أي شخص، وتوفير هذه البيانات للمصارف من أجل مساعدتهم في اتخاذ القرار الصحيح  وللمساهمة في خفض حجم وقيمة الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد، وتعزيز مكانة الشيك والحفاظ على مكانته القانونية والحد من تبعات المشاكل المصرفية والاقتصادية والاجتماعية.

وأشارت إلى أنها قامت في الفترة الأخيرة باتخاذ مجموعة من الإجراءات لمعالجة هذه الظاهرة وهي، التشديد في التعامل بإيجابية مع طلبات تسوية تصنيف العملاء المصنفين على نظام الشيكات درجات تصنيف طويلة الأمد، ووقف العمل بإقرارات العملاء الخطية لأغراض إجراء تسوية رضائية واستبدالها بتصريح مشفوع بالقسم صادر عن الجهات القانونية، والتحقق من تناسب حجم الشيكات المصدرة مع الدخل الشهري لموظفي القطاع العام والخاص، وإطلاق نظام الاستعلام الائتماني لشركات القطاع الخاص وتمكين الشركات من الاستعلام عن العملاء قبل التعامل معهم ومعرفة وضعهم على نظام الشيكات المعادة.

وأضافت "هناك مجموعة من الإجراءات الإضافية ما زالت قيد الدراسة ستساهم بالحد من ظاهرة الشيكات المرجعة، كتعزيز الإجراءات القانونية، وتعزيز أدوات التصنيف على نظام الشيكات، وتحديد سقوف للشيكات الشخصية، نرى أنها كفيلة بالحد من هذه الظاهرة".

وعزت سلطة النقد الاستقرار في نسبة الشيكات المرجعة خلال الفترات السابقة إلى شقيين، الأول يتعلق بمستخدم الشيك من القطاع التجاري والذي لديه القدرة العالية على التأقلم مع الظروف الاقتصادية، وما ينتج عن قيام التجار بالتحوط وبالتالي فإن نسبة التأثر بالوضع الاقتصادي يكون ضمن حدود ليست متطرفة.

أما الثاني فهو سلوك مستهلكي الخدمات والمنتجات المصرفية (متداولو الشيكات)، وهذا يصعب جداً تشخيصه إلا في حدود فئات من غير التجار، ونتيجة لذلك قامت سلطة النقد بالتشديد قدر المستطاع بالإجراءات وبما لا يؤدي إلى الانتقاص من قوة وفعالية استخدام الشيك كأداة دفع.

كما قامت خلال الفترات السابقة بتعديل التعليمات والتشدد بالتسويات الرضائية وتطوير نظام الاستعلام الائتماني الموحد وربط شركات القطاع الخاص على هذا النظام، وتطوير أنظمة الدفع الإلكتروني وتطبيق المقاصة الإلكترونية.

وأكدت أنها لا تعاني من أي مشاكل في هذا الملف بل العكس فإنها تتابع باهتمام هذه الظاهرة، مضيفةً "قامت خلال السنوات السابقة بعدة إجراءات للحد منها وستقوم خلال العام الحالي بإجراءات إضافية لمعالجة ظاهرة الشيكات المعادة".

غياب للدور القضائي

بدوره، أكد الخبير الاقتصادي ماهر الطباع، أن الشيكات المرجعة تعمل على إرباك دورة رأس المال، بل وتعيق استمرارية التعاملات المصرفية في ظل الظروف الاقتصادية المتردية بقطاع غزة.

وأوضح الطباع في حديثه لـ "الوطنية"، أن الزيادة في استخدام الشيكات جعل منها ورقة وهمية وظاهرة سلبية عموماً، في حين أن الشيك يعتبر ورقة نقدية لها قيمتها أساساً.

وأشار إلى أن هناك غياب للدور القضائي بشكل حازم في ملف الشيكات المرجعة خصوصاً مع اشتداد الأزمة المالية على الموظفين بغزة وغيرها من آثار الحصار الإسرائيلي على القطاع، مشيراً إلى وجود دور رسمي من قبل سلطة النقد لتقنين الظاهرة إلا أن ذلك يحول دون القضاء عليها نهائياً.

ودعا الخبير الاقتصادي إلى ضرورة إيجاد حلول تقنينية بديلة وزيادة القيود المالية بهدف إصلاح الاقتصاد الفلسطيني، خصوصاً مع فقدان الثقة بورق الشيكات إلا إذا كانت من أطراف موثوقة.

يشار إلى أن غالبية التجار والمقاولين وأصحاب رأس المال، وكذلك موظفي القطاعين العام والخاص، يصبون جل اعتمادهم على الشيكات المرجعة لتلبية احتياجاتهم المختلفة، وذلك بسبب زيادة مديونياتهم بشكل كبير والفاقة دون تغطية أي نفقات.

بدورها، أكدت دائرة الأبحاث والسياسات النقدية بسلطة النقد لـ "الوطنية"، أن السوق يتراوح مكانه نسبياً منذ عام 2010 تقريباً، كما أن أعداد الشيكات المقدمة للمقاصة للتسوية كبيرة جداً مقارنة بما يتم تقديمه في التعاملات المالية الإسرائيلية أو دول الجوار.

وأوضحت دائرة الأبحاث، أن قيمة الشيكات المرجعة لعام 2019 الماضي بلغت "1.158.827.679" مليار دولار، بواقع "765.030" شيكاً فقط، في حين أن عدد الشيكات التي قدمت لغرف المقاصة في غزة والضفة الغربية "5.820.730" شيكاً فقط.

فرصة الحل معدومة

بدوره، قال رئيس جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في قطاع غزة علي الحايك، إن مؤشرات التخلص من مشكلة الشيكات المرجعة تكاد تكون معدومة، وذلك بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور منذ عام 2008 وصولاً إلى عام 2020.

وأكد الحايك في حديثه لـ "الوطنية"، أن معدل النمو المالي في أي نشاط خلال تلك الفترة الزمنية دون المستوى الطبيعي لأي سوق منافس، مضيفاً: لدينا شيكات مرتجعة بنحو 1.158 مليار دولار وهو رقم عالٍ في تاريخ القطاع المصرفي الفلسطيني.

وأوضح أن كافة المشاكل التي خلفتها كافة التطورات السياسية على الجانب الاقتصادي مترابطة بشكل كبير، خصوصاً مع اشتداد الحصار الإسرائيلي وأزمة الانقسام الفلسطيني وما ترتب عليهما من عمالة مؤقتة وانهيار شبه أكيد في القطاع الخاص، والانخفاض الحاد في أي قدرة تشغيلية حيوية يمكنها مساندة الاقتصاد الوطني، وكذلك محدودية التدخلات الحكومية والمساعدات والمنح الدولية.

ودعا الحايك إلى ضرورة دعم كافة المنشآت الصناعية والتجارية المتوقفة عن العمل بشكل كلي وجزئي، وكذلك إعداد خطط لإيجاد آليات جديدة تسهم في زيادة تقنين العمل بالشيكات المرجعة من قبل سلطة النقد وكذلك الجانب القضائي مع مراعاة الظروف المالية للدائن والمدين.

وأضاف "من الضروري تفعيل البرامج التنموية الدولية وإعادة ضخ الأموال للمشاريع لما لها من دور فعال في معاجلة الاختلال القائم في حركة رأس المال"، داعياً جميع الأطراف السياسية للوقوف جدياً أمام هذه التحديات كضرورة لتحريك الملفين السياسي والاقتصادي.

من جهته، كشف النائب العام في غزة ضياء الدين المدهون، أن قيمة الأموال المسددة في قضايا الشيكات للعام 2019، بعد استمرارية تطبيق النيابة العامة لسياسة "الاستئخارات المدروسة" تجاوزت 181 مليون شيكل، أي ما نسبته 76.5% من قيمة الشيكات المرجعة.

ويعتبر نهج "الاستئخارات المدروسة" الذي اعتمدته النيابة العامة بغزة بداية الأزمة الاقتصادية منتصف عام 2017، حيث أكدت إنقاذه للقطاع من انهيارات اقتصادية عميقة، مع التفريق بين المَدين المعسر بسبب الظروف الاقتصادية وبين المحتالين أصحاب السوابق الجنائية في القضايا المالية، والموازنة بين حقوق الدائن وظروف المدين.

المصدر : الوطنية - فادي بارود